فرنسا والثورة والانتخابات السورية… لا خروج على المبادئ

عامر نعيم الياس

الحرية، الإخاء، المساواة، الإشهار لها عام 1789، دولة اليعاقبة دانتون روبسبير وقتل كل من يعارض مبادئ الثورة، المقصلة لأيّ مشبوه من النظام البائد. مونتيسكيو، أحد منظري الثورة، وكتابه «روح القوانين»، قراءات أكثر تضعك في مواجهة روح قانون يشرعن الاستعمار ويبرّر العبودية، وأقتبس: «أولئك الذين سخّروا للعمل في أفريقيا ليسوا غير أقوامٍ من السود فُطس الأنوف لا يستحقون رحمة ولا إرشاد… لا أتصور أن الله بحكمته السامية قد وضع في تلك الكائنات السوداء أرواحاً يمكن أن تكون طيبة».

الاستعمار، وحملة نابوليون على مصر بعد انتصار الثورة مباشرة، ثورة توسعية إمبريالية مرتشية، إذ يذكر الدكتور أمين عبد محمود مؤلف كتاب «مشاريع الاستيطان اليهودي منذ قيام الثورة الفرنسية حتى نهاية الحرب العالمية الأولى» أن «الوعد الفرنسي بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين كان مقابل تقديم الممولين اليهود قروضاً مالية للحكومة الفرنسية التي كانت تمر آنذاك بضائقة مالية خانقة، والمساهمة في تمويل الحملة الفرنسية المتجهة صوب الشرق بقيادة نابوليون».

اليوم ما الذي تغيّر؟ ألا يشكل منع رعايا الجمهورية العربية السورية في فرنسا من التصويت في الانتخابات الرئاسية استمراراً لممارسات الثورة الفرنسية؟

الواضح أنه لم يتغيّر شئ على الإطلاق، فالسياسة الفرنسية المتّبعة في سورية تحكمها العوامل التالية:

ـ الموروث الاستعماري لدولة احتلت سورية ودخلها الجنرال غورو مرتكباً مذبحة بحق جيشها مدنساً أرضها وعلمها.

ـ الانضواء التام والكامل في الاستراتيجية الأميركية الخاصة بأمور الكون أجمع، فعدو أميركا هو بالضرورة عدو لفرنسا.

ـ العمل لحساب من يدفع أكثر وتسخير مكانة فرنسا في مجلس الأمن لخدمة سياسات الممولين، بدءاً من الحريري الأب في زمن الرئيس اليميني جاك شيراك، وليس انتهاءً بالمال السعودي والقطري المتدفق كنهر من الاستثمارات على إدارة الرئيس الاشتراكي فرانسوا هولاند لإنقاذ العجز الهائل في الموازنة.

ـ من ليس معنا فهو ضدنا، المبدأ الأساس الذي حكم حراك الثورة الفرنسية منذ بدايتها، خصوصاً أيام دولة اليعاقبة التي أعدمت آلاف الفرنسيين بحجة مخالفة مبادئ الثورة، ثورة قيل إنها قامت لإرساء دولة القانون والتخلص من تسلط الكنيسة والملكية المستندة إلى نظام الحق الإلهي في الحكم.

إن قرار منع الرعايا السوريين المقيمين في فرنسا من حقهم في التصويت للانتخابات الرئاسية يعدّ مخالفةً صريحةً لأبسط قواعد القانون الدولي، خصوصاً أن السفارة تعتبر تابعة للدولة التي تمثلها وتعتبر أرضها جزءاً من أراضيها ولا يحق لأيّ فرد من سلطات الدولة المضيفة الدخول إليها إلا بترخيص. كما أن القرار يعكس إدراك الفرنسيين جيداً شعبية الرئيس بشار الأسد داخل سورية وخارجها، فمجرد السماح للرعايا السوريين بالاقتراع ونقل وسائل الإعلام لهذا المشهد سيعري ثلاث سنوات من محاولات الإعلام الغربي عموماً، والفرنسي خصوصاً استلاب الرأي العام الغربي وتشويه الحقائق عن سورية عبر رسم صورة لنظام معزول وثورة شعبية تنتظر الانتصار على «الطاغية» للوصول إلى الحكم المنشود حكم السفارات والتوافق الدولي على اسم الرئيس السوري، فضلاً عن محاكاة الثورة الفرنسية التي مارست طقوس الإعدامات الجماعية مدة لا تقل عن عشر سنوات حتى أصبحت حينذاك قادرة على إبرام عقدها الاجتماعي، قادرة على النطق بحكم الأكثرية القاتلة.

ملاحظة: يقول أحد المؤرخين الأوروبيين إنه لحظة اقتحام سجن الباستيل كان فيه سبعة سجناء ثلاثة منهم مجانين، والاقتحام كانت غايته سرقة مستودعات السلاح هناك، وقُتل آمر السجن وهو أحد النبلاء وسُحلت جثته في شوارع باريس.

كاتب سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى