عرفات: فكرة توحيد المعارضة أميركية لمنح الائتلاف شرعية التمثيل مرهج: الميزان للميدان… وستكون اللاذقية مقبرة آل سعود والعثمانيين
حاورهما سعد الله الخليل
يتزامن انطلاق محادثات «جنيف 3» مع جملة من الوقائع الميدانية على الأرض السورية، فرضتها التطوّرات الميدانية على جبهات الشمال والجنوب. وعلى رغم ارتفاع صوت السياسية والمعارك، حاولت أصوات الحرب النفسية التي جُنّدت لها فضائيات وأقلام وازنة، أن تفعل ما عجزت عنه السياسة وأيضاً الميدان، على أمل إضعاف معنويات الشارع السوري.
لقاءات جنيف، والواقعان الميداني والافتراضي على المشهد السوري، محور اللقاء المشترك بين صحيفة «البناء» وشبكة «توب نيوز» مع علاء عرفات، أمين حزب «الإرادة الشعبية»، والدكتور عمّار مرهج، الكاتب والمحلّل السياسي.
جنيف وميزان القوى
يؤكد عرفات أن الاختراقات بعد انطلاق لقاء «جنيف 3» لا علاقة لها بالشكل الذي تقدّم به ديمستورا. إنما بمسائل أخرى كميزان القوى الدولي الذي يتغيّر خلافاً لمصالح الأطراف التي تدفع العالم نحو التسعير. وبالتالي، احتمال الوصول إلى اتفاق حول جهود ديمستورا، هو احتمال مرتفع مقارنة بالجهود السابقة لـ«جنيف 2» الفاشل. مضيفاً أن التحضيرات السابقة كلقاءات «موسكو 1» و«موسكو 2» كانت بمثابة قاعدة تحضيرٍ لهذا اللقاء على رغم غياب الأمم المتحدة.
ويتابع: خلال اللقائين، حضر الطرف المعارض الذي سيشارك في «جنيف 3»، وهذا كان من مشاكل «جنيف 2»، إضافة إلى حضور إيران الذي حُلّت مشكلته في مفاوضات لوزان النووية. وبالتالي، إن موضوع الشكل هو الطريقة الوحيدة التي أوجدها ديمستورا. بمعنى أن هناك مشاورات تُحضّر صياغات ستُطرَح في المؤتمر. مضيفاً أن تصوّرات ديمستورا ليست هي الحاكمة في «جنيف 3»، إنما تطوّرات السياسة على الأرض، لا الشكل التحضيري.
ويرى عرفات أن من لم يحضر موسكو كان يراقبها من بعيد، وفشل «جنيف 2» سببه الأطراف التي ذهبت إليه. فهي لم تكن ذاهبة لعقد اتفاق. والدولة السورية كانت ترى في الائتلاف طرفاً أميركياً، وهي محقة في ذلك. والسبب الآخر تغييب إيران عن مؤتمر «جنيف 2» لأسباب أميركية. والسبب الثالث أن الائتلاف يمكن اعتباره طرفاً غير مؤهّل وغير قادر على إيجاد صيغ حلّ لعقد اتفاق. وقد جرى إبعاد المعارضة الداخلية الوطنية. فالأطراف التي نقصت عن «جنيف 2» دعيت إلى «موسكو 1» و«موسكو 2»، وهم قادرون على عقد اتفاق مع النظام على رغم الصعوبة في ذلك. لكن إيجاد ورقة سياسية مشتركة هو المهم لجهة أن الأطراف السورية قادرة على إيجاد اتفاق، وهذا ما يجري في مشاورات «جنيف 3».
الجنوح نحو الحلّ السياسي
وأشار عرفات إلى أنّ أنصار الحسم العسكري في كلا الطرفين الداخلي والخارجي مهزومون الآن. والأطراف تتحدث عن تخفيض سقف التوقعات حتى ولو كانت من الأمم المتحدة. فالوقائع على الأرض تقول أنه لا يمكن الحسم العسكري. مشيراً إلى أن المسألة الفاعلة تكمن في ميزان القوى العالمي، فلا علاقة لقوّة الجيش السوري أو مصادر تمويل المعارضة المسلحة بالحسم، لا بل أن القضية توازنات إقليمية ودولية لا تسمح بالحسم لجهة أيّ طرف.
وتابع: منذ زمن، كان من الممكن تفادي الكثير من الخسائر. والمقولات عن انخفاض سقف التوقّعات هي مقولات أصحاب الحسم والإسقاط معاً، وهؤلاء ليسوا عناصر داخليين فقط، إنما جهات إقليمية ودولية.
ويؤكد عرفات فشل الأطراف التي تتكلم عن الحسم العسكري خارجياً وداخلياً، فتدويل المسألة وربطها بمكافحة الارهاب ربما يتحولان إلى كارثة وطنية قد تؤدي إلى إزالة سورية من الوجود. وهذا ما سيطلق الارهاب على نطاق عالمي. لذلك يرى العالم ضرورة توقف الحرب وتعويم الحل السريع، خصوصاً من قبل اللاعبين الرئيسيين على النطاق العالمي، فانطلاقاً من هذه النقطة يجب إيجاد حلّ.
ويتابع: المسألة الثانية أن الفرقاء الداخليين في غالبيتهم يرون ضرورة الحلّ. وهو ما أصبح رأياً ضاغطاً على كل الاطراف لإيقاف الكارثة الإنسانية، وهؤلاء بدأوا بقناعة، الوصول إلى حل بدءاً من الفرقاء الداخليين وصولاُ إلى الفرقاء الخارجيين.
يرى عرفات أن كل الاطراف المتداخلة جزء من المشكلة، وجزء من الحل، فلا تفضيل لطرف على آخر. لذلك، إنّ الطرف الإيراني يُعتبر صديقاً للشعب السوري. وهذا ما جعل مسألة إبعاد إيران عن «جنيف 2» عاملاً في إفشاله، بمعنى أن التوازنات بين الاطراف الإقليمية والدولية لم تكن ناضجة لإيجاد حلّ في ذلك الوقت.
معارضات لا معارضة
يرى عرفات أن كلمة «المعارضات» التي استُعملت في موسكو صحيحة وغير مؤذية. وقال: نحن بالفعل معارضات. فالمعارضة في سورية تعدّدية، ومحاولة وضعها في سلة واحدة هي محاولة أميرية لتركيب الائتلاف على ظهر المعارضة الوطنية بغية الوصول إلى نتائج يريدها الأميركي. مشيراً إلى أن الحركات السياسية في أيّ دولة، هي حركات متعددة وتعبّر عن مصالح مختلفة لقوى مختلفة في أي مجتمع، والمقصود من ذلك إيجاد حزب، قائد آخر في المعارضة، لكن هناك دليلاً على اتفاق هذه المعارضات بدليل الوصول إلى ورقة موحدة في موسكو.
يؤكد عرفات أن العسكرة غاية لبعض الأطراف لإرضاء حلفائهم في التفاوض، وهذا كلام ادّعائيّ. أما الواقع فيقول ان لا حسم عسكرياً على الأرض لأيّ طرف، والأطراف التي تفكر في توسيع رقعة الحرب وفكرة إسقاط النظام، هي أطراف تلعب بالنار لجهة دفع المنطقة إلى حرب إقليمية كبيرة، وقائعها موجودة على الارض فعلاً، وأقصى ما يمكن تحقيقه أوراق عسكرية ترفع للأعلى أوراق التفاوض، لجهة التنازل المفروض على الطرف الاخر، ولتحسين الظروف على طاولات المفاوضات. والأطراف التي دفعت بالحل العسكري سيحاسبها الشعب السوري بدفع الثمن.
يؤكد عرفات أن الدعوة إلى مباحثات «جنيف 3» ما كانت لتتم من دون توافق دوليّ كبير فهذا واقع. أما دول الإقليمية كتركيا التي اعلن عبرها الخوجا موافقة الائتلاف على الحضور على رغم حلمه في الحسم العسكري. والسعودية التي تدعو المعارضة إلى تشكيل وفد مفاوض وهو ما يتماشى مع كلام إقليمي نحو حلّ سياسيّ نتفق معه بخلاف ما يقوله الآخرون الذين لا يسمعون سوى صوت السلاح، ولا ينطلقون إلى الحل السياسي الذي ينطلق من مجريات دولية.
يعتبر عرفات كلام رئيس الائتلاف خالد الخوجا التركي عن المناطق الآمنة هو تذكير لأميركا بضرورة قبض ثمن هذه المناطق، إذا ما تمّ التخلي عنها في المفاوضات. والتراجع عن مسألة التصعيد باتفاق سوري ـ سوري هو إنزال للتركي عن الشجرة. والكلام عن معركة دمشق لا تعدو كونها معادلة مهترئة لا تستحق الحديث عنها. لكن لا بد منها قبل الذهاب إلى «جنيف 3» وتقديم تنازلات يمكن صرفها، وقال هذه بروباغندا يتم صرفها سياسياً، وأصبحت عبئاً على الجميع.
ويختم عرفات حواره بالتأكيد على أن الأطراف التي تحضّر لاجتماع «المعارضة السورية» في القاهرة تعاني من استعصاء يدفع لتأجيله إلى وقت آخر، نظراً إلى وجود أطراف مثل «ائتلاف الدوحة»، تحلم بإنشاء كيان سياسي جديد في القاهرة. وهو ما لا يلقى قبولاً لدى المصريين، وترفضه «جبهة التغيير والتحرير» التي ينتمي اليها حزب «الإرادة الشعبية»، وتشترط عدم إنشاء هذا الكيان لحضورها.
جنيف غطاء للميدان
يرى الكاتب والمحلل السياسي عمّار مرهج أن انطلاق ورشة «جنيف 3» للمشاورات، لبست لبوساً سياسياً، فيما يعول السوريون على ما يحدث في سورية. وطالب كل من يرغب بإيجاد حلّ لوقف العدوان على سورية، أن يقول كلمته في دمشق. مثمناً مواقف الدول التي تحاول إيجاد الحلول للأزمة مثل روسيا وإيران. وأكد أن الحرب على الإرهاب ذات أولوية في الدفع باتجاه حلّ القضية السورية. مؤكداً أن القيادة السورية ذاهبة إلى جنيف للاستماع إلى ما تريد الأطراف طرحه.
ويرى مرهج أن مكافحة الإرهاب الواردة في بيان جنيف ستكون موجودة على الأرض. متسائلاً عمن قام بترجمتها.
وأضاف: منذ اللحظات الأولى للحرب، قلنا إنّ الحل سياسيّ، والحوار ديمقراطي لكن بالطريقة الصحيحة لا بالطريقة الأميركية، وبالتالي فإن مكافحة الإرهاب متلازمة مع الحوار بعد المعاناة والحصار والدمار. وقال: نأمل ممن لديه نيّة صادقة أن يقف خلف الجيش السوري الذي يكافح الإرهاب. ونأمل ممن هو وطني في معارضته، أن يقف خلف الجيش السوري. أما المعارض الموجود في دمشق ويتلقى دعوات سعودية ويحاول التنسيق مع «الائتلاف» مع تمرير بعض العبارات المنسجمة مع «الائتلاف»، وادّعاء الاختلاف معه، فلا يمكن أن نستمع إليه. ومن ينسجم مع السعودية التي نعتبرها شريكاً «إسرائيلياً» في الأزمات السورية واليمنية والليبية، كيف له مواجهة الناس ممن استشهد أبناؤهم.
مرهج أكد أن النية الصادقة لدى الأمم المتحدة لم تتواجد أو تتبلور بعد، وهو أمر يحتاج إلى وقفة جادة. فعندما نجد الأمم المتحدة ترفض هدنة لوقف قصف الأطفال والمستشفيات في اليمن، عندئذ لا يمكن التعويل عليها. لكن مع وجود روسيا كدولة راعية، ودعوة طهران، يمكن إنجاز شيء ما. لكن الأمم المتحدة المتمثلة بديمستورا تتشاور مع الأطراف بينما السعودية وتركيا وقطر تشنّ عدواناً على سورية بالتمويل والتسليح، ويتناغم الكلام عن تقسيم مسلّحين «معتدلين» وتدريبهم، وهذا ما يدلّ على أن مشاورات الأمم المتحدة لن توصل إلى حلّ نهائي. لكن، من باب التفاؤل الذي يفتحه الجيش السوريى أساساً، نستطيع القول أنه ربما يوصل إلى طريق للحلّ وإعادة البعض إلى رشدهم.
وأشار مرهج إلى أن الميزان للميدان، وبالتالي فإنّ كل حركة سياسية هب نتيجة لحركة في الميدان، والدليل أنّ السوري صار يرسم سياسات ويرسم قناعات يفرضها على ساسة العالم. وهذا ما شاهدناه عند رفع العلم السوري في القصير، عندما كان يتحدث الرئيس الفرنسي عن سقوط سورية، كيف أولت الاهتمام إلى رفع العلم السوري بشكل أكبر من حديث الرئيس الفرنسي. فالميدان هو الذي رسم المعادلة ولولا هذا لكان المجرمون قد رسموا خريطة سورية منذ اللحظة الاولى للعدوان، لكن الصمود من قبل الجيش السوري هو ما أفضى إلى «جنيف» المقبل.
ورفض مرهج طرح معادلة «لا غالب ولا مغلوب» مع تنظيمات كـ«داعش» و«النصرة» التي لا يمكن القبول بتسوية معهم. وأضاف: نقبلها مع السوريين كمن يقول نعم للخير والشر معاً. فقبول بعض المنغصات التي ليس لها تأثير، مستقبل الوطنية والأرض والشراكة والأخلاق. مضيقاً أن السياسة فيها تكتيك، لكن الاستراتيجية لا مساومة فيها على أيّ موضوع.
اللاذقية مقبرة آل سعود
يؤكد مرهج أن التهويل باستهداف اللاذقية، والحملة الإعلامية ضدها، هدف جزئي لما يراد على كل المساحة السورية. لكن بالسيطرة لا يمكن لهم أن يقتربوا من أيّ من هذه المدن. فجسر الشغور يتم التعامل معها في الميدان. وما جرى واقع عسكري فرضته دول معينة وعقول استخباراتية غير خافية على أحد مثل تركيا والسعودية والاردن وقطر وأميركا، على وهم السيطرة على مساحة اكبر مستقبلاً باتجاه حماة والداخل السوري، بالتناغم مع التقسيم الطائفي الذي يروّجون له. ولذلك يحمل خطابهم اللغة الطائفية نحو الساحل الذي احتضن كل الأخوة السوريين.
وأضاف: زرنا معسكر المسطومة على تخوم جسر الشغور. وكانت لنا لقاءات مع الناس والجيش. ومشفى جسر الشغور الذي ما زال صامداً يؤكد أن الجيش السوري يستخدم استراتيجية تتطوّر باستمرار مع اكتساب الخبرة العسكرية. وعندما يعرف الهدف العسكري يستطيع التعامل مع العدد الكبير للعدو عبر دراسة الاحتمالات والاستراتيجيات المناسبة. وتابع: صحيح أن المسلحين استطاعوا الوصول إلى جسر الشغور، لكنهم لم يستطيعوا تثبيت مواقعهم وتحقيق قطع الطريق بين اللاذقية وحلب وحماة، ولم يستطيعوا الوصول إلى اللاذقية، وهذا يؤكد أن الجيش السوري هو القادر على قطع الإمداد عن المجموعات المسلحة والاستيلاء على التلال الاستراتيجية كما فعل مع تلة النبي يونس والسيطرة الاستراتيجية على طرق الدعم اللوجستي للارهابيين. فهم حاولوا بثّ الحرب النفسية في اللاذقية ولكنهم فشلوا وانقلب سحرهم عليهم.
وأضاف: نؤكد أن الجميع يدعمون الجيش في معركة الشرفاء. واللاذقية تحولت إلى بركان غاضب يساند الجيش السوري المتقدم في الميدان بعكس ما تم تصويره في الإعلام السامّ. وستكون اللاذقية مقبرة آل سعود والعثمانيين على حدّ سواء.
ورأى أن الإرهاب يحاول تحقيق إنجاز تذهب به قيادته إلى التفاوض السياسي والدولي، وهذا سبب الضغط على الإرهابين لتحقيق مكاسب ميدانية. وقال: أنا مع من يقول إن المشاغلة في حلب وإدلب والجنوب هي للتغطية على ما يحدث في القلمون، لأن الجغرافية في القلمون مختلفة بشكل كبير لجهة أنها هدف استراتيجي للعدو بقطع الطريق بين المقاومة وسورية وإيران، معتقداً أن هذه الاستراتيجية ستفشل مجدّداً.
وختم مرهج حديثه بالسخرية من الكلام الذي يتم ترويجه عن نزوح من دمشق إلى اللاذقية، واضعاً إياه في مسار الاستهلاك بالتنسيق مع الأميركي لبثّ الخوف والهلع. وقال: دمشق عصيّة عليهم كما باقي المحافظات السورية، والحديث عن جغرافية مقتضبة خبيت ومرفوض.