العواصف في خدمة الفوضى الهدامة التي بشرت بها كوندي!

محمد ح. الحاج

أحداث المنطقة العربية ومحيطها من «ربيع عربي» و»شرق أوسط جديد» و»شرق أوسط كبير»، وما تبع ذلك من عواصف سياسية واقتصادية، وأخيراً عسكرية، ليست وليدة يومها، إنما هي مخططة وموضوعة قيد التنفيذ، تعمل مراكز أبحاث كبرى لتحريكها وإشعال نيرانها، وتغذيتها بما يلزم من إثارة إعلامية تحريض وتمويل وتسليح، وهذه المخططات أقرّها مجلس الحكومة العالمية «حكومة الظلّ الماسونية» في الولايات المتحدة اعتماداً على نتائج الدراسات والأبحاث التي قدّمتها المراكز المختصة وأهمّها مركز الأبحاث الذي يديره الثعلب الصهيوني العجوز هنري كيسنجر.

العراق المستهدف من قبل الصهيونية العالمية كان على رأس قائمة الدول التي يجب العمل على وقف تقدّمها وتجزئتها، والمؤكد أنّ اللعبة الأميركية في توريط صدام حسين لاحتلال العراق، من ثم تشكيل تحالف دولي – عربي لإخراجه من الإمارة الصغيرة وتدمير جيشه وبنية الدولة العلمية والصناعية، وهذا ما حصل فكانت النتيجة مديونية هائلة وانهيار العملة وتكبيد الدولة العراقية خسائر أعادتها سنوات إلى الخلف كمرحلة أولى امتدّت من العام 1991 وحتى العام 1993، بعد ذلك بدأت الاتهامات الأميركية للعراق في قضية امتلاك أسلحة الدمار الشامل وما رافقها من عمليات تفتيش، من ثم الاجتياح الأميركي للعراق ووضع اليد عليه بعد احتلاله، وبدء تشكيله على الطريقة الأميركية سياسياً واقتصادياً وعسكرياً تمهيداً لمرحلة لاحقة تتجسّد اليوم في مخطط تقسيمه على قواعد يرفضها الشعب العراقي عدا شريحة بسيطة منه.

سورية لم تكن خارج المخطط، ومن المؤكد أنها كانت المرشحة ثانياً على القائمة ومثلها إيران، ولأنّ سورية في لبنان قد دفعت ثمناً باهظاً من دماء أبنائها للحفاظ على وحدة لبنان ومنع التحاقه بركب الدول المستسلمة للعدو الصهيوني، فهي هدف مؤكد منذ العام 1996، وربما قبل ذلك، وفي مطلع الألفية الثالثة وبعد أن تسلّم القيادة الرئيس الدكتور بشار الأسد، انتظرت الإدارة الأميركية تغييراً في السياسة الخارجية تجاه العدو الصهيوني، فكانت العروض المقدّمة عبر دول عديدة أولها مصر ثم فرنسا وتركيا والكثير من الوسطاء العاملين في تقديم الخدمات لحكومة الظلّ العالمية، ولما فشلت الإدارة الأميركية اتخذ المحفل الماسوني في نيويورك قراره بإخراج الجيش السوري من لبنان بعد افتعال حدث كبير فكان اغتيال رئيس الوزراء اللبناني المرحوم رفيق الحريري، والذي ما زال غامضاً وتعمل جهات دولية على جعل الحقيقة أبعد من أن يصل إليها أحد في المنطقة، وهكذا خرج الجيش السوري وبدأت العواصف السياسية والقرارات الدولية التي تستهدف شيطنة سورية ومعاقبتها بقرارات أميركية الكونغرس وتحريض دول العالم عليها.

المرحلة الثالثة استهدفت إنهاء ما يعرف بجبهة المقاومة المشكلة من المقاومتين اللبنانية والفلسطينية المدعومتين من سورية وإيران وهما بالطبع من الدول الموضوعة على القوائم الأميركية دول داعمة للإرهاب، ومحور الشرّ إضافة إلى كوريا الشمالية، وكلّ ذلك حماية للكيان الصهيوني الذي تعرّض لضربات موجعة نهاية الألفية الثانية وبعدها حتى العام 2005، إذ بعد خروج القوات السورية بدأ تطبيق مرحلة جديدة هي القضاء على المقاومة اللبنانية المتمثلة بحزب الله، فكان الضوء الأخضر الأميركي بشنّ الحرب في 2006، والتي انتهت إلى هزيمة محققة وتحطيم هيبة الجيش الصهيوني، لتستكملها المقاومة الفلسطينية في غزة 2008-2009.

قبل عدوان تموز 2006، وبعده بدأت الإدارة الأميركية الترويج لـ»شرق أوسط جديد» روّجت له وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس، وأفصح عن هذا «الشرق الأوسط الجديد» رئيس الكيان الصهيوني شمعون بيريز بقوله إنه ينتظر «شرق أوسط كبيراً تكون دولته عضواً أساسياً فيه».

كان جديراً بقادة المنطقة التنبّؤ بأنّ مخططاً أكبر يشمل العالم العربي والمنطقة، وهكذا ظهرت إلى العلن خطة الفوضى «الخلاقة» أميركياً… الهدّامة على مستوى المنطقة ليبدأ ما اتفقوا على تسميته الربيع العربي وهو في جوهره أسوأ شتاء عاصف يواجهه هذا العالم بدءاً من العام 2010، تونس، مصر، ليبيا وقرأ البعض في العمليات تغطية للخروج الأميركي من العراق، لكن ذلك كان هدفاً ثانوياً في حين أنّ الجوهر هو خلط الأوراق في المنطقة وإسقاط الأنظمة التي تشكل تهديداً للكيان الصهيوني في الحاضر، وقد تشكل مرحلة متقدّمة على طريق إسقاطه وزواله، وإنهاء مرحلة الهيمنة الأميركية على مقدّرات المنطقة.

ما من شك أنّ أدوات التخريب في المنطقة جرى إعدادها قبل زمن طويل، وبعض قياداتها تخرّجت من «غوانتانامو» تحت إشراف الاستخبارات المركزية الأميركية، كما تمّ ربطها بالموساد الصهيوني بشكل أساسي، وبالمخابرات الغربية بشكل عام، كذلك جرى إعداد غرف عمليات متعدّدة في الدول الدائرة في الفلك الأميركي، وخاصة في تركيا والسعودية وقطر، وتمّ إلحاق الأردن واستخدامه في اللعبة بوسائل متعدّدة أهمّها التوظيف لقاء المساعدات والمعونات وتزويد الجيش الأردني بالأسلحة المموّلة خليجياً، وهكذا نجحت الاستخبارات الدولية في توظيف «القاعدة»، وهي في الأساس الصنيعة التي شكلت ذريعة اجتياح أفغانستان والمنطقة ونشر المزيد من القواعد الأميركية والأوروبية في المنطقة العربية، «القاعدة» التي تمّ استيلاد تنظيمات منها تحت مسمّيات جديدة: «داعش» و»النصرة» وتوابعها، وهي تنظيمات متشدّدة مجرّدة من الإنسانية والأخلاق، ولا تعرف معنى الروابط الوطنية، ما يبرّر هذا التوصيف ارتباطها بالعدو الصهيوني تسليحاً ورعاية لأنّ كلّ ما تقوم به يقدّم خدمات جلّى للكيان الصهيوني ويفسح المجال تحت دخان عمليات هذه التنظيمات والفوضى التي سادت المنطقة أن يستكمل مخططاته في تهويد القدس والاستيلاء على المزيد من الأرض الفلسطينية ومنع قيام شبه دولة للفلسطينيين ولو مجرّدة من السلاح، البعض أطلق عليها إدارة محلية وأنّ رئيسها مجرّد مختار محلة لا أكثر.

الفوضى الهدامة التي عصفت بتونس، وخرّبت الدولة الليبية، وكادت تودي بالدولة الأكبر في العالم العربي، بعد الذي لحق بالسودان، هي الفوضى ذاتها التي تعصف بسورية منذ أكثر من أربع سنوات والتي لو تعرّضت لها دولة أخرى تملك نفس القدرات السورية اقتصادياً وعسكرياً لانتهت منذ السنة الأولى، لكن الشعب السوري مع جيشه الوطني وحكمة القيادة ما زال يقاوم، بل ويحقق الانتصارات في مواجهة عصابات المرتزقة الآتية عناصرها من أكثر من خمسة وثمانين دولة، والمدعومين من مجموعة كبيرة من الدول الغربية، وبعض الدول العربية، وما زال الإصرار على تأجيج الصراع واستهداف الدولة السورية شعباً ومقدرات ومحاولة تحطيم الجيش السوري على أشدّها برغم محاولات مخلصة لوقف هذا العدوان عن طريق الحوار السوري السوري، الذي تعمل دول وتنظيمات عديدة على إفشاله.

اليمن، الدولة التي كانت مرشحة لدخول محور المقاومة أضحت هدفاً مضافاً، وتمّ منح السعودية الضوء الأخضر لمعاقبتها بعد تأمين تحالف شبه دولي، وهكذا أطلقوا ما أسموه عاصفة الحزم تيمّناً بالعواصف الصهيونية، لا غرابة في الأمر، لأنّ المخططين لكلّ العواصف هم ذاتهم، ولأنّ كلّ العواصف هي في خدمة الفوضى «الخلاقة» بالمفهوم الاستعماري الصهيو ماسوني التي بشرت بها كوندي وهي فوضى هدامة بالمفهوم الوطني والتحرّري.

قد تحقق عواصف الغرب الصهيوني نتائج آنية، وقد تدمّر دولاً وأنظمة قائمة لكنها لا يمكن أن تنتصر وتلغي عقيدة شعب مؤمن بحريته، باستقلالية قراره، ومهما كانت التضحيات فإنّ هذا الشعب لن يتوقف عن العطاء والنضال لخلاص لا يبدو بعيد المنال، ولنا في تجربة الجزائر وفيتنام خير مثال.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى