المقاومة لا تعمل على الساعة «الإسرائيلية»… ولبنان يترنح ولا يسقط
كتب المحرر السياسي:
في اليمن يقاس نبض المنطقة، ومن اليمن يقاس ميزان القوى على مساحتها، ومجلس الأمن كان قبلة الأنظار بعد طول انتظار، فقد وضع السعوديون كلّ بيضهم في سلة المداولات التي أجراها مجلس الأمن يوم أمس، وهم يربطون وقفهم للحرب ومواصلتها في آن، بكون الثوار اليمنيين سيواجهون ساعة الحقيقة المرة، ويجلبون بقوة «المطوع» الدولي إلى «بيت الطاعة» السعودي، وسيكونون في مأزق ما لم يعلنوا الاستجابة لقرار مجلس الأمن الذي صدر وفقاً للفصل السابع تحت الرقم 2216 وطالبهم بالاعتراف بشرعية منصور هادي وتسليم المدن للجيش الذي يأتمر بأوامره، وإلا، سيقرّر المجلس تفويض السعودية وتحالفها رسمياً بما يشبه الانتداب الذي حصل عليه الأميركيون في العراق بعد احتلاله، لإعادة تكوين السلطة فيه، وستصير اليد السعودية طليقة أكثر بعد هدنة مجموعة أيام حافظت خلالها على الحصار الشديد بحراً وجواً على اليمن، وأكملت حضور غاراتها للحفاظ على ما تيسّر من قدرات الموالين لها، خصوصاً الذين يقاتلون في عدن وفي مقدّمهم تنظيم «القاعدة».
وبعد الصراخ السعودي لأسبوع متواصل تحت شعار «انتظروا جلسة مجلس الأمن» عقدت الجلسة الموعودة، وكانت كلّ المداولات فيها تشير إلى خسارة سعودية مدوية، فالكارثة الإنسانية داهمة في اليمن، والعاصفة السعودية كارثة سياسية وإنسانية، والحوار بلا شروط يبدو الطريق الوحيد لمجتمع دولي يدرك محدودية خياراته وقدراته، ويعلم أنّ القوى الإقليمية واليمنية المناوئة للتدخل السعودي منفتحة على حلول واقعية وتتقدم بكلّ إيجابية نحو أي مبادرات جدية تراعي حقائق الوضع في اليمن، ولا تنطلق من فرضية طواها الزمن وهي أن اليمن مستعمرة سعودية.
تجاهل المجلس كل الحديث عن العقوبات، ووضع قبالته السعي للحل السياسي كأولوية، وكلف مبعوثاً جديداً هو الموريتاني إسماعيل ولد الشيخ أحمد، بإدارة مساعي الحل السياسي طالباً من الجميع تسهيل مهمته.
ما جرى حول اليمن جاء على إيقاع تصعيد مرتفع الوتيرة بين السعودية وإيران، سعى الأميركيون للدخول على خطه تمهيداً لتحويله شحنة تفاوضية بينهما، يرونها مدخلاً للاستقرار في المنطقة، فقال وزير الخارجية الأميركي جون كيري إن اليمن يجب أن يقرر مصيره أبناؤه لا القوى الخارجية، وأن بحثاً حول اليمن سيتم بينه وبين وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف، بصورة بدا معها الكلام الأميركي أقرب للموقف الإيراني المندد بمشاريع الوصاية السعودية على اليمن بقوة العدوان، بينما تنحسر حدود الدعم الأميركي للسعودية بمعادلة، «نقف مع المملكة بوجه كل ما يعرض أمنها للخطر».
مناخ يمني جديد، ينعكس ضعفاً وهزيمة ديبلوماسية سعودية، يترافق مع تصعيد في جبهات القتال السورية بدفع تركي سعودي، يتخطى كل المرات السابقة، بالزج بكل القدرات المتاحة لهما لفرض أمر واقع في شمال سورية، يعوض الخسارة في اليمن، وبالمقابل محاولات تحرش «إسرائيلية» بالمقاومة، من دون المساس بخطوطها الحمراء بعد، أملاً بخلق الإيحاء بأن معنويات المقاومة قد أصيبت، فيجري الانزلاق نحو جولة عرض قوة، تريدها «إسرائيل»، فيما المقاومة تلتزم الغموض حول ما إذا كانت ثمة غارات استهدفت سلاحاً أو مواقع تخصها، وما إذا كانت تعتبر استهداف مجموعة المقاومة السورية على حدود الجولان انتهاكاً «إسرائيلياً» لقواعد الاشتباك التي وضعتها المقاومة أم لا؟
المقاومة وفقاً لمتابعي أداءها، مهما كان تقييمها لما يجري، سواء وجدته يستحق الرد أم لا، فهي كما تقول تجربتها بعد غارات جنطا وقبلها غارات جمرايا، تتحكم بالتوقيت وفقاً لأولوياتها ولا يمكن أن تعمل على توقيت الساعة «الإسرائيلية» بداعي الاستفزاز، والانفعال، والانجرار إلى ردود الأفعال، وفي رصيدها ما يكفي لتقول، إنها أثبتت أكثر من مرة أن ميزان ردعها هو الحاكم لمعادلات الصراع، وتجربة عملية مزارع شبعا ما زالت حاضرة.
لبنان الذي يستقوي بمقاومته، وينقسم حولها، يترنح تحت تأثير انقسامات تتخطى قضية المقاومة هذه المرة لتطاول كل شيء، فالتشريع متوقف ومصادر رئيس مجلس النواب تنقل عتبه على التيار الوطني الحر، الذي كان قد وعد بالمشاركة بأعمال التشريع، وتراجع، بينما التيار يرد بالقول إن تبرير ضياع أموال الخزينة في ما يعرف بـ «مليارات السنيورة» ثمن متفق عليه للجلسات التشريعية، وتخطي تعيين العميد شامل روكز قائداً للجيش ثمن مقابل لتسيير الأعمال الحكومية، والتيار لن يسهل هاتين الصفقتين، تمهيداً لصفقة ثالثة تطاول الرئاسة على حسابه.
التشريع والموازنة في لقاء بري ـ سلام
في سياق التشاور الدوري أجرى رئيس المجلس النيابي نبيه بري جولة أفق مع رئيس الحكومة تمام سلام تناولت مختلف الملفات من التشريع إلى الموازنة والأوضاع العامة. كما التقى قائد الجيش العماد جان قهوجي وبحث معه في الأوضاع الأمنية.
وأكدت مصادر عين التينة لـ»البناء» «أن موقف الرئيس بري بات واضحاً للجميع، فهو لن يجري أي اتصالات جديدة في شأن عقد الجلسة التشريعية، وأن الموضوع أصبح عند القوى السياسية التي عليها أن تتحمل مسؤوليتها».
وإذ أشارت المصادر إلى أن حزب الكتائب والقوات اللبنانية «عبّرا عن موقفهما وبوضوح منذ البداية»، أشارت إلى «أن التيار الوطني الحر تراجع قبل يوم واحد عن موقفه بالمشاركة»، مشيرة إلى «أن الرئيس بري لم يكن ليقدم على الدعوة لعقد جلسة عامة، ما لم يتأكد من مشاركة التيار الوطني».
وشددت مصادر عين التينة على «أن كلام الرئيس بري في جلسة التمديد عن دعوة المجلس للاجتماع وطرح كل مشاريع واقتراحات القوانين الانتخابية وفقاً لورودها إذا لم تتوصل لجنة التواصل إلى أي اتفاق خلال مهلة الشهر أرفقها بانتخاب الرئيس، بعد إعلان النائبين مروان حمادة وإيلي عون الذي قال حينها «إن العودة إلى المجلس غير جائزة قبل انتخاب رئيس الجمهورية الذي يجب أن يبدي رأيه في قانون الانتخاب».
وفي سياق متصل، أكد رئيس تيار المستقبل سعد الحريري خلال جلسة حوار في واشنطن «أننا بحاجة إلى انتخاب رئيس، فالفراغ في سدة الرئاسة أمر خطير جداً وعلينا الالتزام بإعلان بعبدا ومحاربة كل أنواع التطرف سواء السني أو الشيعي».
لا تسوية مالية للرئيس السنيورة
وأكد أمين سر تكتل التغيير والإصلاح النائب إبراهيم كنعان لـ«البناء» «أن مقاطعة التيار الوطني الحر جلسة التشريع ليست مسألة تعطيل، فنحن أعلنا أننا نذهب إلى جلسة عامة يتضمن جدول أعمالها قانون الانتخاب واستعادة الجنسية والسلسلة، والموازنة». وسأل: «لماذا يريدون تحميل موقف التيار أكثر مما يحتمل، نحن لم نتراجع مطلقاً عن موقفنا، فهذا الموقف اتخذناه منذ 10 أشهر وليس وليد الساعة كما يشاع، أننا لن نشارك في جلسة لا نجد على جدول أعمالها مشاريع قوانين لها علاقة بتشريع الضرورة».
من ناحية أخرى، أكد كنعان أن ما يجري يؤكد «أنهم لا يريدون إقرار قانون انتخابي يحقق صحة التمثيل، ولا يريدون تعيين العميد شامل روكز قائداً للجيش»، مشدداً على «أننا لن نساوم ولن نقبل محاولة البعض ربط الملفات العالقة بعضها ببعض من أجل إيجاد تسوية مالية للرئيس فؤاد السنيورة».
وشدد وزير المالية علي حسن خليل على أنه «لا يمكن الحديث عن انتظام المالية العامة والوضع الاقتصادي العام من دون إقرار الموازنة»، مشيراً في مؤتمر صحافي إلى أنّه «لم يعد مسموحاً المماطلة بإقرار الموازنة ولن نرضى إ ّ باتخاذ قرار في مجلس الوزراء وإحالتها إلى مجلس النواب». وأضاف خليل: «هناك 11 اتفاقية ومشروعاً دولياً يهم الناس في معيشتها مهددة بالإلغاء إذا لم يشرّع مجلس النواب».
«الكتائب»: مع التعيينات… ولكن
وأكد وزير الإعلام رمزي جريج في حديث إلى «البناء» أنه مع مبدأ التعيينات في مجلس الوزراء لقادة الأجهزة الأمنية والعسكرية، لكن المشكلة تكمن إذا لم يتم التوافق على أسماء لهذه المناصب بين المكونات السياسية داخل الحكومة».
وإذ أشار إلى «أن التيار الوطني الحر مصر على التعيينات الأمنية والعسكرية»، لفت جريج إلى احتمال أن يتم التعيين لأن غالبية الوزراء مع مبدأ التعيين، فهناك سن معين لتقاعد العسكريين محدد في القوانين ومن هذا المنطلق يجب تداول المراكز القيادية وفقاً للمواعيد والاستحقاقات المحددة في القانون».
وحذر جريج من «أن الفراغ في موقع الرئاسة الأولى سيؤدي إلى شلل كل المؤسسات الدستورية وليس فقط مؤسسة مجلس النواب إنما في الحكومة أيضاً لأنها لا تستطيع أن تتناول القضايا الخلافية وتعمل دائماً على تأجيل المواضيع الدقيقة والحساسة، معتبراً «أن الشلل ناتج من عدم انتخاب رئيس للجمهورية».
وعن مدى إمكان فصل الملف الرئاسي عن جلسات التشريع في المجلس، رفض جريج هذا المنطق مبيناً أنه «لا يمكن فصل الأمرين لأن الدستور يقول إن المجلس النيابي يتحول إلى هيئة ناخبة في حالة الشغور الرئاسي»، سائلاً: «لماذا لا نؤمن النصاب لانعقاد المجلس لانتخاب رئيس للجمهورية»؟
وأضاف: «لا يجوز أن نسخف مركز رئاسة الجمهورية بل يجب على جميع الكتل النيابية وعلى النواب النزول إلى المجلس النيابي لانتخاب رئيس، لأن استمرار عمل بقية المؤسسات سيشجع استمرار الفراغ وكأن الأمر طبيعي».
وعن تشريع الضرورة أوضح «أنه من الناحية الدستورية والقانونية كل القوانين المتعلقة بتكوين السلطة يمكن البحث فيها خلال فترة الشغور الرئاسي لاعتبارات تتعلق بتكوين السلطة، لكن الأفضل انتخاب رئيس للجمهورية قبل النظر بقانون الانتخابات النيابية أو قوانين أخرى».
أفخاخ لتطيير السلسلة والموازنة
وأكد وزير العمل سجعان قزي لـ»البناء» أن الاتصالات السياسية لم تنضج بعد، وأن القرار لم يتخذ بعد لتضمين السلسلة في الموازنة، أو إقرار الموازنة من دون السلسلة». وشدد قزي على «أن إقرار السلسلة ضمن الموازنة يتطلب أن تجتمع الهيئة العامة وتقر السلسلة أولاً، وبعد ذلك تدخل نفقات وواردات السلسلة في الموازنة». وأعرب قزي عن تخوفه من أن تؤدي التعقيدات الحاصلة إلى أفخاخ لتطيير السلسلة والموازنة، على رغم أنها درست جيداً من وزير المال والسلسلة نوقشت مطولاً في اللجان المشتركة».
وأكد عضو كتلة المستقبل غازي يوسف لـ»البناء» أن على مجلس الوزراء أن يرسل الموازنة إلى مجلس النواب لنناقشها ونعدلها لتتضمن أرقام السلسلة»، ولفت إلى «أنه لا يعقل أن تكون هناك موازنة تتضمن الإجراءات الضريبية ولا تأتي على أرقام الإنفاق»، معتبراً أنه «لا يجوز أن نعيش بموازنات عمرها 10 سنوات».
ترحيب بالخطة الأمنية في الضاحية
أمنياً، يبدأ اليوم تنفيذ الخطة الأمنية في الضاحية الجنوبية لبيروت مع اكتمال العديد اللازم الذي يقوم على الحواجز والدوريات الراجلة والحواجز الظرفية. وأشارت مصادر مطلعة لـ»البناء» إلى أنه واستكمالاً للتفاهمات والتوافقات السابقة بين تيار المستقبل وحزب الله، يبدو أن هناك اتجاهاً لتنفيذ ما سبق أن وعد به من خطة أمنية في الضاحية، خصوصاً مع ترحيب القوى السياسية النافذة في المنطقة وتشجيع منها على تنفيذ الخطة، لأن في ذلك مصالح متعددة الجوانب تتحقق من خلالها للمواطن والمنطقة وللجهات السياسية النافذة. وهذا لا يعني أن هذه الخطة، كما يحاول البعض تصويرها، إنما هي مطلب للجهات التي يروج لها بعض الموتورين في القول إنها متضررة من الخطة الأمنية بينما هي في مصلحتها».
هل ينقل أهالي العسكريين اعتصامهم إلى طريق المطار والكازينو؟
إلى ذلك، عكرت رسائل التهديد التي تلقاها الشيخ حمزة حمص والسيدة ماري خوري، من «جبهة النصرة» أعلنت فيها «أن العسكريين سيدفعون ثمن تقصير الدولة اللبنانية»، الأجواء الإيجابية التي أشيعت في الآونة الأخيرة وتحدثت عن حلحلة في ملف العسكريين لدى «جبهة النصرة». وأكدت مصادر مطلعة لـ»البناء» أن «الدخول التركي والقطري على خط معالجة ملف العسكريين المختطفين لدى النصرة تراجع بعض الشيء ما دفع بالنصرة إلى تهديد الأهالي مجدداً».
وأكد نظام مغيظ شقيق العسكري المخطوف لدى «داعش» إبراهيم مغيط لـ»البناء» أن «وزير الصحة العامة وائل أبو فاعور اتصل بالوسيط مع النصرة وطلب منه التوجه إلى جرود عرسال لمتابعة الوضع على الأرض». ولفت إلى «أن توجه الأهالي إلى التصعيد بات مؤكداً، إلا أننا ندرس الخيارات المناسبة التي سنتخذها». وقال: إن لم نحصل على تسجيل فيديو يطمئننا إلى صحة العسكريين المخطوفين لدى «داعش» قبل نهاية الشهر الجاري، فإننا سنلجأ إلى تعطيل أعمال المرافق العامة والسياحية، من قطع طريق مطار بيروت الدولي، إلى الاعتصام أمام المرفأ وأمام كازينو لبنان». وشدد على «ضرورة أن تتحمل الحكومة مسؤولية ما آلت وستؤول إليه الأمور»، لافتاً إلى «أن حكومة مكبلة وغير جدية في المفاوضات وتتلقى أوامرها من الخارج، لذلك أشرف لها أن تستقيل».
وعاد أمس 39 سائقاً لبنانياً من السائقين اللبنانيين الذين كانوا عالقين في محيط ميناء ضبا السعودي إثر إقفال الأردن لحدوده البرية مع سورية منذ حوالى الشهر.