الرئاسة: ستنتظرون طويلاً…
غالب قنديل
الاستعصاء الظاهر الذي يتحكّم في مسار الاستحقاق الرئاسي اللبناني ليس مجرّد حالة عارضة تحتمل التحايل السياسي من خلال وصفات إدارة الأزمة، وعبر الترويج لخيارات رئاسية لا تناسب الحسم الواجب لموقع لبنان ودوره في بيئة دولية وإقليمية متغيّرة تجعل التوافق الخارجي بعيداً نسبياً بقدر ما تجعل التوافق الداخلي عملية صعبة بفعل التخندق الحاد الذي شهدته البلاد، نتيجة الغزوة الاستعمارية التي استهدفت سورية وتداعياتها وتعقيداتها.
في العالم، وفي المنطقة، وداخل لبنان، يتقابل محوران متصارعان وخياران متناقضان، وما لم تقترب الأطراف الكبرى المحرّكة لهذا الصراع في العالم والمنطقة إلى لحظة استنفاد رهاناتها والشروع في إنضاج تسوياتها وتفاهماتها الممكنة، يصعب توقّع تبلور خيارات تتعلق بمستقبل لبنان وموقعه في أيّ مما يُسمّى بعواصم القرار.
المفاجأة السعيدة التي يعوّل البعض على حدوثها بتفاهم تقود إليه الحوارات الجارية بين التيار الوطني الحر وتيار المستقبل تستدعي، لحصولها، إجازة أميركية ليست متوافرة حتى الساعة، على غرار ما حصل في هندسة التوافق على تشكيلة الحكومة وعلى بيانها الوزاري، بتدخل مباشر من السفير ديفيد هِلْ أزاح الفيتو الأميركي ـ السعودي على تمثيل حزب الله، بعد عشرة أشهر من سريانه المحكم، و«أوحى» قبول عبارة البيان المكرّسة لشرعية المقاومة، فذلك التدخل الصريح تمّ بدافع التحوّط للشغور الرئاسي وليس ناتجاً من تفاهمات أوسع يمكن البناء عليها مثلما يراهن البعض.
يعوق التفاهم اللبناني الداخلي ارتباط فريق لبناني رئيسي بحلف العدوان على سورية، وتمسكه بالعداء النافر لمحور المقاومة في المنطقة، وعدم قيامه بأيّ مراجعة جدية لخياراته ورهاناته الخاسرة، فالخطوات التي اتخذها هذا الفريق للتخفّف من عدّة التورّط في سورية فرضها الميدان السوري بعد معارك القلمون وريف حمص الغربي، بما رتّبه من توازنات لبنانية، وقد أثمر ذلك التغيير طلبات أميركية صريحة برفع الغطاء عن جماعات التكفير والإرهاب خشية انتقال الأخطار إلى الساحل الغربي لحوض المتوسط بعد انسداد الممرات إلى سورية عبر البقاع والشمال.
الاستعصاء الدولي الإقليمي المستمرّ هو في حالة تصاعد ومساره ليس متراجعاً وفقاً لمؤشرات أزمة أوكرانيا، ومن أخطر مظاهره تمادي حماقة العقوبات الغربية على روسيا التي باتت شريكاً مباشراً مع سورية وإيران والمقاومة اللبنانية في توازنات الشرق العربي، بينما تواصل حكومات حلف العدوان على سورية بذل جهودها لإطالة أمد استنزاف الدولة الوطنية السورية وعرقلة نهوضها بعد صمودها كمحور لمنظومة المقاومة، فعلى الرغم من الهزائم المتلاحقة للعصابات الإرهابية في سورية لم تدخل الولايات المتحدة وحكومات الناتو والحكومات السعودية والقطرية والتركية حالة التراجع أو حتى المراجعة، رغم كلّ ما يُثار من أوهام في هذا الشأن، كانت ولا تزال أقرب إلى التمنيات والوقوع في حبائل المناورات المسمومة.
إنّ جلّ ما يمكن استنتاجه من القرارات والتدابير المتخذة على عجل في الدول التي تورّطت بالعدوان على سورية هو العمل الحثيث لحماية أمنها الداخلي من تداعيات هزائم الإرهابيين التكفيريين ومن أخطار ارتدادهم نحو دول المصدر التي أرسلتهم ورعتهم ولا تزال تقدم إليهم المال والسلاح والمعونة الاستخبارية لاستنزاف سورية بكلّ وقاحة.
الولايات المتحدة تمنع التجاوب السعودي مع المبادرات الإيرانية المتلاحقة، بينما تسعى إلى تكييف بنية الحكم السعودي وتأهيله لتجاوز حالة الشيخوخة التي بلغها مع ضمور نفوذه الإقليمي نتيجة الفشل في سورية، وبفعل التحوّلات الجارية في العراق واليمن والبحرين، وإثر الهزة الخطيرة داخل مجلس التعاون الخليجي تحت وطأة التوزيع الوظيفي للمهمّات الإقليمية بقرار أميركي.
التوقيت الذي قد تسلّم فيه واشنطن بسقوط مشروعها على نحو يتيح الكلام عن تفاهمات محتملة بينها وبين طهران وموسكو تشمل المنطقة، وقد تطول لبنان بنتائجها، يرتبط بمسار المقاومة السورية للعدوان، وبنتائج الحسم الميداني والدستوري الذي يدخل فصوله الأهمّ مع الانتخابات الرئاسية، وعلى امتداد الأشهر الفاصلة حتى نهاية السنة الجارية، كما أنه مرتبط عضوياً بحوادث أوكرانيا، وبالمفاوضات التي تخوضها إيران حول ملفها النووي السلمي، والترابط الوثيق بين أطراف محور المقاومة، ورفض الهيمنة في المنطقة والعالم، يقود إلى الاستنتاج أنّ انتظار تبلور المخاض الدولي والإقليمي سيطول ومعه أزمة الاستحقاق الرئاسي، ما لم تتبلور إرادة لبنانية قادرة على كسر الحلقة المفرغة بالربط بين الرئاسة وتلبية متطلبات الإصلاح الدستوري والسياسي والاقتصادي الاجتماعي.
عضو المجلس الوطني للإعلام