المبرّات تعلن نتائج دراسة التقويم الذاتي وخطة التطوير الاستراتيجية للعشرية المقبلة
أطلقت جمعية المبرّات الخيرية في «أسبوع المبرّات»، نتائج دراسة التقويم الذاتي لقياس أثر برنامج التطوير الإداري على مؤسسات المبرّات التعليمية والرعائية، وخطة التطوير الاستراتيجية للعشرية الثانية، وذلك في حفل حاشد أقيم في قصر الأونيسكو، حضره عدد كبير من الشخصيات السياسية والاجتماعية، وممثلين عن مؤسسات تربوية مختلفة وجمع من أهل المبرّات.
ووزّع المنظمون قبل الندوة، دليل الخلاصة التنفيذية للدراسة والذي اختصر في صفحاته الأولى ما آل إليه برنامج التطوير الإداري والتربوي في عامه العاشر، محققاً تغييراً نوعياً على مستوى الممارسات الإدارية والقيادية، ومنجزاً بناء القدرات لأكثر من 150 شخصاً من الكوادر الأساسية في الجمعية، وناشراً ثقافة التطوير والتجديد واللغة الإدارية المشتركة في مؤسسات الجمعية ودوائرها. كما أرسى، في موازاة ذلك، ثقافة التفكر والتقويم والمراجعة وتعديل المسار وتحسين التجربة.
فضل الله
وألقى السيد جعفر فضل الله كلمة رئيس الجمعية العلامة السيد علي فضل الله، ومما جاء فيها: «كان هدفنا وسيبقى، أن نساهم في تكوين مجتمع يمارس مسؤولياته بحريّة ذاتية، وبفرح روحي، ليسد الثغرات هنا، ويلبي الحاجات هناك، في سعي دؤوب ومتواصل للتخفيف من تداعيات مآسي اليتم، والفقر، والإعاقة، والجهل، والحقد، والانقسام، والتعصّب. وقد خضنا هذه العملية الإصلاحية، فكراً وعملاً، ومن دون أن نتّخذ من هذه المآسي مادة دسمة لكيل الاتهامات لهذه الحكومة المتقاعسة أو تلك، أو لهذا العقل العربي أو الديني القاصر، أو ما يسمى بالبنى الاجتماعية المتخلفة، أو لثقل التاريخ وأعبائه، كما يفعل الكثير منّا، حين يستعيضون عن العمل بإلقاء اللوم على كل ذلك، وكأنهم بذلك أدّوا قسطهم، وعملوا ما عليهم، علّ ذلك يكون لهم براءة».
وتحدّث فضل الله عن الفهم الاسلامي للانفتاح قائلاً: «لم نفهم الإسلام إلا دين انفتاح وتواصل، دين حب وتسامح، دين عطاء وإيثار، دين حرية وتحرر، دين شورى وشراكة، دين علم وعمل، وقد تحركنا في كل ما نحمله من رؤى وأفكار وأعمال، من وحي هذا الفهم الإنساني للدين، ولم يكن هذا المسار سهلاً، ولعلنا واجهنا صعاباً وعقبات قد تنوء بها مؤسَّسات عالمية، لكننا واصلنا المسيرة بالرسالة المنفتحة، والكلمة الأمينة والعقل الحر، نحمل مبادئ الحوار للتلاقي، والاعتدال قاعدة للاستقرار، والدين جسراً للتواصل والتسامح، والعلم حرباً على الجهل، والرحمة بديلاً من العصبيَّة، والمواطَنة مدخلاً إلى التفاعل والوحدة، والحرية منطلقاً للابداع، والتحرّر حفظاً للوجود والكرامة، والاستقلالية رفضاً للتبعية، والعطاء اختباراً لإنسانيتنا. وأدرجنا كل ذلك في مسيرتنا، تحت عنوان الانفتاح على الخير، الخير الإنساني المشترك».
وأشار إلى مفهوم التطوير لدى المبرّات قائلاً: «عندما نتحدث عن التطوير، فإننا نلامس أفق المستقبل، فالتطوير ضرورة، لئلا نصبح من الماضي، ونجمد في حدوده، وفي الجمود موت، فيما التطوير حياة وتقدم، والتطوير يبدأ من الإنسان قبل أن يبدأ من أي شيء آخر. أن نعمل على تطوير الإنسان، يعني أن نعمل على تجديد العقل والقلب والروح، أن نعيش الهاجس الرسالي، أن نحرص على بقاء الوجدان صالحاً ليتحسس آلام المجتمع، فلا نتحول إلى كائنات باردة إنسانياً، أن نحرص على بقاء جهازنا الإدراكي حسّاساً، لمعرفة حاجات الواقع وتلمّس الحلول، أن نحرص لتبقى أرواحنا تعيش الأمل والطمأنينة، لبناء مستقبل مشرق، مستقبل نصنعه بالتخطيط العلمي، بعد أن استهلكتنا الانفعالية والتلقائية».
وأكد «أننا نريد للمبرّات، كما لكلِّ المؤسسات الاجتماعية، أن تنتج لمجتمعاتنا إنساناً جديداً في الفكر والممارسة والتطلعات، وفي تحمّل المسؤولية وإدارة الذّات، لنكون لائقين في ممارسة أدوارنا التربوية والتعليمية والاجتماعية والإنسانية والروحية والأخلاقية في خدمة الإنسان، وفي تقليص مساحات الاستضعاف، وفي تنمية ساحات القوة. وتلك مهمّة جليلة ومسؤولية كبيرة، فهل نكون على قدر هذه المهمة وهذه المسؤولية؟».
الأمين
ثم ألقى رئيس الهيئة اللبنانية للعلوم التربوية علي الأمين مداخلة قال فيها: «سمات المبرّات قلّما جمعتها معاً، مؤسسة تربوية في لبنان والعالم العربي. أولاً، الحشد الاجتماعي، أي جملة القوة الاجتماعية المندفعة لدعم الجمعية وللعمل على تحقيق أهدافها، ثانياً، معادلة الالتزام المؤسسي والانفتاح على التحديث المستمر، وفي المعادلة استخدام التحديث من أجل تحقيق الأهداف وليس جعل الأهداف في خدمة التحديث، ثالثاً، تلقف ذوي الحاجة والأيتام والفقراء والحيلولة دون سقوطهم في الظلم الاجتماعي والارتفاع بهم نحو جودة التعليم ونوعية الحياة، جنباً إلى جنب مع سائر المتعلمين فيها وصولاً بهم إلى معاهد مهنية ومدارس ثانوية مرموقة».
وأضاف: «إن عظمة المؤسسات التربوية والمدارس ليس في أن تنتقي المصطفين اجتماعياً واقتصادياً وتشربهم ثقافتهم لقاء بدل عال، بل في أن تستقبل البعيدين اجتماعياً عن الثقافة المدرسية وتبذل جهداً مضاعفاً لنقلهم من موقع ثقافي واجتماعي إلى موقع أعلى. وها هي الفعالية بأمّ عينها، الفعالية الإدارية التي تستند إلى العلوم الحديثة والتطوير المستمر، والتي كان للهيئة شرف المساهمة المتواضعة فيها، ليست بدورها إلا جزءاً يسيراً من منظومة قيمية سلوكية متعددة المستويات والوجوه، تجسدت في تحويل فكرة أطلقها المؤسس إلى مؤسسة فريدة من نوعها. هي فعالية كلية إذا صحّ التعبير. وهي فعالية من صنع المؤسسة وأهلها».
جرداق
وكانت مداخلة لاستشاري برنامج التطوير الإداري ودراسة التقويم الأستاذ في الجامعة الأميركية البروفسور مراد جرداق، لفت فيها إلى أن التطوير التربوي هو نتيجة تحولات في البنى الفكرية والقيمية من أفراد منخرطين في التربية.
وقال: «بيئة المبرّات شكلت لي تحدّياً، فهي بيئة ملتزمة إسلامياً وبالتالي بيئة محافظة بطبيعتها من جهة، ومن جهة أخرى هي بيئة متميزة بإسلامها وبالتزامها في مسيرتها بفكر العلّامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله. هذا الفكر يجمع بين الالتزام الجوهري وبين قدرة الإنسان على التغيير والتغير، فآراء العلامة كما نعرفها ونقرأها ونفهمها تردّدت فيها مفاهيم منها إحكام العقل وقدرة الإنسان على التغير من خلال الفعل والتجربة والتفكر في كل مناحي الحياة، وكانت تضفي طابعاً مميزاً لبيئة محافظة ولكنها في الوقت نفسه متحفزة للتجربة».
كرامي
المداخلة الرابعة كانت لأستاذة الإدارة التربوية في الجامعة الأميركية واستشارية دراسة التقويم الدكتورة ريما كرامي قالت فيها: «تجربة المبرّات رائدة نظراً إلى شبه غيابها في المجال التربوي في وطننا، ولكونها تبنت أعلى المواصفات العالمية للنجاح من دون أن تفقد صلتها بمجتمعها أو تناقض قيمه وتقاليده بل كانت وليدة له متجذرة مع حاجات أبنائه وبناته».
وأضافت: «هذه التجربة متميزة وفريدة كون التفاني في الخدمة والتقييم الدائم للذات لإدراك الأفضل، والسعي الدائم إلى تنمية المعارف والمهارات، منتشر بين كل العاملين في المؤسسة. فهم كرّسوا أنفسهم لهدف واحد: خدمة الطالب وإعداده للتميز، ولم يوفّروا في سبيل الوصول إلى ذلك جهداً أو طاقة أو عطاء أو إبداعاً».
وأشارت إلى أن التطوير في مؤسسة المبرّات مسار وليس حدثاً. وهو مسيرة انتقلت من دراسة حاجات إلى برامج إعداد وتأهيل وبناء قدرات تربوية، وإعطاء مهارات، وبعدها إلى تقييم ينبثق منه مسار استراتيجي، أهم ما فيه أنه قائم على إعداد القيادات التطويرية في داخل مؤسسة المبرّات وإطلاقها لتحمل مسؤولية المرحلة القادمة على كاهلها، فأنشأت وحدات للتطوير المستمر والتقويم الذاتي تنطلق من وحدة مركزية إلى وحدات منتشرة في مبرّات المؤسسة ومدارسها. فوجود مؤسسة عملت على هذا النهج بهذا الثبات والتركيز أمر في غاية الندرة في مجتمعنا اللبناني والمحيط العربي.
اسماعيل
وشرحت منسقة الدراسة مديرة ثانوية الكوثر الأستاذة رنا اسماعيل خطوات البرنامج الاداري، قائلة: «تعاونت المبرّات مع الهيئة اللبنانية للعلوم التربوية، وهي جهة تربوية باحثة ومتخصصة قادرة على تقييم احتياجات التدريب وتقديم تصور حول البرامج التدريبية اللازمة في إعداد هذه الكوادر، نظراً إلى خبرتها الواسعة في هذا المجال. وقامت الهيئة بتحقيق دراسة ميدانية رصدت فيها احتياجات التدريب في جميع المؤسسات التابعة لجمعية المبرّات الخيرية واقترحت برامج تدريبية شاملة إن من حيث مواد التدريب أو من حيث أنواع التدريب الذي ستخضع له هذه الكوادر علاوةً على مستوياته المختلفة».
وأشارت إلى التغيير الذي أحدثه برنامج التطوير الإداري على مستوى المعارف والبنى الفكرية والممارسات، واكبه تغيير على مستوى السياسات والهيكليات والأنظمة لكي يقنن ويصبح إنسيابياً في عمل المبرّات المؤسسي.
وأضافت: «مع إتمام كل وحدات برنامج التطوير الإداري، بادرت جمعية المبرّات الخيرية إلى قياس أثر البرنامج على جودة أداء المؤسسات بشكل عام، والذي يشكل الإضاءة الأميز في رحلة المبرّات مع التطوير».
وتحدثت اسماعيل عن خطة المبرّات الاستراتيجية للعشرية المقبلة، فقالت: «أردنا من هذه الخطة تمكين المؤسسات من إعداد خططها الاستراتيجية لمشروع التطوير المستمر والتقويم الذاتي وتنفيذها، إضافةً إلى تشكيل الوعي والأطر المفاهيمية المشتركة لعمل المبرّات على مستوى كل العاملين، وإعداد برامج تطوير مهني مستمر بعيد المدى يساعد في تحسين أداء العاملين وضمان إستدامة فعالية المؤسسات».
أضافت: «سنقوم بتشكيل فرق نواة من المدربين وتأهيلهم لتمكينهم من مهارات التدريب وإعادة دراسة الأنظمة والسياسات والهيكليات لتستجيب لسياسة التطوير المستمر والتقييم الذاتي، فضلاً عن إعداد نظام اعتماد للتميز المؤسسي في العمل التربوي التعليمي والرعائي في المبرّات، ناهيك عن بناء القدرات لتمكين فريق نواة متخصص في التربية المختصة في كل مؤسسة، وتشكيل الوعي والإطار المفاهيمي المشترك لمفهوم الدمج التربوي عند كل العاملين في المؤسسات التعليمية والرعائية وتعديل وتوحيد السياسات والأنظمة المرتبطة به».
مدير عام المبرّات
وألقى مدير عام «جمعية المبرّات الخيرية» الدكتور محمد باقر فضل الله كلمة شكر فيها الذين ساهموا في برنامج التطوير الاداري. وقال: «سرّ نجاح المبرّات أنها نهلت من معين السيد محمد حسين فضل الله في مسيرتها الرسالية والتربوية والتعليمية والثقافية والإنسانية. وفي الذكرى الرابعة لرحيله جسداً، نستشرف اليوم مستقبل المبرّات بخطة تطوير عشرية ثانية مستلهمين فكره وإرادته ووصاياه، لا لنحافظ على المكتسبات والإنجازات بل ليكون التطوير والتنمية والإبداع وسائلنا لبلوغ الأهداف الكبيرة».
وفي ختام الاحتفال، منح مدير عام المبرّات درعاً تكريمية للهيئة اللبنانية للعلوم التربوية، بشخص رئيسها الدكتور عدنان الأمين عربون شكر وتقدير على مساهمتها في برنامج التطوير الإداري والتربوي، دراسةً وتدريباً ورصداً للاحتياجات.