هل سيردّ حزب الله على «إسرائيل»؟
روزانا رمال
أصبح ثابتاً أنّ «إسرائيل» نفّذت غارة على الأقلّ على الأراضي السورية في اليومين الماضيين، وهي التي أعلن عنها «الإسرائيليون» في الجولان حيث أكدت سلطات الاحتلال أنها استهدفت مسلحين أثناء زرعهم عبوة ناسفة على تخوم الجولان المحتلّ، وقد أشاد بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بالعملية لصحيفة «تايمز اوف إسرائيل»، وشكر جنود بلاده على «اليقظة» التي أظهروها وأدّت إلى تنفيذ هذه العملية السريعة والدقيقة حسب تعبيره.
إذا لم يكن الإعلان الرسمي عن انّ غارة «إسرائيلية» في القلمون استهدفت مواقع لحزب الله وللجيش السوري قد تمّ من جهة حزب الله أو من جهة «الاسرائيليين» على حدّ سواء، فإنّ الغارة الثانية التي نفذتها «إسرائيل» رداً على محاولات تنفيذ عملية داخل مناطق تواجدهم اعترفت بها «إسرائيل» وتدلّ أنّ شيئاً ما قد حدث تزامناً معها، وتؤكد أنّ هذه العملية جاءت على شكل ردّ فعل يمكن ان يكون بحدّ ذاته دليلاً على حجم الغارة، وذلك من خلال ملاحظة طريقة الردّ وتعاطي حزب الله تحديداً معه، خصوصاً أنّ تقارير إعلامية عددة تحدّثت عن انّ مستودعات لسلاح ثقيل واستراتيجي لحزب الله والجيش السوري قد تعرّضت للقصف في غارة القلمون، ما يعني أولاً أنه إذا تمّ تبنّي فكرة أنّ يكون الشبان السوريون تحرّكوا للردّ على غارة القلمون المفترضة فإنّ هذا الأمر يكشف مفاتيح المشهد أكثر ويوضح حجم الغارة ويدحض اللبس.
العارف بطريقة تعاطي حزب الله بالتجربة يدرك انه لا يعمد عادة الى إخفاء أيّ عدوان يتعرّض له، خصوصاً إذا كان هناك شهداء، وقد أثبتت عملية القنيطرة هذا حيث لم تعلن «إسرائيل» عنها إلا أنّ حزب الله فاجأها بالإعلان ليقول لها إنه سيردّ بطريقة أو بأخرى، وقد حصل ذلك في شبعا التي رسمت عمليتها النوعية معادلة أساسية وضعها السيّد نصرالله بين أيدي «الإسرائيليين» بمثابة خط أحمر يمنع التعرّض لأيّ جندي من جنود حزب الله او مصالحه.
الثابت اذاً انّ هناك غارة قد حصلت باعتراف «إسرائيلي»، وأنه ما عاد ممكناً تجاهل المواجهة، فإذا كانت الغارة الأولى على الأسلحة الاستراتيجية قد تمّت ولم يعلن عنها أحد، فإنّ الثانية في الجولان وبعد الإعلان «الاسرائيلي» عنها أصبح حزب الله معنياً بالتصرف على أساسها، لكن هل سيردّ حزب الله؟
اولاً: العمليتان في القلمون وغارات الجولان لا تنطبق عليها معايير الردّ التي حدّدها السيد، والتي ربطت بضرب عناصر للمقاومة أو اغتيال عناصرها وكوادرها، فالعملية الأولى مشكوك فيها، وإذا تمّت فهي ليست أكيدة، والثانية يعتقد أنها مقاومة سورية عبر خطوط الاحتلال، وشهداؤها اربعة… اثنان منهما من قرية متاخمة للحدود والاثنان الآخران من مدينة مجدل شمس الواقعة تحت الاحتلال في الجولان، وبالتالي فإنّ من نفذوا العملية واستشهدوا ليسوا من رجال حزب الله الذين يخضعون لمعادلة السيد نصرالله التي فُرضت على الإسرائيليين بعد عملية شبعا، وبالتالي فإنّ هذه العملية حسب المتابعين هي جزء من مقاومة سورية، ومن الأفضل أن تؤكد هويتها السورية، وأنها ليست مجرّد ذراع سوري لحزب الله اللبناني.
ثانياً: إذا كان هؤلاء الشهداء قد توجهوا بالتنسيق مع حزب الله والجيش السوري لتنفيذ العملية فإنّ طريقة الردّ والمقاتلين المعتمدين الذين لا ينتمون إلى حزب الله، أيّ الذين هم خارج معادلة السيد نصرالله، وإخفاقهم العملية، كلها أمور تشير الى ان اثر أو حجم غارة القلمون المفترضة ليس سوى مجرّد أخبار عارية عن الصحة يُراد تكبيرها لاستدراج حزب الله الى موقف ما.
ورداً على الاستنتاج الذي يقول إنّ حزب الله لن يردّ ثمة معطيات يتداولها معنيون بعمل المقاومة تقول: « افتحوا عيونكم على احتمال إطلالة مفاجئة للسيد نصرالله يرافقها إعلان عن ردّ حدث أو سيحدث إذا ثبت انّ عملية القلمون الأولى قد استهدفت سلاحاً نوعياً يخصّ حزب الله والمقاومة، فترك هذه الغارة من دون ردّ يعني كسراً لميزان الردع الذي أعلنه حزب الله بعد عملية مزارع شبعا».
هذا إضافة إلى أنّ كلّ الإيحاءات التي نجح «الإسرائيلي» في خلقها بعد العمليتين تشير إلى أنّ معادلة ردع عملية مزارع شبعا قيد الاختبار، حتى لو ثبت أنها خارج المعايير التي وضعها السيد نصرالله، فكيف إذا تبيّن أنّ غارة القلمون حقيقية في حجمها، وأنها طاولت صلب ما ينطبق عليه ميزان الردع وواجب الردّ؟
بلا شك انّ التحركات والغارات «الإسرائيلية» تأتي في ظرف إقليمي ضاغط على حلفاء «إسرائيل»، وكلّ متضرّر من الاتفاق النووي مع طهران، في وقت لم توقف السعودية المتضرّرة أيضاً من الاتفاق عملية «عاصفة الحزم» ضدّ اليمن، رغم أنا أعلنت وقفها للتوجه إلى الحلّ السياسي، بالتالي فإنّ الإسرائيلي الواقع بين ميزان ردع السيّد نصرالله وميزان حماية نفوذه وتضرّره الاستراتيجي، عقب توقيع الدول الكبرى الاتفاق مع طهران في موقف حرج سيضعه للمرة الأولى أمام ضرورة حسم أولوياته وتحركاته في أيّ جبهة من الجبهات الساخنة في المنطقة، خصوصاً في مواجهة حزب الله الذي يؤكد المعنيون فيه انّ قوة ردعه الاستراتيجية لم تتأثر بكلّ ما جرى في سورية في السنوات الأربع الماضية.