انقلاب في الرياض بتوقيت واشنطن والعالم في باب المندب…!

محمد صادق الحسيني

كما توقعنا وكنا نقول: مع ما بات يُعرف بانقلاب الفجر السعودي بتوقيت واشنطن لأنّ العائلة المالكة عادة ما تكون نائمة في مثل هذه الساعات، غدت السعودية حاملة طائرات أميركية ومستعمرة «كاملة الدسم»، وقبيلة آل سعود تتجه للانقراض شيئاً فشيئاً، كما يعلق متابعون مطلعون على خبايا الفصل الثاني من انقلاب السديريّين على إرث الملك عبد الله.

ويضيفون: عادل الجبير سيكون هو النموذج المطلوب لتركيبة المستعمرة الجديدة.

سجلوا هذا الكلام للتاريخ.

نجاح الإدارة الأميركية في نقل السلطة مما تبقى من الحرس القديم إلى جيل الأبناء والأحفاد من الأسرة الحاكمة في الرياض في ظل عملية إغراقهم في مستنقع اليمن يعتبره المتابعون مقدمة لإخراج الأسرة من المشهد السياسي الإقليمي وحصر دورهم في الدرعية في مقدمة لانقلابات جديدة أكثر دراماتيكية تجعل من الرياض مجرد حاملة طائرات أميركية.

على المقلب الآخر فان يمن عبد الملك الحوثي لن يعود إلى ما قبل 21 أيلول 2014 ولو اجتمع العالم كله ضده وهو قادر على الصمود وحده ولو بلغ ما بلغ، هكذا يؤكد متابعون لتطورات الحرب على اليمن.

يمن علي عبد الله صالح المتقاطعة مصالحه موقتاً مع يمن الحوثيين صلب لا ينكسر أمام ضغوط السعوديين ولن يعود صنيعة بيد الرياض، كما يؤكد رجل مقرّب منه يجوب العواصم العربية شارحاً مستقبل اليمن الجديد.

يمن علي سالم البيض بات مشتتاً ولن يستطيع إعادة بناء حراكه الذي تقطعت أوصاله بسبب التطورات الميدانية المتسارعة جنوباً ولو أغدقت الرياض ملياراتها عليه، كما يؤكد ناشط كان على صلة وثيقة بالرجل.

يمن الإصلاح والإخوان وآل الأحمر لن يعود إلى ما كان عليه قبل ثورة 21 أيلول 2014 ولو دامت حرب الرياض بعاصفة حزمها أو بإعادة أملها مئة عام كما يؤكد مصدر إصلاحي كان جزءاً من حزب الإصلاح إلى وقت قريب.

يمن علي ناصر محمد وسائر القوى التي لا تزال مواقفها في الظلّ تنتظر تطورات الأوضاع الداخلية والإقليمية والدولية ليس لديها مستقبل من دون حسم أمرها بين يمن الحوثيين وأنصار الله وأصدقائهم الإقليميين أو يمن الإصلاح وآل الأحمر وحلفائهم الإقليميين، كما يؤكد مصدر وثيق الصلة بفصائل القوى المستقلة.

هي الثورة وقوانينها وسننها التي لا تتغيّر، تصدق في اليمن كما صدقت في طهران والقاهرة وفيتنام وكلّ عواصم الدنيا الأخرى من قبل.

ثمة من لا يريد أن يقرّ ويذعن ويعترف بأنّ ما حصل يوم الحادي والعشرين من أيلول 2014 إنما كان ثورة إسلامية وطنية يمنية صرفة بالتمام والكمال.

وان هذا هو السبب الرئيسي للحرب الحالية المفتوحة من جانب السعودية على اليمن كانت ستحصل بتحالف أو من دون تحالف.

كيف لا وهي الرياض نفسها التي صرفت المليارات باعتراف قادتها وجيّشت العالم كله وحرضته ضد ثورة إسلامية بعيدة عنها نسبياً حصلت قبل ثلاثة عقود ونيف على يد أمة أخرى، فكانت حرب الثماني سنوات العراقية الإيرانية المفروضة الشهيرة، فكيف بها الآن مع ثورة من نفس السنخ وهذه المرة على يد عرب أقحاح لا تبعد حدودهم سوى ثمانمئة كيلومتر عن مكة المكرمة التي يحكمون، وزد على ذلك فان التاريخ القريب يقول أن حدود هذا البلد العربي التاريخية كانت على مشارف الطائف إلى حين العام 1934…!؟

لهذا ولغيره من تحولات الإقليم والمعادلة الدولية التي تتراجع موازينها لغير صالح حامي الرياض ومسعفها الأساس والمتبرع الرئيس لوجستيا واستخباراتياً واستراتيجياً لمثل هذه الحروب – كما هو معلن – أي الولايات المتحدة الأميركية وعلى رغم كل مواقفه الظاهرية المعلنة للدفاع عن العائلة الحاكمة في الرياض وسائر حكام الخليج، يعيش حالة إعادة انتشار لقواته وإعادة تموضع استعداداً للإبحار بعيداً باتجاه المحيط الهادئ تاركاً حلفائه في مهب رياح فصول الثورة والتغيير الأربعة.

العارفون بخفايا وبواطن الحرب التي تدور رحاها اليوم على أرض اليمن المظلوم والمستنزف والجريح يؤكدون ما يلي:

– أميركا المصممة على البقاء على ظهر أساطيلها وعدم النزول إلى اليابسة للقتال نيابة عن أحد والمركزة في أولوياتها على المحيط الهادئ، لن تقدم للرياض أو عواصم الخليج أكثر مما قدمته، بل يزيدون على ذلك بأنها خدعتهم ودفعت بهم دفعاً لخوض هذه الحرب بائعة «جيوبوليتيك مجازي» لهم مقابل التركيز على توافقات مبدئية مع طهران في إطار النووي لمنع زحف نفوذها وتمدده ومحاولة إعادة المارد الإيراني إلى داخل قمقمه لعله ينفجر داخلياً كعلاج أخير للتخلص من كابوس انتشار «ثقافة المقاومة» التي أشاعتها هذه الثورة العالمية الأبعاد.

– أميركا اليائسة تماماً من إمكانية تحقيق أي انجاز محسوس أو ملموس في حربها على محور المقاومة قد تكون وجدت بأن الملاذ الأخير لنجاة استراتيجيتها هو جر إيران «المشاغبة» دولياً إلى حرب إقليمية مفتوحة مع منظومة خليجية باتت أقرب ما تكون إلى «حاملة طائرات أميركية» تستطيع تحمل نتائج مثل هذه الحرب من الآن إلى حين تكون واشنطن قد رتبت أوراقها الداخلية والخارجية مع نهاية عام 2016 حيث استحقاق انتخابات الرئاسة الأميركية وتبيّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود مع منتدى شانغهاي مع ما يترتب عليه من طموحات المارد الصيني العملاق والصاعد الروسي الطامح والنسرين المتأهبين لاقتناص حصتيهما من النظام العالمي الجديد أي الهند وإيران.

استناداً إلى ما تقدم فإن معركة «استقلال القرار اليمني» كما يلخص أهل اليمن أسباب الحرب المندلعة ضدهم، ستدور رحاها من الآن فصاعداً على المتغيرات التالية:

1- كم يستطيع السيد عبد الملك الحوثي أن يبقى صامداً وممسكاً بقرار يمن ما بعد 21 أيلول ومعه أكثرية «يمنات» الداخل العسكرية والأمنية والقبائلية والمناطقية والاجتماعية والسياسية الآنفة الذكر، معدلها يمن مستقل عن التجاذبات الإقليمية والدولية؟

2- كم يتمكن نظام الحكم في الرياض من الاستمرار والصمود بوجه الحالة الداخلية المتململة والمنهكة من استمرار التحشيد لحرب خارجية هي الأولى من نوعها في تاريخ المملكة الحديث، لا سيما في ظل التحولات الإقليمية والدولية المتفلتة والمنفضة عما أطلق عليه تحالفاً دولياً تزعم الرياض أنها تقوده فعلاً في حربها سواء في إطار عاصفة الحزم أو إعادة الأمل!؟

3- كم تستطيع التناقضات الأميركية الداخلية والأميركية الخارجية المرتبطة بالعلاقات الأميركية «الإسرائيلية» أن تصمد وتبقى متماسكة بوجه تحولات الحرب غير المتوقعة التداعيات والمفتوحة على مصاريعها وتبقى موحدة خلف الرياض إلى نهاية السيناريو الأميركي المفترض أو المتاح أمام واشنطن للدفاع عن أمن حلفائها من دون تعريض مصالحها القومية العليا للخطر!؟

4- كم تتمكن قوى محور المقاومة وفي مقدمها طهران البقاء مستنفرة ومتأهبة للدفاع عن اليمن الجديد بما لا يتعارض مع مجموع أو محصلة استراتيجية المحور المتمركزة ضد العدو الصهيوني الرابض فوق فلسطين المحتلة!؟

أخيراً وليس آخراً ثمة من يسأل ويتساءل:

ماذا عن احتمال تطور الأحداث والوقائع على خلفية حرب منع «استقلال القرار اليمني» إلى مواجهة أميركية إيرانية بحرية غير معلومة النتائج!؟

الأنباء الواردة من المياه الإقليمية اليمنية قرب سواحل باب المندب تفيد بأن السفن الحربية الإيرانية تراوح مكانها في المياه الدولية قبالة شواطئ عدن متأهبة للتدخل لمصلحة حلفائها وأصدقائها اليمنيين في حال حدوث أي تطور غير مرتقب يمكن أن يخل بالمعادلة الداخلية اليمنية التي تبلورت ما بعد ثورة الحادي والعشرين من أيلول وذلك في إطار الحرب المفتوحة من قبل ما بات يعرف بالتحالف الدولي ضد أنصار الله.

في هذه الأثناء فإن مساعد وزير الخارجية الإيراني أمير حسين عبد اللهيان يقول: إن منع السعودية للطائرات الإيرانية من إيصال مساعدات ومعونات طبية لليمنيين وإعادة جرحى الحرب بعد معالجتهم في طهران، وحمل مزيد من الجرحى اليمنيين الذين من هناك لن يبقى من دون رد من طهران، يؤكد ما ذهبنا إليه من احتمال دخول مسرح الحرب على اليمن فصولاً جديدة لا يعرف أحداً أبعادها وآفاقها.

فهل باتت كل ملفات المنطقة الساخنة والملتهبة أصلاً معرضة للانفجار على صفيح اليمن المظلوم والمستنزف والمستضعف؟

وهل بات مصير العالم كله رهن باتجاه الرياح قبالة سواحل باب المندب؟

ثمة من يحسم الأمر بالقول: إن مفتاح الإجابة على كل هذه الأسئلة لا يزال في الصندوق الأسود المخبأ في مكمن أسرار السيد عبد الملك الحوثي والذي لم يقرر بعد الإفراج عنه على رغم خطبتين ناريتين بعد العدوان.

بحر الرجل عميق وزاده كثير على ما يبدو وقدرته على الصمت الناطق أحياناً أكثر فعلاً من قدرته على الكلام الفاصل على رغم بلاغته وفصاحة لسانه.

قد يكون الأمر متعلقاً بحرب عالمية ثالثة يحاول منع وقوعها، كما يقول بعض المقربين منه والذين يعملون رسلاً بينه وبين أطراف محور المقاومة.

هي اليمن إن صلحت صلح العالم وإن اضطربت اضطرب العالم، ومن لم يؤمن بعد عليه أن يقرأ التاريخ القديم والحديث من جديد ويطيل النظر في خريطة البحار ومضائقها ويتأمل جيداً عند نقطة التقاء أمواج الحرب والسلام.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى