فتحي شاتيلا

بتاريخ 27 نيسان 2015، أدلى رئيس مجلس النواب بتصريح قال فيه: «إنّ الدين العام اللبناني ليس 68 مليار دولار أميركي، بل أصبح يفوق السبعين مليار دولار، وبالكاد تستطيع الدولة تسديد خدمة هذا الدين. وطالب النواب بحضور الجلسة التشريعية التي يتضمّن جدول أعمالها مشاريع حيوية ومهمة، منها ما يتعلق بريّ بيروت من سدّ بسري»! فما هي حقيقة هذا المشروع وهل يشكل الحلّ الأوفر لتزويد بيروت الكبرى بالمياه؟

منظومة مائية لتزويد بيروت الكبرى بالمياه

عام 2010، قرّرت وزارة الطاقة والمياه تنفيذ منظومة مائية لتزويد بيروت الكبرى بالمياه، وذلك بواسطة سدّ جنة على نهر ابراهيم وجرّ مياه نهر الليطاني وسدّ بسري على نهر الأولي.

سدّ جنة عند نهر ابراهيم

بتاريخ 8/4/2013، صرّح وزير الطاقة والمياه خلال تدشينه المرحلة الأولى لسدّ جنة على نهر ابراهيم، انه سيتمّ إنشاء سدّ علوّه 165 متراً لتخزين 38 مليون متر مكعب ثابت و95 مليون متر مكعب متحرّك لتخزين بيروت الكبرى وقضاء جبيل بالمياه. وانّ أكلاف بناء السدّ تبلغ 250 مليون دولار أميركي وأمواله مؤمّنة في مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان.

غير انّ دراسات وضعتها الوكالة الألمانية الرسمية «BGR» بتاريخ 30/04/2012، تفيد أنّ التخزين الفعلي لسدّ جنة يبلغ 7 ـ 8 ملايين متر مكعب فقط وليس 30 مليون متر مكعب كما هو مشاع. وينصح التقرير في خلاصاته، عدم الاستمرار في بناء سدّ جنة بكلفته المقدّرة بنحو 800 مليون دولار لتخزين وهمي لنحو 30 مليون متر مكعب من المياه يبقى ربعه فقط ويتسرّب الباقي.

وبتاريخ 22 آذار 2013، وجه المدير العام للموارد المائية والكهربائية كتاباً الى وزير الطاقة والمياه أطلعه فيه على الثغرات التي تعتري تنفيذ سدّ جنة، وانه يتعذّر على المديرية العامة الموافقة عليه وتمريره لأنّ طبيعة الأرض غير ملائمة. كما أشار الى أنّ كمية المياه التي يمكن تخزينها لا تتجاوز 7 ملايين متر مكعب وليس 30 مليون متر مكعب.

والجدير ذكره أنّ أكثر من 200 مليون دولار من الأموال التي قرّرت مصلحة مياه بيروت وجبل لبنان تقديمها لتنفيذ سدّ جنة، تمّت جبايتها من سكان وأهالي بيروت الكبرى. وحيث أنّ كمية المياه التي سيتمّ تخزينها لا تتجاوز 7-8 ملايين متر مكعب. وهي كمية لا تكفي لتلبية احتياجات بلدات قضاء جبيل والبترون، فإنّ الأموال التي قامت المصلحة بجبايتها من سكان وأهالي بيروت سيتمّ استعمالها لتحسين الأوضاع المائية لقرى وبلدات جبيل والبترون!! ويشكل عمل المصلحة هذا، سوء أمانة وطعنة في حق سكان وأهالي بيروت الكبرى.

جرّ مياه نهر الليطاني إلى بيروت

بتاريخ 16/05/1970، قرّر مجلس الوزراء وبموجب المرسوم رقم 14522 جرّ 50 مليون متر مكعب سنوياً من مياه نهر الليطاني المخزونة في بحيرة القرعون والمحوّلة الى نهر الأولي لتزويد بيروت الكبرى بالمياه. وقد استند هذا المرسوم على دراسات أجرتها وزارة الموارد المائية والكهربائية تبيّن بنتيجتها انّ الأوضاع الجيولوجية عند نهر الأولي ونهر الدامور لا تسمح بتخزين المياه وقرّرت صرف النظر عنهما!

انّ المياه المنوي جرّها من نهر الليطاني هي ملوّثة كيميائياً وصناعياً وجرثومياً بمعدلات قياسية وأنّ معالجتها تتطلب تكنولوجيا متطوّرة ليست متوفرة في لبنان. وانّ ايّ خطأ بشري او تقني يحصل عند معالجة المياه، سيؤدّي الى إصابة سكان وأهالي بيروت بأمراض خبيثة منها مرض السرطان. ومما يؤكد صحة ما أشرت اليه، دراسات قام بها البروفسور عارف ضيا، الخبير بشؤون البيئة وتلوث المياه.

وقد باشر مجلس الإنماء والإعمار بتنفيذ بعض مكوّنات جرّ مياه نهر الليطاني لبيروت، وذلك كما ورد في تقرير وضعه البنك الدولي بتاريخ 30/05/ 2014، ورد فيه أنّ المجلس باشر بتنفيذ أعمال بلغت أكلافها 2.66 مليون دولار أميركي.

وبتاريخ 21/05/2015، قام المجلس بتلزيم نفق بطول 24 كيلومتراً يمتدّ ما بين نهر الأولي ومنطقة خلدة تبلغ أكلافه 191 مليون دولار أميركي. وقد تمّ تلزيم المشروع الى شركة «CMC Di Ravenna « الإيطالية.

مشروع سدّ بسري على نهر الأولي

يقع سدّ بسري فوق طبقات رملية وصلصالية غير متماسكة. وعند تشبّعها بالمياه، تصبح لزجة. كما انّ هذا السدّ يبعد كيلومترين فقط شرقي فالق روم الذي ما زال ناشط زلزالياً.

تبلغ أكلاف إنشاء السدّ، بما فيه الاستملاكات ومحطة لتكرير المياه وغيرها من المنشآت، 617 مليون دولار أميركي كما ورد في كتاب وضعه مجلس الإنماء والإعمار بتاريخ 27/12/2014.

وحيث انّ النفق الذي سيتمّ بواسطته جرّ مياه نهر الليطاني لبيروت، سيتمّ ايضاً استعماله لجرّ مياه نهر الأولي، فإنّ مجموع أكلاف مشروع الليطاني/الأولي تبلغ 808 ملايين دولار أميركي. وقد تمّ تأمين هذا المبلغ بواسطة قروض من البنك الدولي والبنك الإسلامي للتنمية.

تخزين مياه نهر الدامور

بعد ان تخلت الوزارة عام 1970 عن تخزين مياه نهر الدامور قام فتحي شاتيلا عام 1996 بوضع دراسات على هذا النهر تبيّن بنتيجتها انّ الأوضاع هي مثالية وفريدة من نوعها لتخزين وجرّ اكثر من 150 مليون متر مكعب سنوياً بواسطة سدّ يبعد كيلومترين شرقي ملتقى النهرين. وخوفاً من انكشاف الأخطاء التي وقعت بها الوزارة لتخزين مياه نهرالدامور منذ العام 1970، والى تصدّع مصداقية مشاريع مائية على وشك التلزيم تزيد أكلافها عن 2500 مليون دولار أميركي، قامت وبالتعاون مع مجلس الإنماء والإعمار بارتكاب العديد من المخالفات لطمس وطي الدراسة التي وضعها شاتيلا، وذلك بوضع دراسات ملفقة ومحورة، وتوجيه تهديدات واتهامات وتعديات لثنيه عن متابعة المطالبة بتخزين مياه نهر الدامور. ومن بعض هذه المخالفات، كتاب وضعته الوزارة تسجل تحت الرقم 4264/98 تاريخ 17/8/1998 حوّرت وحرّفت فيه دراسات قامت بها في أوائل السبعينات لإنشاء سدّ السمقانية عند أعلى مجرى نهر الدامور ونسبتها الى السدّ الذي حدّد موقعه شاتيلا عام 1996. ويعتبر عمل الوزارة من تحريف وتحوير، عملاً يعاقب عليه القانون بالسجن.

وبتاريخ 1/9/1999، طلب مجلس الوزراء وبموجب القرار رقم 12/99 من مجلس الإنماء والإعمار، وضع دفتر الشروط الخاص وتلزيم مشروع دراسة جدوى تخزين مياه نهر الدامور بطريقة التراضي خلال مدة شهر واحد فقط. كما طلب المجلس بتاريخ 8/9/1999 وبموجب القرار رقم 41/99 من مجلس الإنماء والإعمار الاستعانة بكلّ من شاتيلا وخبير منظمة الأغذية والزراعة الهيدروجيولوجي الدكتور Alain Guerre للاستفادة من المعلومات المتوفرة لديهما. غير انّ مجلس الإنماء والإعمار خالف تنفيذ هذين القرارين ولم يقم باستدعاء الخبير Guerre، ولم يضع دراسة جدوى لمشروع انشاء سدّ على نهر الدامور سوى بعد تأخير ومماطلة متعمّدة استمرّت سبع سنوات. فخلال العام 2007، قام المجلس بتكليف الاستشاري Liban Consult لوضع هذه الدراسة، بأكلاف قدرها 800,000 دولار أميركي. وقد تبيّن بنتيجة هذا المشروع انه بالإمكان وبواسطة سدّ يعلو 100 متراً فقط، تزويد مليون ونصف المليون نسمة من سكان وأهالي بيروت الكبرى بمعدل 250,000 متر مكعب يومياً بحيث تبلغ حصة الفرد الواحد 175 ليتراً يومياً بأكلاف تبلغ 155 مليون دولار أميركي. وفي موعد لاحق، قام المجلس والاستشاري بتطوير دراسة الجدوى، تبيّن بنتيجتها انه بالإمكان وبواسطة سدّ يعلو 100 متراً فقط، تخزين وجرّ 100 مليون متر مكعب سنوياً لتزويد بيروت بالمياه خلال فترة الشحايح.

وانّ أكلاف هذا المشروع، بما فيه الاستملاكات، بناء السدّ، بناء محطة لتكرير المياه وأخرى لضخ المياه مع ناقل للمياه حتى بلدة الحدث، تبلغ 153 مليون دولار أميركي فقط.

يتبيّن مما تقدم، بأنّ وزارة الطاقة والمياه ومجلس الإنماء والإعمار باشرتا بتنفيذ منظومة مائية لتزويد بيروت الكبرى بالمياه من سدّ جنة على نهر ابراهيم، بأكلاف تزيد عن 800 مليون دولار أميركي، وسدّ بسري على نهر الأولي بأكلاف تزيد عن 808 مليون دولار أميركي، بينما رفض كلّ من الوزارة والمجلس تزويد بيروت الكبرى بالمياه من نهر الدامور بأكلاف زهيدة تبلغ 153 مليون دولار أميركي. وهل يمكن لنا بعد الآن ان نتساءل لماذا أصبح الدين العام على لبنان يفوق السبعين مليار دولار أميركي؟

التوصيات

انّ الأضرار والخسائر التي سوف تصيب سكان وأهالي بيروت من جراء المنظومة المائية التي باشرت الوزارة ومجلس الإنماء والإعمار بتنفيذها ستؤدّي الى إهدار مئات الملايين من الدولارات وسترهق كاهل ذوي الدخل المحدود والفقراء من جراء التعرفة المالية المجحفة والباهظة التي ستقوم مصلحة مياه بيروت وجبل لبنان بتطبيقها. كما انّ ايّ خطأ يحصل عند معالجة مياه نهر الليطاني سيؤدّي الى وقوع كارثة صحية لا يعلم أحد مدى فداحتها بسبب الأمراض المستعصية التي ستصيب سكان وأهالي بيروت. وأنّ الحلّ الوحيد لتجنّب هذه الأضرار والخسائر العمل على تزويد بيروت الكبرى بالمياه من نهر الدامور.

لجميع ما تقدّم، ندعو الى اتخاذ الخطوات التالية:

1 دعوة الهيئات المدنية والأهلية إلى عقد اجتماع تتمّ فيه مناقشة الموضوع من جميع جوانبه.

2 – تقوم كلّ من الهيئات والفاعليات الذين قرّروا إعادة النظر بمشروع تزويد بيروت الكبرى بالمياه من سدّ جنة على نهر ابراهيم وسدّ بسري على نهر الأولي ومن نهر الليطاني، تكليف اثنان منهما يمثل الهيئة ليكونوا مواكبين للخطوات التي سيتمّ الاتفاق عليها.

هيدروجيولوجي

f.chatila cphworldmedia.com

Email abbha live.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى