الوطن والسيادة

عدنان كنفاني

من خلال تتابع مجريات الأحداث التاريخية، لا يكفي أن نقرأ ونشاهد، بل تفرض الحكمة أن نستفيد من عِبَر الدروس، وبخاصة في ما يتعلّق بالوطن والسيادة، نطّلع، ثم نستخلص القناعات من خلال وقفات «إيجابية»، حققنا من خلالها تكريس السيادة الوطنية، ونتعرّف أيضاً على الجوانب الأخرى، «السلبية» تلك التي نزفنا فيها وجعاً وألماً.

هي حالات عامّة مرّت بها شعوب كثيرة، قاصية ودانية، وإذا استعرضنا، وقرأنا جيداً كلّ المعطيات التي حققت، أو التي لم تحقق ما تصبو إليه الشعوب من حرية وسيادة، سنجد أن الدروس غنيّة جداً في المسارين، والحكمة في من يأخذ بما يتلاءم مع أمنيات وطموح وسيادة الوطن.

ولنا في نضال الشعب الفلسطيني في أوج عطائه في حقبة الستينات والسبعينات، دروسٌ غنيّة بالقيم والمثل عنوانها «المقاومة الشعبية» بكلّ صنوفها وأشكالها، ولو أنها لم تتمكّن من تحقيق نصر حاسم، إلا أنها أذكت صلابة الصمود وديمومة التصدي، لكن ذلك التلاحم الأسطوري تهاوى بانسلاخ قيادات الشعب الفلسطيني عن الحاضنة الشعبية، واصطفافها في حضن المسار المقابل للمقاومة، وهو مسار الاستسلام، والتفريط بالقرار السيادي منذ بدأت مسيرة المفاوضات والاتفاقيات المهينة والارتماء في حضن أعداء القضية.

وفي المقابل، كانت هناك لحظات تاريخية جمعت رؤية ورغبة الشعب وتوجّه القيادة، وراء قرار المقاومة استطاع الشعب الفلسطيني أن يحقق انتصارات وانتفاضات كانت مفازات نور في طريق نضاله.

لقد أصبح من الواضح والجليّ جداً، أنّ التلاحم المصيري بين أبناء الأمّة، الشعب الواحد، قيادة ومؤسسات وقوات مسلّحة وطلائع مقاومة شعبية، هي القادرة على تحقيق الصمود، والنصر… ولا نقول ذلك من فراغ، فقد انهار النظام بقياداته في كثير من الدول العربية سريعاً عندما انفصلت رغبة الشعب عن توجّهات القيادة، وشعور الشعب بتسرّب قراره الوطني لصالح جهات معادية، وبالتالي استلاب سيادته وحريّته، وقف الشعب وراء قرار التغيير، ولم يعد هناك من حاضنة تحمي الأنظمة والقيادات.

وفي العودة قليلاً إلى مسار نضالات الشعوب، سنجد بوضوح أنّ التفاف الشعب مع طلائعه الثورية في فيتنام، أو في كوريا أو في كوبا وفي الجزائر، وغيرها، حقق الانتصار على أعتى قوى في العالم، وانتزع حريته وحافظ على سيادته، وبالتالي شعور الاعتزاز بكرامته وكبريائه.

إنّ التفاف القوى الشعبية بكلّ مكوّناتها في جنوب لبنان، وفّر حاضنة رائعة حققت الانتصار الأبهى في تاريخ العرب الحديث، ودفنت غطرسة «الإسرائيليين» في وحل العار.

ولنا في حرب 1973 عبرة مثلى تشكّلت بتلاحم قوى الشعبين في مصر وفي سورية مع طلائع قواتهما المسلّحة ما وفّر بيئة حاضنة مضحية وباذلة حققت الانتصار على «إسرائيل».

إن التلاحم الأسطوري للشعب المصري مع طلائعه المسلحّة «الجيش وقوى الأمن» في حرب 1956 خلق ظروفاً نستطيع أن نعرّفها بأنها «حرب مقاومة شعبية شاملة» استطاعت التصدّي لثلاث دول بقواهم غير المسبوقة من أفراد وعتاد، وتحقق الانتصار، وفرضت السيادة الوطنية على كلّ طامع وغاصب، وانتصرت مصر.

لقد أصبح من الواضح والثابت للقاصي والداني أنّ ما تتعرّض له سورية هو حرب ضروس، تشارك فيها دول كثيرة من دول الشرّ، وللأسف بعض دول عربية، وإقليمية، سواء بالدعم السياسي أو العسكري أو الإعلامي، أو من خلال ضخّ مرتزقة وتنظيمات متطرّفة وإرهابية من كافّة أرجاء العالم، وهذه الحرب بعيدة تماماً عن «الشعارات» الواهمة، فليس المطلوب إصلاحات، ولا حريّة، بل المطلوب رأس سورية كدولة.

وعندما يصبح «الوطن» هو المستهدف، لا يعود من مكان للون الرمادي، بل هو التلاحم بين القوات المسلحة، وقوى الأمن، والقوى الشعبية بكلّ الفئات والشرائح للتصدّي، ودحر مخططات الاستلاب، والتمسّك بالقرار الوطني المستقل، والسيادة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى