كيف يحيا الكون من دون شريانه الأبهر؟

نمير سعد

هو ليس بطريق حرير هذا العصر، ولا هو الطريق نحو الجنة، إنه في عقيدة الكثير من السوريين، جزء مميّز من الجنة ذاتها، حاله حال سفر البحر إلى حلب وحمص وحماه وغيرها، تزداد أعداد من يؤمنون به أبهراً للعالم بأسره، ولكم أن تفهموا جملتي الأخيرة وتفسّرونها كما تشاؤون. إذ لم، ولن ينسى الكون يوماً أنه كان الشريان الذي سبحت في منعرجاته قوافل أبناء التاريخ لتوزع الحضارة على بقاعٍ ما كانت تفقه شعوبها كنه الحضارة، هو الشريان الذي يرفد المنطقة دولاً وشعوب بأوكسجين البقاء، الشريان الذي إنْ انقطع، زلزل رحيله منطقة الشرق الأوسط برمّتها، المنطقة التي تشكل مفتاحي الحرب والسلام. من هذا المنطلق… هذه هي الأرضية التي يستند إليها كل من يؤمن أنّ سورية هي بحق قلب العالم، وحيث أنها في يقين ملايين البشر كذلك، فقد كان من الطبيعي أن تكون الشريان الأبهر، للمنطقة أولاً وللكون بأسره تالياً، لأنّ العلة أو الآفات القلبية التي تصيب سورية قد تحوّل بعض العالم بشكلٍ سريع أو تدريجي، إلى عالمٍ معاق، والإعاقة هنا تأتي بمعنى العوز والافتقار إلى الأمان والأمن والاستقرار. وليس اشتعال النيران في ثياب هذا العالم، والتهامها لبعض مساحات جلده وإصابة بعض أطرافه بالعجز الجزئي أو الكلي، سوى تجسيدٌ لهذه الحقيقة والقاعدة…

– أذكر في هذا السياق عنواناً لمقالٍ تنبيهي تحذيري كتبته أواخر عام 2011 بعنوان… «الحرب على سورية بركانٌ ستطال حممه الجميع»، أقرأ اليوم بعد ثلاث سنواتٍ ونصف من عمر المقال، الكثير من صوره ومعانيه في شريط أخبار العالم على الأرض كما في الإعلام. ولأنّ أبهر سورية هو أبهر العالم بأسره، فإنّ احتراقه يعني احتراق الشكل الحالي لخارطة سورية، الاحتراق الذي سيشكل شعلة نارٍ تتدحرج لتحرق عديد الخرائط، لعديد الدول كما لعديد مضارب أشباه الدول. للأسباب التي ذكرت، كما لكثير أسباب غيرها، أجد الحديث عن مخططات تقسيم يُراد لها أن تطال العراق وسورية، نوبات من الجنون والعته والهلوسة. للكون بأسره أن يعلم، ويقيني أنّ جميعه بات يعلم، أنّ لهذا الأبهر الفريد كما للتاج القاسيوني المرصّع بالمجد والغار وشقائق النعمان، لهذا الثنائي حماته وقرابينه وجيشٌ من الأبطال الأوسمة، المرابطين في أزقته ومنعطفاته وشرايينه الفرعية التي يغذيها ويضخ فيها دماء الصمود وعزيمة إرادة الحياة والبقاء، ويلهبها بعقيدة المقاومة التي لا تعترف بالهزائم. لا غرابة هنا، وهو الأبهر المزينة جدرانه على طول سفره بصور الملائكة والقديسين المرتحلين على درب الشهادة في سبيله، أمامه، وهذا هو حاله، لم يك ثمة مهرب لكلّ البشر… إلا أن يدهشوا ويبهروا، إنه الأبهر الذي أعيا وأتعب وأجهد وأرهق وأنهك أعداء الجسد السوري من الميكروبات والفيروسات التي تتمنطق بالإسلام السياسي، وتتسلح بالتكفير وتدمن لعق الدماء والتهام لحوم البشر، هو ذات الشريان الذي، حيّر الخصوم والحلفاء، وأدهش الكون وأبهر…

الغزوات الأخيرة… أين «الموساد» منها؟

من يتأمل المشهد السوري ويفكك مفرداته ويدقق في عناوينه، يصل دونما عناءٍ يذكر إلى نتيجة بسيطة مفادها أنّ الحل السلمي ليس في طريقه لمعانقة الأزمة السورية واحتضانها في الآتي من الأيام، وأن حالة الاستقرار المنشود لن تجد لها مكاناً في الأسابيع والأشهر القليلة المقبلة على أقلّ تقدير.

تعالوا نعرج على العوائق التي تعترض الجهود الدولية المرائية الخداعة منها كما الصادقة، المبذولة للوصول إلى حل سلمي من خلال طاولة الحوار وصولاً إلى اتفاق يحقن الدم السوري وينقذ الوطن من الدمار اللامحدود الذي رسم وخطط له، ولنبدأ من آخر العوائق التي ظهرت على شكل «تصعيدٍ غير مسبوق لأفرقاء العدوان على عديد الجبهات من خلال أدواتهم على الأرض». ولنسأل أنفسنا أولاً، مَن خطط وأعدّ لها العدّة والعتاد؟ ومع مَن تمّ الاتفاق عليها ولصالح من؟ تقول البداهة في ما تقول: إنّ أياً من أصحاب اللحى الطويلة الملتحفين بأعلام الإرهاب الوهابي التكفيري السوداء – الأعلام التي تذكرنا بأعلام عصابات القراصنة – أياً منهم، لم يختر نوع القماش الذي يرتديه ولا لونه ولا هو شارك في تصميم «موديل العباءة التي يُراد للشعب السوري أن يلبسها»… والتي يراد فرضها زياً موحداً على قيادات وشعوب سورية والعراق ولبنان واليمن وإيران، لتصل في مراحل متقدّمة من الحلم إلى قيادات روسيا والصين وباقي دول «بريكس» وشعوبها التي تؤيد في غالبيتها الساحقة سياساتهم الخارجية ومقارباتهم للحلّ في سورية.

يأتينا الجواب دونما كثير جهد، فالدور «الإسرائيلي» لا يحتاج إدراكه وتمييزه لعدسات مقرّبة أو أجهزة رؤية ليلية أو أجهزة مراقبة فضائية. من يقرأ صحف العدو ويتابع تصريحات قادته وآراء محلليه العسكريين، ويرصد النشاطات المشبوهة له، فوق مستعمراته، كما على أراضي بعض دول وأشباه دول الجوار السوري، يدرك أنّ العدو «الإسرائيلي» يمرّ كحكومة احتلال وجيش احتلال وأجهزة استخبارات، بمرحلة عنوانها، أعلى درجات الاستنفار والاستعداد للتداعيات المحتملة لتطورات ونتائج معارك المرحلة المقبلة. ولا حاجة هنا من غير ناحية للتذكير بأنه كان مذ كان، وسيبقى، ما بقي، من خلال حلفائه من صهاينة الغرب، كما من خلال الصهاينة الأعراب والعثمانيين، العقل المدبّر والمخطط لكلّ الحروب التي اجتاحت المنطقة والتهمت مقدّراتها البشرية والتنموية، فيما يستلقي هو على فراش مستعمراته التي تتوسع تحت سماء فلسطين، بمتابعة وموافقة ومباركة فريق الأجراء والتبع من ملوك وأمراء المنطقة وحليفهم العثماني الأصل، السلطاني الحلم، الإخواني الهوى… أردوغان.

ملامح المعركة ما بين الأمس والآتي من الأيام

طبيعة معارك إدلب وحماه وجسر الشغور، وأريافها جميعاً، كشفت عن توليفةٍ إرهابيةٍ جهنمية، تمّ تشكيلها برضى وغطاءٍ أميركي ومبادرة آل سعودية ورعاية ومتابعة عثمانية.

التوليفة تصرخ بالفم الملآن وتعلن أنّ قطعان الإرهاب تنفذ اليوم، وأكثر من أيّ يومٍ مضى، أوامر السادة والقادة الفعليين للحرب على سورية. كان عليهم أن يتركوا خلافاتهم وراءهم إلى حين وأجل غير محدّدين، قبل عملية اندماجهم وانصهارهم في تشكيلات قتالية تشمل قوائم فصائلها حلفاء اليوم وأعداء الأمس، فكلّ خصام وخلاف وقتال مؤجل إلى حين انبلاج ضوء النتائج النهائية لمعارك هذه المدن وأريافها، بالتزامن مع إشعال بعض فئات ذات القطعان وبأوامر من ذات القادة، لجبهة الجنوب، وما التحضير الإعلامي والميداني لغزوة دمشق العاشرة! سوى بعض نيران هذا التصعيد، الغزوة التي يُراد لها أن تصل إلى أعتاب العاصمة على أقلّ تقدير، أو أن تسيطر على مساحات إضافية في محيط غوطتيها في أسوأ الأحوال. هي إنجازاتٌ مأمولة تتحوّل في حال تحققها إلى أوراق ضغط إضافية يعمل على تجييرها في ما لو كتب النجاح لبعضها، في محاولة قلب موازين القوة وخرائط السيطرة والنفوذ على الأرض، أوراق ضغط يؤمل استثمارها لاحقاً واستخدامها سلاحاً فعالاً في حرب المفاوضات أو التسويات، يوم يحين أوانها، سواء في موسكو أو القاهرة أو «جنيف 3»، الذي لا يبدو على الإطلاق أنّ المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا في عجلةٍ من أمره لانعقاده! وهو الذي قرّر في غفلة من صراخ الأرواح البريئة التي تسقط كل يوم، وعقارب الزمن التي استحالت خناجر، أن مشاوراته المقبلة سوف تستغرق ستة أسابيع! قبل الإعلان عن خطوته التالية؟

حال كثير من السوريين اليوم يقول: لا خير فيه ولا في من سبقه طالما أن لا خير يرتجى من المنظمة المهزلة التي ينتمون إليها. هذا هو حال أفرقاء وشركاء العدوان، فيما ثنائية الجيش والشعب السوريين على غير حال، فانتصارات الجيش وما يرفده ويؤازره من قوى مقاومة ودفاعات شعبية وطنية في عديد قرى سهل الغاب كما في بعض قرى وبلدات الجنوب في الغوطة الشرقية، الانتصارات التي أثمرت سيطرة على مساحات إضافية من الأرض، وقطعت شرايين التواصل الجغرافي بين بعض الفصائل الإرهابية وخطوط إمدادها. انتصاراتٌ تعلن جميعها قرب إفشال هذا المسعى وتحطيم أحلام قادة العدوان في تل أبيب وواشنطن واسطنبول والرياض، من خلال وأد أحلامهم وأدواتهم على الأرض…

القاتل يدين نفسه…

يقدم الغزاة اليوم من خلال صفحاتهم ومواقعهم وصورهم وفيديوهاتهم وبياناتهم، يقدمون عن سابق قصد أو غباء وجهل، الأدلة الدامغة على صحة هذه المعلومات، فعديد الفصائل التي تدرّبت في معسكرات السلطان الأردوغاني الواهم، وعلى أيدي ضباط جيش «أوباما»، تقاتل الجيش السوري في أكثر من جبهة، جنباً إلى جنب وكتفاً إلى كتف مع «جبهة النصرة» التي لا زالت الإدارة الأميركية تصنفها كتنظيم إرهابي! لنا في تنسيق زعيم عصابة «جيش الإسلام» زهران علوش مع زعماء غير عصابات تكفيرية في اسطنبول واجتماعاته التآمرية مع ضباط مخابرات أردوغان في حضور قيادات عديد الفصائل التي ناصبته العداء والدم في معارك الاقتتال على السطوة والنفوذ، خير مثال. ولنا في تشاركية أتباع أبو محمد الجولاني مع من سبق لهم أن تناوبوا معهم على هوايات السيارات المفخخة وفصل الرؤوس عن الأجساد، كلّ في أفراد القطيع الآخر مثالٌ إضافي، مثالٌ آخر تبرّع به خالد خوجة رئيس «الائتلاف» السعودي – التركي التبعية، وتصريحه بعد معارك إدلب بأنّ ما يسمى بـ»الجيش الحر» يقدم على تحالفات تكتيكة مع «جبهة النصرة» حين تستدعي الضرورة…! نذكر هنا أنّ رؤوساً كثيرة لضباع كلا الفصيلين الإرهابيين قد تطايرت في صراعاتهما على النفوذ في غير رقعةٍ من الأرض السورية والأمثلة كثيرة.

يبدو جلياً هنا أنّ الأرض والشعب والجيش والقيادة السورية تواجه جميعها استحقاقاتٍ مصيرية، وتعبر مضائق شائكة، في أصعب مراحل الحرب على سورية وأقساها، لكن ما هو واضحٌ أيضاً وأكيد، أنّ محور المقاومة كجسد واحد وروح واحدة، من طهران مروراً ببغداد وصولاً إلى دمشق وحزب الله المقاوم، قد استوعب صدمة الغزوات الأخيرة، ورفع من مستوى التنسيق بين مكوّناته، ولنا هنا أن نترقب نتائج الزيارة الهامة جداً، التي قام بها وزير الدفاع السوري العماد فهد سالم الفريج إلى طهران، ولقاءاته ومباحثاته الهامة مع مسؤولي قيادتها العسكرية بشكل خاص، لنا أيضاً أن نترقب مفاعيل الزيارة المرتقبة لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى اسطنبول، وما سيحققه أستاذ الديبلوماسية الروسية من مكاسب في الملف السوري، عن طريق ثنائية الترهيب والترغيب. ولنا قبل هذا وذاك أن نثابر على قراءة شيفرة العقيدة القتالية الفريدة لأبطال الجيش السوري، عقيدةٌ جبلت بالإخلاص للوطن وصون الشرف، ساعة يتحوّل الدفاع عن الأرض والعرض رمزاً مقدّساً لأوسمة الشرف…

للنبلاء… النجباء، كلماتٌ أخيرة

المرحلة المقبلة أيها السوريون… سوف تظهر ملامح ما لا يعلن عنه ولا تكشفه… إلا نتائجه، هكذا يقول المنطق. لكن الأهمّ الأهمّ… هو ما لا يجوز إلا أن يكون لكم فيه عظيم الثقة، هو إيمانكم الراسخ كرسوخ قاسيون بأنّ الأرض السورية ما كانت ولا ارتضت يوماً أن تكون لغير السوريين النبلاء، وأنّ التراب لمن يسقيه طهراً وقداسة، وأنّ الأرحام التي أنجبت ملائكةً وقدّمتهم قرابين على درب الشهادة في سبيل الوطن، هي أرحامٌ خصبةٌ ولاّدةٌ لا نضوب لها، لن يعرف العقم أو الفناء إليها طريقاً أو سبيلا، وأن أبطال الجيش السوري العظيم، من ارتقى منهم فداءً للوطن، ومن لا يزال يرابض، هم الأمل والرجاء، هم أساسات بنيان سورية الغد، وأعمدة النصر الآتي، النصر الذي لن يرتضي عن عناقهم بديلاً ولن يقبل إلا أن يتحوّل إلى قبلاتٍ بنكهات الوطن من جباههم الشامخة، ورقصات مجد على مناكبهم… وباقاتٍ من الغار تتعطر بمسك القداسة، حيث رقاد رفقائهم الشهداء.

تحيا سورية… والنصر لجيشها الأبي.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى