لافروف ـ ظريف ـ أوغلو: دفتر شروط التسوية أو المواجهة
ناصر قنديل
– هذا الاجتماع لم يتمّ بعد، لكنه واجب الحصول، فتركيا هي اللاعب الرئيسي في المنطقة بوجه الدوريْن الروسي والإيراني لحساب حلف الأطلسي وليست دولة مستقلة، ترسم سياساتها وفقاً لميزان مصالح بما قد يؤدي بها إلى الخروج من الحلف، إنها الدولة التي تملك هامش مناورة داخل الحلف وتجهد لتحقيق مصالحه ومصالحها معاً، لكن تحت سقف أهداف هذا الحلف، ومن يريد أن يتعرّف إلى السياسات الحقيقية لحلف الأطلسي في الشرق الأوسط، لن يفيده تتبّع السياسات السعودية ولا المصرية ولا «الإسرائيلية»، بل تتبّع تركيا، ولماذا يفترض الوقوع في حبائل هذه الفرضيات طالما اللاعب الوحيد من دول المنطقة والعضو في الحلف هي تركيا؟
– في المواجهة التي خاضتها روسيا لتثبيت حضورها الدولي في المنطقة كانت تركيا هي دولة المواجهة، فهي من أوكل إليه قادة حلف الأطلسي حالة الطوارئ في جنوب الشرق بينما أوكلوا المهمة في شمال أفريقيا لفرنسا، وفقاً لنتائج اجتماع فرانكفورت 2010، والصفقة التي تسبّبت بالربيع العربي والانقلابات التي غيّرت الحكومات في تونس ومصر وليبيا واليمن تمهيداً لبلوغ سورية، هي تلك التي تمّت برعاية تركيا بين الغرب و«الإخوان المسلمين» في اجتماعات أنقرة عام 2008، والمشروع العثماني الذي جاهر به رجب أردوغان كان مشروعاً للعالم الإسلامي كله وفي قلبه جمهوريات آسيا الوسطى التي تتقاسم تركيا وروسيا وإيران النفوذ فيها، والتي كان طموح المشروع العثماني الجديد لمحاصرة روسيا وإيران بقوة صعود مدّ إسلامي جديد تقوده تركيا والدخول في قلب مناطق سيادتهما الوطنية بقوة انتشاره، وتركيا هي التي عبثت بالمصالح الاستراتيجية لإيران في مجال أنابيب النفط والغاز بمحاولة تأمين بديل أوروبي لإقفال مضيق هرمز كفرضية كانت واردة في فترات التصعيد المواجهة بين الغرب وإيران، وهي تركيا التي لعبت بالنسيج الداخلي لشبه جزيرة القرم في وجه روسيا، وهي التي حاولت إقفال البحر الأسود أمامها في ظلال التصعيد الأطلسي مع اندلاع الأزمة الأوكرانية، وهي ذات تركيا التي نبشت ذاكرة الحرب مع الصفويين، كتاريخ تصادم بين المذاهب الإسلامية، بينما هي في الواقع اشتباك إيراني عثماني يعيش في الذاكرة التركية بعقلية الثأر والانتقام.
– ليس من المبالغة في شيء القول إنه بقدر ما كانت المواجهة الدائرة مع الغرب من الزاويتين الروسية والإيرانية، هي مواجهة في الجغرافيا الآسيوية والشرق أوسطية تحديداً، فإنّ هذه المواجهة على رغم دور المال والنفوذ السعوديين، ودور التطلعات والهموم «الإسرائيلية»، وعلى رغم وجود ساحات متنقلة لهذه المواجهة، فإن الحقيقة الأقوى هي أنها كانت مواجهة مع تركيا وفي الجغرافيا السورية. فـ»الإسرائيلي» والسعودي شريكان من موقع البحث عن ربح فائض أو درء خسارة مقلقة، والتركي وحده صاحب مشروع، والجغرافيا الشرق أوسطية كلها مدى حيوي للمواجهة لكن في سورية وحدها حرب وجود ونصر حاسم أو هزيمة قاتلة.
– مع النهايات التي تبدو في طريق التبلور على المستوى الدولي والإستراتيجي للمواجهات، وتحقيق روسيا وإيران القدر الأهمّ من الاعتراف بمصالحهما الحيوية، تبدو تركيا هي المعضلة المستمرة والشريك المستقبلي، وتبدو سورية هي الجغرافيا التي ستدور حولها وفيها حروب رسم التوازنات المقبلة، سواء لتحديد رصيد الأرباح والخسائر للفرقاء واللاعبين، أو لرسم إطار قادر على احتواء المفاجآت المتوقعة من كلّ من «الإسرائيلي» والسعودي يضعها في الحساب ضيق الأفق، والعجز عن تقبل الخسائر، والفرضيات الحمقاء التي قد ترد في عقول صناع القرار، ما يستدعي أعلى درجات التنبّه واليقظة والحرص من روسيا وإيران، على عدم الوقوع في خطأ قاتل في ربع الساعة الأخير.
– تركيا هي مربط الفرس والباقي تفاصيل، ولذلك يبدو الاجتماع بين وزيري خارجية إيران وروسيا سيرغي لافروف ومحمد جواد ظريف مع رئيس الحكومة التركية داود أوغلو وصانع الديبلوماسية في حكومته، أكثر من ضرورة ملحة، اجتماع يضع كل شيء على الطاولة، ويضع الخيارات والبدائل، ويرسم الحوافز المعروضة على تركيا للسير في خيار التسويات الذي صار خيار واشنطن المعروف، أو مواصلة اللعب على الحبال والوقوف بالتالي في الخندق السعودي «الإسرائيلي»، وتلقي التبعات المترتبة على عدم التسامح مع أي عبث في الجغرافيا السورية.
– تركيا الأب والأم لـ«داعش» و«جبهة النصرة»، ووجودها على ضفة التسويات يبدأ من إعلان المولودين الشرعيين، لقيطين يستدعي إخراجهما من المسرح تعاوناً تركيا لا مكان للتذاكي فيه، وإلا إعلان بنوّتهما وتحمّل مسؤوليات الأب والأم عن ولديهما.