«حبّ على الحدود»… تمرّد لجيل يهوى الانعتاق من القيود

هناك على أرصفة الوجود، ينصهر الخيال بالواقع، فتولد فكرة انزلقت من على شفة الزمان، وبدأت تنمو ما بين حشائش العمر، تحملق في التاريخ تارة، وتشرئب إلى حيث انبثقت تارة أخرى. أتقنت شرب الندى على مهل، فكانت خليقة بتشكيل خريطة المجد الأزليّ. وإن ظلّ صوتها مخنوقاً ردحاً من الزمن، إلا أنها تكلمت لهباً وحبّاً، فكانت من لهيب النار تذيب القيود، ومن دموع الشمس تسقي الورود. لتصنع أهزوجة النصر فوق الحدود.

أرادوها صغيرة فأبت، حاولوا طمس أنوثتها فاعتلت، واهتزت وربت، هي أنثى فلسطين، تحمل قلبها على كفَّي طريق. تنهض من تحت ركام القمع. وتثمر على رغم جفاف الطقوس. وتصنع طقس الحياة الرقيق. وتبحر حين تموج البحار. وحين يخون الظلام النهار، وتصحو لتحرس بيدر عزّ، وتسهر حين ينام الكبار.

على وقع خطى تلك الطفلة التي جاءت لتصون العهد، وتكحّل ناظريها بحجارة المكان المقدّس، حاملةً معها حقيبة الرمز، رافضة أن تفتحها إلا على قراءات شتى.

تجلى ذلك في العمل الثاني، بعد مسرحية «كافر سبت» عن رواية بِالاسم نفسه للكاتب عارف الحسيني، لكل من عبد الله لحلوح ومؤيد الديك وفادي أبو فرحة، ضمن فعاليات اليوم المفتوح في مدرسة «فرندز» للبنين في رام الله، تحت عنوان: «حبّ على الحدود». إنها مسرحية تريد لنا أن نقرأ الفعلَ الإنسانيّ من خلال شخوص اعتنقوا خشبة المسرح، ليكونوا سفراء مجتمع أرهق الكون بمآسيه، وأجهض كل محاولات التذويب. فسلخ النصر من أثواب الهزائم، والفرحَ من أنياب الحزن، ليمشط شعر حبيبته فلسطين بما ألّفه من ملاحم تفوق المستحيل.

«حبٌّ على الحدود»، مسرحية تأتي من مكان سرّي في أعماق الفلسطينيين، من تجربة تبحث عن لغتها، فتزيح الستارة عن فصول من المأساة الفلسطينية سياسياً واجتماعياً، لتثور على المعتدي، الذي يحاول إقصاء ذاكرة الأجيال عن تاريخها وجذورها من جانب، وتثور على عادات اجتماعية وتقاليد رجعية، وسلطة أسرية قمعية. هي صرخة تمرّد لجيل يريد الانعتاق من القيود، صرخة تتجاوز حدود المحتل، وقيود التقاليد، إنها صرخة جيل متفتح وواعٍ، فالأوطان لا يمكن أن تتحرّر قبل أن تتحرر العقول.

مسرحية «حبّ على الحدود» كانت من رؤية وكتابة عبد الله لحلوح، وإخراج مؤيد الديك وعبد الله لحلوح، ومؤثرات صوتية وتقنية للأستاذ «أبو فرحة».

وأدّى أدوار أبطالها الطلاب في مدرسة «فرندز»: أمير الصيفي، ورزان حرز الله، سيف ناصر الدين، ويارا إسماعيل، وعمر عنبتاوي، ونيكول زكاك، وديڤيد طنوس، وجود طوقان، وحسام بسيسو، ودالية رشماوي، ونديم برغوثي، وفؤاد شحادة، ومارسيل شمشوم، وفادي أبو الحمص، وإبراهيم زغل، وهادي مسروجي، وركان سكاكيني، وسليم أصبح.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى