محاولة اغتيال السفير السعودي في بيروت
روزانا رمّال
تتمّ مناقشة محاولة اغتيال السفير السعودي في بيروت علي عواض عسيري وطرح هذا الملف الخطير على الساحة السياسية اللبنانية، كسجال يلقي اللوم على المسؤولين عن أي تقصير ممكن، وخصوصاً أنّ في لهجة السفير العسيري تذكيراً للسلطات اللبنانية بمهمّاتها تجاه سلامته. أما من ناحية التشكيك فإنّ البعض يضع هذا الكلام في إطار المعلومات، المغلوطة في أسلوبها، والتي لا توضع سوى في إطار ضخّ مادة للبلبلة الإعلامية، في الوقت الذي تمرّ فيه السعودية، إقليمياً ودولياً وحتى داخلياً بضغوط.
أكد السفير السعودي في بيروت في تصريح لقناة «العربية» السعودية أنّ هناك إشارات إلى مجموعة كبيرة كانت تخطط لاغتياله، لافتاً إلى أنّ الأمن اللبناني لم يبلغه بتفاصيل محاولة اغتياله، مشدّداً على أنّ سلامته وسلامة البعثة السعودية من مسؤولية الأمن اللبناني. ويأتي ذلك بعدما ألمحت تقارير صحافية إلى أنّ القوى الأمنية أحبطت مخططاً لاغتيال السفير عسيري، وتمّ إيقاف شخصين متورطين في المخطط، وهما سوري وفلسطيني.
عملياً، إذا كانت هناك من محاولة اغتيال فعلاً، فلها مئة احتمال لم يتسنى لأحد التحليل ولا التوصل إلى خيوط تسمح بإطلاق اتهامات بعد وحصرها في زاوية واحدة كما يراد.
الفرضيات كثيرة والمستفيدون كثر ولا يمكن حصر الاتهامات في مكان منفرد، وخصوصاً أنّ التركيز على الملف تحت الأضواء وفي طريقة الإعلان عنه يشير إلى نوايا استغلال تجعل القضية حقيقة أولاً والمتهم واحد ويعلن أخيراً أنّ حزب الله و إيران متهمين ثانياً. فكيف إذا لم تكن هناك من محاولة، ومن يجرؤ عندها على القول للسفير السعودي: «لا يا سعادة السفير لم تتعرّض لمحاولة اغتيال فيبدو متساهلاً بأمنه أو يزعج خاطره وكلاهما ممنوع؟»
لمناقشة الفرضيات فإنّ أي حديث عن محاولة اغتيال السفير السعودي، في هذا التوقيت بالذات، لا يمكن اعتباره حديثاً عرضياً، فبلاده تخوض حرباً في اليمن وكلّ ما ينتمي إلى هذه الحرب مباح في العقول الأمنية الاستخبارية، من أي جهة تريد الغمز من قنوات تشعل النار وأكثر. وبالتالي لا يمكن التعويل كثيراً على كلّ من سيحاول الاصطياد في الماء العكر، كتحليل أمني سياسي مرتبط ارتباطاً وثيقاً بما يجري في اليمن، لاعتبار أنّ محاولة الاغتيال هذه توضع في إطار فرضية أولى جاهزة مفادها أنها رسالة إيرانية على يد أعوانها في لبنان من أجل الضغط على السعودية في اليمن، وهذه القراءة باتت تحصيلاً حاصلاً وسط الأجواء المتوترة بين السعودية وإيران وتعزيزها داخلياً بأنّ حزب الله متهم بسبب التصعيد الذي ركز عليه أمينه العام السيد حسن نصرالله في آخر خطاباته ضدّ السعودية.
لذلك، فإنّ التركيز على فرضية واحدة في هذا الملف سيكون هدفه التوظيف السياسي لاتهام إيران وحزب الله في هذا الوقت.
الفرضية الثانية هي الإرهاب وتحديداً تنظيم «القاعدة» و «داعش» الذين يتحركان بإيعاز من وكلاء إقليميين ودوليين لإرسال رسائل للسعودية تتعلق بأي حسابات جديدة ومقبلة، في ظلّ العمل على مكافحة الإرهاب دولياً وإقليمياً للحفاظ على نفوذهم ومكاسبهم في أي تسوية مقبلة، وخصوصاً أنّ لأجهزة الأمن السعودية سطوة في أوساط الجماعات المسلحة النافذة.
أما الفرضية الثالثة فهي الأخذ بعين الاعتبار «جماعة المصالح الداخلية في الديوان الملكي السعودي، وخصوصاً بعد سلسة التعيينات الأخيرة التي أزعجت كثراً في النظام وفرزت العائلة الحاكمة مصلحياً، وبالتالي تلعب الحسابات الشخصية دوراً أساسياً في هذا الإطار من أجل استهداف سياسات الملك الجديدة والتأكيد على السطوة والنفوذ بين المتنازعين وقدرتهم على خلط الأوراق.
الفرضية الرابعة، أن تكون عملية الاغتيال متعلقة بالتوقيع النووي الإيراني مع الغرب أي أن تكون مشروعاً لاتهام إيران وتحريك الوضع الدولي ضدها عشية التفاهم النووي.
الفرضية الخامسة، هي أنّ تكون هناك جهة خارجية تريد أن تعبث داخلياً لإرباك الأمن اللبناني لإيقاع الفتنة بين حزب الله و تيار المستقبل.
حول هذا الملف، يؤكد وزير الداخلية السابق مروان شربل لـ« البناء» أنه «بصرف النظر عن من يريد أن يفتعل الحادثة، فالأكيد أنّ بعض السفارات في لبنان معرضة للخطر والدليل أنّ السفارة الإيرانية نفذت فيها عملية إرهابية عندما كنت وزيراً للداخلية و بالتالي فإنّ السفارة السعودية مهدّدة أيضاً والسفير مهدّد بالاغتيال من دون شك».
أما عن آلية حماية الديبلوماسيين، قال شربل: «التعاون قائم دائماً بين الأجهزة الأمنية والسفارات الأكثر تهديداً، وبالتالي يجب أن يكون السفير موضوعاً سلفاً في مجمل الأجواء حول وضعه الأمني، وذلك بالتنسيق معه فهذا ما يحصل عادة، وإذا تبين أنّ التنسيق لم يكن موجوداً، فهذا أمر لا يجب أن يحدث».
وعن الجهة المستفيدة، اعتبر شربل أنّ «كل من يحب أن تتعكر الأجواء في لبنان إذا اغتيلت شخصية، وكلّ من يريد أن تتوتر الأجواء بين إيران والسعودية مستفيد».
وأضاف: «هناك طابور خامس يلعب لدخول الإرهاب مجدّداً لأنّ الارهاب لا يدخل عندما يكون الوضع الأمني مستتباً، ولكي تتحرك البيئة الحاضنة خلاياه النائمة يجب أن تحدث عمليات اغتيال شخصيات لبنانية أو شخصيات أخرى على مستوى السفراء وغيرهم.