تسليح المعارضة السورية وتذاكي الغرب
حميدي العبدالله
أبلغت الحكومة البريطانية مجلس العموم أنها استأنفت دعم المعارضة «المعتدلة» بالسلاح. كانت بريطانيا قد أوقفت عملية توريد السلاح للمعارضة بعد قيام تنظيمات القاعدة بمهاجمة مستودعات الأسلحة في منطقة باب الهوى قرب الحدود التركية قبل حوالي خمسة أشهر.
تزامن قرار بريطانيا مع البيان الصادر عن الخارجية الأميركية الذي يتحدث عن خطر الإرهاب وتعاظم نفوذ التنظيمات الإرهابية داخل سورية.
بريطانيا مثل الولايات المتحدة تبرّر دعمها للجماعات المعارضة، بأنّ هذا الدعم يذهب إلى الجهات المعتدلة، وتحديداًَ الفصائل المكوّنة للجيش الحرّ والتي ترتبط بالدول الغربية، وتنسّق خطواتها مع هذه الدول.
لكن واقع الحال لا يتطابق مع الادعاءات الغربية، ولا سيما الادعاءات الأميركية والبريطانية. فجميع القوى المنضوية تحت لواء «الجيش الحر» تتعاون علناً مع الجماعات المسلحة التي تنتمي لتنظم القاعدة، ولا سيما «جبهة النصرة» و«أحرار الشام»، وقد جاهرت التنظيمات التي تصنّف من قبل الحكومات الغربية بأنها تنظيمات معتدلة بوقوفها إلى جانب تنظيمات القاعدة ومعارضتها المواقف الغربية من هذه التنظيمات. فعندما أدرجت الولايات المتحدة «جبهة النصرة» على لائحة المنظمات الإرهابية عارض الائتلاف الذي تدعمه الدول الغربية وتصنّفه بوصفه ممثل المعارضة المعتدلة، إدراج النصرة على قائمة المنظمات الإرهابية، وادعى أنّ النصرة جزء لا يتجزأ من «قوى الثورة». والحكومات الغربية لديها اطلاع واسع على حقيقة الارتباطات التي تجمع التنظيمات المصنّفة تنظيمات معتدلة مع تنظيمات القاعدة المصنفة من قبل الحكومات الغربية بأنها تنظيمات إرهابية، بل أكثر من ذلك أنّ مندوبي الحكومات الغربية لدى المعارضة السورية شجعوا دائماً هذه المعارضة على التعاون مع التنظيمات الإرهابية، على عكس مواقف حكوماتهم المعلنة. وقد كشف النقاب عن هذه الحقيقة في تصريحات أدلى بها أكثر من مسؤول أميركي، حيث دعت الناطقة باسم الخارجية الأميركية إلى الحوار مع الجبهة الإسلامية، علماً أنّ الجبهة الإسلامية تضمّ «كتائب أحرار الشام» التي أسسها أبو خالد السوري الذي يُعتبر ممثل أيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة الدولي في سورية. وفي مقابلة أجرتها مؤخراً قناة «الميادين» معه أكد هيثم منّاع أنّ السفير الأميركي المستقيل روبرت فورد طلب منه الاتصال بكتائب «أحرار الشام»، فردّ عليه مناع قائلاً: كيف تطلب مني الاتصال بهذه الجماعة وسبعة من كبار قادتها مدرجون على لوائح الإرهاب عندكم؟
إذن، الحكومات الغربية على دراية بأنّ السلاح الذي تزوّد به المعارضة، يذهب في قسم منه إلى تنظيمات القاعدة، وتتحمّل الحكومات الغربية المسؤولية عن وقوع هذا السلاح بيد التنظيمات الإرهابية، وبالتالي فإنّ إدعاءاتها بأنّ تسليح المعارضة المعتدلة هو لتقوية هذه المعارضة في مواجهة تنظيمات القاعدة هو ادعاء غير صحيح، وينطوي على تذاكي مفضوح لا يمكن أن ينطلي على أحد، فنتائج سياسة تسليح المعارضة حتى وإنْ جرى تمويهها بالحديث عن دعم «المعارضة المعتدلة» يصبّ في واقع الحال في تقديم الدعم العسكري إلى التنظيمات الإرهابية وتزويد هذه التنظيمات بأجهزة متطورة، ولا سيما أجهزة الاتصال التي تمكنها من تنسيق أعمالها وهجماتها الإرهابية ضدّ المنشآت والمواطنين السوريين، ولن يطول الوقت الذي تستخدم فيه هذه المعدات المتطوّرة في أماكن أخرى خارج نطاق التوظيف الغربي، ولعل هذا ما حذر منه بيان الخارجية الأميركية حول وجود تنظيمات محلية متفرّعة عن القاعدة خارجة عن نطاق السيطرة.