أرض الكوثر
نغم نصر
أعْشَقُ المَوتَ في بَلَدي تَحْتَ هَامَاتِ العُلا خَلْفَ جَبَالِ المَجدِ المُعَمَّرْ
لا تَستَعجِبْ كَلامِي فَالمَوتُ بَينَ أَحضَانِ المَعشُوقِ يَمنَحُنَا عِندَ المَوتِ أَلفَ رُوحٍ وَأَكثرْ
فَقَط في بِلدي لِلمَوتِ مَذَاقٌ آخرٌ… وإلى الحَياةِ تَدخُلُ مِنْ أِلفِ مَعْبَرٍ وَمَعْبَرْ
هُنَا إن بَقِيْتَ حَيَّاً تَتَحَقَّقُ مُعجِزَةُ البقاءِ… وَإَن أَنتَ رَحَلْتَ «تُخَلَّدْ لِلأَبَد» وَتَركَعُ رُوحُك جَاثِيةً فَوقَ تُرَابِ الشّامِ… التُرَابِ الأَطْهَرْ
أَرَاضِي النَّاس تُدَاسُ… وَحدَهَا أَرْضُ دِمَشْقَ تُبَاسُ تَحضِنُهَا… تَتَمَاهى مَعَهَا بِإحسَاسْ… تُرَابُهَا عِطْرٌ لِلأَنفَاس مَنجَمٌ لِلأَلْمَاسِ وَالمَرمَرْ
نَعْشَقُ الحَيَاة نَتَجَانَسُ مع الوَفَاة نُولَدُ مِنَ المَوتِ منَ الرُّفَاة مِن تَحتِ الرَّمَاد نَتَجَرَّع الوَطَنِيَّة في عَصرِ الخِيَانَات وَالمَوتِ الأَحمَرْ
بَسْمَتُنَا مِنْ وَجَعْ… لا تَستَغرِبْ وَجِّهْ أَسْئِلَتَكَ لِلأُقْحُوَان… سَوفَ يَرْوِي لَكَ مَلاحمَ تُعَلِّمُكَ كَيفَ العَدُوُّ فِي شَآَمِنَا يُقْهَرْ… يَفِرُّ… وَيُدْحَرْ
كُلُّ أُقحُوانَةٍ سَتَرْوِي لَكَ قِصَّتَهَا وَكَيفَ عَبَرَتْ أَجْسَادَ مَن رَحَلُوا وَخَرَجَتْ مِن شِريَانِهِمِ الأَبْهَر ثُمَّ اِنْتَظَرَت السَّمَاءَ لِتُمْطِرْ
حِينَئِذٍ البَرَاعِمُ اِستَحَمَّت تَعَطَّرَت وَجَسَدَهَا بِشَمْسِ العِزِّ جَفَّفَت فَصَرَخَت الأرضُ مُعلِنَةً وِلادَتَهَا… فَأَطَلَّ الأُقْحُوَانُ رَأسَهُ وَأَزهَرْ
«سَأَفضَحُ لَكُم سِرَّاً» قُوَّتُنَا تُسْتَمَدُّ مِنْ قَاسَيُونَ.. هُوَ بِئْرٌ لِبَوْحِنَا وَفي أحشَائِهِ تَكمُنُ أَفرَاحُنَا… آلامُنَا.. أَحْلامُنَا… إنَّهُ مُتَنَفّسُنَا الأَكْبَرْ
مِنْ هَذَا الجَبَلْ نَرتَشِفُ مَعَاْنِيَ الأَمَل وَالطُّمُوحِ بِغَدٍ أَفْضَلْ وَعِندَ الحُزنِ نَسْنِدُ رُؤوسَنَا عَلَى كَتِفِهِ… وَ نَذرِفُ شَلاَّلاتِ دَمعٍ وَنَزجِرْ
فَإذَا سَمِعنَا أَنينَ حَشرَجَاتِهِ وَتَأَمَّلنَا عَمِيقَ تَصَدُّعَاتِهِ عِنْدَهَا نُكَفْكِفُ دَمْعَنَا… نَلْتَفِتُ لِبَعضِنَا بِخَجَلٍ وَنَقُولُ: اُنظُرْ لِقَاسِيُون… اِصْبِر
هَذي قِصَّتُنَا مَع الشَّامِ…الَّتي بَارَكهَا الرَّحمنُ… إنَّها أَرضُ للكَوثَرْ…. فَصَلّي لِرَبِّكَ حَمْدَاً وَانْحَرْ… إنَّ شَانِئَكَ هوَ الأَبْتَر.