النووي الإيراني وتراجع الكونغرس: الشركات الأمر لي
حميدي العبدالله
توصلت إدارة الرئيس أوباما إلى اتفاق مع الكونغرس حول الملف النووي الإيراني، وبموجب الاتفاق يقوم الرئيس بإطلاع الكونغرس على الاتفاق الذي سوف يتمّ التوصل إليه ويوقع من قبل الإدارة وفق الآليات الدستورية المعروفة. ويؤكد محللون ومراقبون أنّ هذا الاتفاق مع الكونغرس ضمن للرئيس تمرير الاتفاق، وإلزام مؤسسات الولايات المتحدة الدستورية به، ووقف أعمال التشويش والشغب التي كانت تمارس، إضافة إلى وقف التهديدات بتعطيل الاتفاق.
إطلاع الإدارة الكونغرس على الاتفاق لا يعني أنّ الكلمة الأخيرة باتت في يد الكونغرس لإقرار ونقض الاتفاق. فالدستور الأميركي يعطي للرئيس حق الفيتو ضدّ أيّ قرار يتخذه الكونغرس. وعلى فرض أنه عند عرض الاتفاق للتصديق عليه، قد رفضه الكونغرس، في هذه الحال سيستخدم الرئيس حق الفيتو، وعندها يتوجّب على أعضاء الكونغرس الحصول على دعم ثلثي الأعضاء لرفضت الاتفاق، وتوزيع مقاعد الكونغرس بين المؤيدين والمعارضين للاتفاق لا يتيح للمعارضين حشد ثلثي أعضاء الكونغرس لتمرير أيّ تصويت برفض الاتفاق. وهذا يعني بوضوح أنّ معارضة الكونغرس قد انتهت وأنّ الاتفاق هو في مصلحة الرئيس الأميركي. يذكر أنّ مجلس الشيوخ الأميركي، الذي يهيمن عليه الجمهوريون الذين طالما عارضوا الاتفاق وشوّشوا على المفاوضات الجارية، قد مهّد للاتفاق بين الإدارة والكونغرس من خلال التصويت بالإجماع على مشروع قرار يحذر إيران من فرض عقوبات جديدة في حال لم تلتزم بالاتفاق الذي سوف يتمّ التوصل إليه، ومعروف أنّ إيران تسعى للوصول إلى الاتفاق، والكونغرس هو الذي يعارض ويوجه الاتهام لإدارة أوباما بالتفريط بالمصالح الأميركية والتساهل مع إيران، وبالتالي ما الذي سيدفع إيران للتنصل من اتفاق سعت إليه وعارضه الكونغرس؟ لا شك أنّ قرار مجلس الشيوخ كان مجرّد مناورة سياسية إعلامية لتبرير إذعان الكونغرس لمشيئة الإدارة مع اقتراب موعد توقيع الاتفاق النهائي.
لكن ما الذي دفع الكونغرس إلى تغيير مواقفه والقبول بهذه التسوية التي تصبّ في مصلحة نهج إدارة أوباما إزاء الملف النووي الإيراني؟
معروف أنّ الكونغرس بشيوخه ونوابه تموّله الشركات الأميركية الكبرى عبر التبرّعات التي يتمّ جمعها عشية كلّ انتخابات، ومعروف أنّ كلفة الحملة الانتخابية لكلّ عضو في الكونغرس الأميركي، سواء كان نائباً أو سيناتوراً تتجاوز الـ50 مليون دولار، وبديهي أنّ الشركات الكبرى وحدها القادرة على تمويل الانتخابات التشريعية. مصلحة الشركات الأميركية الكبرى بعدم تعطيل التوصل إلى اتفاق مع إيران، وعندما قالت الشركات كلمتها امتثل الكونغرس لقرارها، وكانت هذه التسوية.