مجازر العثمانيين بحق الشعب السوري لم تتوقف!

محمد ح. الحاج

كيليكيا الكبرى، والصغرى جزء لا يتجزأ من أراضي بلاد الشام، احتلهما العثمانيون منذ بداية القرن السادس عشر ولم يخرجوا منهما عندما انهارت الامبراطورية، وقد ساهم التواطؤ الاستعماري في السكوت عن بقاء هذه الأجزاء الغالية تحت السيطرة التركية من خلال تسويات أخذت في الاعتبار ترضية القيادة التركية الجديدة التي غدت تابعاً لسياسة الغرب الاستعمارية. بذلك تحقق جزء أساس من تمزيق هذه الأمة تمهيداً لمشاريع لاحقة كان أهمّها تقسيم الأمة اتفاقية سايكس بيكو وسلخ لواء الاسكندرون و«منح» فلسطين لليهود.

سكان الأراضي المحتلة في كيليكيا الشرقية، وتضمّ محافظات ديار بكر وماردين وأورفه وغازي عنتاب، وكيليكيا الغربية وعاصمتها أضنه، كما اللواء السليب، هم من السوريين بتنوّع معتقداتهم واثنياتهم، وعندما ارتكب الانكشاريون العثمانيون مجازرهم في العام 1915 كانوا يستهدفون سكان سورية الشمالية، وهم من الأرمن والكلدو آشور والسريان، والكرد والعرب، لكن غالبية الضحايا كانت من الأرمن، يليهم السريان والكلدو آشور، لاعتقاد قادة بني عثمان أنهم سبب خسارتهم الحرب أمام الروس. وهكذا سجل التاريخ أفظع مجزرة إنسانية بحق شعب آمن على قاعدة العداء للمعتقد، نرى أنها تفوق ما يُدعى المحرقة اليهودية مع اختلاف الأسباب، فاليهود ساهموا فعلاً في دعم الحلفاء وتآمروا على نظام هتلر في ألمانيا ما دفعه إلى الانتقام منهم.

الأعوام ما بين 1935 وحتى 1939 مارس النظام التركي أشدّ أنواع الاضطهاد والتنكيل بسكان لواء الاسكندرونة تمهيداً لوضع اليد عليه بالتواطؤ مع الحكومتين البريطانية والفرنسية، ولا شك أنّ سكان اللواء، وأغلبهم علويون، تعرّضوا للحصار والسجن والقتل ثم الطرد والتشريد جنوباً إلى مناطق الساحل السوري، وقد أعلنت تركيا ضمّ اللواء في أيار 1939 بعد عمليات تزوير واسعة وإقامة مجلس تشريعي من الأقلية التركية وبعض العملاء، متجاهلة إرادة غالبية السكان، برغم تقارير اللجان الدولية، ومنها لجنة كينغ كراين، وهذه العمليات هي أيضاً عدوان سافر وتشكل مجزرة لحقوق السوريين والأمة السورية.

تركيا التي لم تكن في يوم من الأيام مخلصة لحسن جوارها، لا يمكنها أن تكون غير ذلك، وهي منذ العام 2011 تتآمر على الشعب السوري وتفتح أبوابها مشرّعة لكلّ شذاذ الآفاق من المرتزقة وبدلالة استخباراتها المرتبطة بالموساد الصهيوني، والاستخبارات المركزية، يتمّ إدخال هؤلاء المرتزقة إلى أراضي الشام والعراق، وإمدادهم بالمال والسلاح المقدّم من المنظومة الرجعية العربية خدمة لمشروع يشمل المنطقة بأسرها وليس سورية فقط، ويمكن القول إنّ المجازر التي حصلت، وما زالت تحصل في عموم الأراضي العراقية والشامية إنما تقوم بها عصابات جرى إعدادها ودعمها من قبل الحكومة التركية بشكل أساس، ودعم وتمويل حكومات استعمارية ورجعية عربية أخرى.

يهود الداخل والانتماء للدونما

تناقلت وكالات الأنباء المختلفة خبر إرسال بعض أركان المعارضات الخارجية برقية تهنئة إلى قادة الكيان الصهيوني بمناسبة ما أسموه الاستقلال معربين عن تمنياتهم بأن يكون العام المقبل موعداً لفتح سفارة للكيان الصهيوني في دمشق…!

وبعد، كيف لهؤلاء أن يقولوا إنهم يمثلون الشعب السوري، وهذا الشعب يعلم أنّ من أهداف قيام الدولة الصهيونية الأساس هو محو اسم سورية عن خريطة العالم وإلغاء وجود هذا الشعب…؟ هل نكتشف متأخرين أنّ قادة المعارضات القابعين في بعض عواصم العالم، ومنها العاصمة التركية، هم من أصول يهودية، كما هم يهود الدونما الذين انتشروا عبر أربعة قرون من الاستعمار العثماني في طول البلاد العربية وعرضها، ومنها العراق والشام، كما الثابت أنّ منهم قادة السعودية…! مبروك يا معارضات الخارج شرف الانتماء الجديد، وقلة الشرف في خيانة الأمة والوطن، ونقول لكم: خسئتم لن يرتفع للعدو علم في سماء دمشق.

الحزم والعزم وخيبة الأمل والعقاب المنتظر…

هل حقاً حققت عاصفة الحزم أهدافها كما ادّعى الناطق الرسمي باسمها؟ نعتقد ذلك طالما كان في صلب الأهداف تدمير مقوّمات الدولة اليمنية وتهديم بنيتها التحتية وإعادتها عدة عقود إلى الخلف، ودفعها إلى التسوّل لإعادة إعمار بعض ما تهدّم.

نعم حققت العاصفة أهدافها، وعهدنا بالعواصف الكثير من الدمار والخراب، سواء كانت عواصف الطبيعة أو عواصف العدوان البشري، وربما تكون العواصف من صناعة البشر أشدّ قسوة وأكثر هولاً لانعدام المشاعر الإنسانية وفقدان الرحمة في حين تأتي العواصف الطبيعية قصيرة تشوبها الرحمة الإلهية، ويتضامن البشر لإزالة آثارها ومساعدة المنكوبين.

عاصفة الحزم لم تحقق نصر «الشرعية» ولا هامش الحرية، ولم يعد هادي من البرية، وهي مثلها كمثل «عناقيد الغضب» الصهيونية، نفس الأدوات، ونفس الأسلوب، وقد انجلت الحقيقة عن مشاركة أهل عاصفة العناقيد! وهم ساهموا بخبرتهم وطائراتهم بـ«عاصفة الحزم» ونال السعوديون شرف المرافقة والتأييد الصهيوني من أبناء عمومتهم، وما كانت العاصفة أساساً إلا لخدمتهم، أما سبب ذلك فهو قطع الطريق على اليمنيين حتى لا يلتحقوا بركب الدول الداعمة للمقاومة أو رفد المقاومة ذاتها كما فعلوا في بداياتها، المشروع الصهيو أميركي لا يحتمل اتساع دائرة المقاومة خصوصاً أنّ بواكيرها ألحقت الهزيمة مبدئياً بالعدو في تجربتين متتاليتين، وقد تكون نهايته إذا ما نضج مشروع المقاومة واستكمل أطره، وهو سيكون كذلك مهما فعل يهود الدونما أو أبناء عمومتهم، من الخزرج أو بني النضير أو أمثالهم، وهم أثبتوا أنهم الأشدّ عداء وحقداً على المنطقة وشعوبها، المنطقة التي احتضنتهم وحافظت على وجودهم وقامت بحمايتهم زمن الدولة العربية في الأندلس، لأنّ في صلب تربيتهم نكران الجميل، يمارسون المجازر بحق المنطقة وسكانها متناسين أنّ هؤلاء لا يد لهم في المحرقة المزعومة، لكنها الذريعة.

يتحدث السعوديون اليوم عن الأمل… أيّ أمل…؟ الأمل بأن ينسى الشعب اليمني فعلتهم! مستحيل. أن لا يتحدث اليمنيون عن الثأر، أيضاً مستحيل… القتل الذي طال الأبرياء، والخراب الذي لحق بالحجر والشجر، والحرائق التي طالت كلّ شيء، كيف ينساها اليمنيون وقد عاشوها لحظة بلحظة، وعلى مدى أكثر من شهر وما زالوا يعيشونها رغم بلاغ الناطق عن انتهائها…! هل أصبحت قرارات آل سعود برأسين أم برؤوس متعددة، وهذا إنْ دلّ على شيء فإنما يدلّ على خيبتهم واقتراب نهايتهم، أما الأمل الوحيد المتبقي لهم فهو وجود ملجأ يحميهم من ملاحقة أصحاب الحق من اليمنيين الذين اكتووا بنيران أسلحة آل سعود، هذه الأسلحة التي لم توجه إلى العدو الحقيقي أبداً…!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى