السيّد نصرالله يُفسح المجال إقليمياً للتراجع
روزانا رمّال
الأكيد أنّ تطورات عسكرية ملفتة حجزت مكانتها في أرض القلمون، ومن دون الغوص في تسميات مثل «انطلاق ساعة الصفر» أو «بدء الحسم» وغيرهما، طالما أنّ أحداً من طرفي الحرب لم يعلن عنها، وقد لا يعلن، لتبقى رهن الواقع والمعارك.
لكلّ حرب قادتها وساستها وظروفها وتحالفاتها وحساباتها، وبعيداً من هذه الأمور لا يمكن قياس أي شيء في المشهد.
وإذا كان القادة والساسة والظروف اجتمعوا اليوم لانطلاق عمليات عسكرية في القلمون، فإنّ أبرز ما يمكن تسجيله، وعلى طريقة أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله، هو ما سجلته المعارك من انهيارات كثيرة في صفوف المسلحين، ما يوضح المشهد المقبل بعد التكهن الذي كان سائداً قبل بدئها، فيتصدر حتى الساعة زخم عمليات حزب الله والجيش السوري واستنفار الماكينة الإعلامية للحزب حتى تأكدت أجواء من التقدم عكسها دخول الجيش السوري إلى عسّال الورد ومرتفعات النحلة واسترجاعه مناطق محاذية واستراتيجية بسرعة، وسط تجمّع لأكثر من عشرين كتيبة وفصيل تحت اسم «جيش الفتح»، بالإضافة إلى حشد كبير من «جبهة النصرة».
المفارقة أنه، وبالرغم من شدة المعارك التي ترافقت مع خطاب السيد نصرالله الأخير، لم يعلن عن بدء أي معركة بل ترك الأمر مفتوحاً.
واضح أنّ تأويل وتشريح خطاب السيد نصرالله حول هذه المعركة، التي تحضّر لها الجميع نفسياً ومعنوياً، حمل الكثير من التفسيرات عند خصومه الذين رأوا في هدوء السيد وعدم إعلانه عن ساعة صفر للمعركة، أنه يهرب من المعركة.
يقول بدء المعارك وتقول نتائجها أنّ نصرالله أراد من عدم الإعلان إرسال أكثر من رسالة، وأهم هذه الرسائل أنّ الحرب قد تكون طويلة لا يحدّد بدايتها توقيت ولا نهايتها نية، فظروف الحرب تفرض نفسها، هذا أولاً. أما ثانياً، فالتأكيد من خلال الوقائع أنّ حزبه جاهز جداً وأنه قد ردّ على الاستفزاز بأعنف منه، وأنّ النتائج الأولية تحكي عن سقوط مدرعات وآليات للمسلحين وأنّ أسلحة حزب الله المتطورة كلها موضوعة في خدمة هذه المعركة المصيرية، إنما كلّ شيء مفتوح وأنتم اختاروا.
فهل ستختار المجموعات المسلحة الانسحاب، لضراوة المعارك؟ وهل ستكون حرباً حقيقية وجهتها حسم القلمون برابح وخاسر ومعركة كسر عظم؟ هل ستطلب «جبهة النصرة» التدخل «الإسرائيلي» المباشر؟ وهل سيتدخل «الإسرائيليون»؟
تفيد المعلومات بأنّ تركيا التي تحوز ميزات تفاضلية اقتصادية وسياسية إيرانية كثيرة، أرادت تبييض صفحتها السوداء مع إيران بعد أحداث إدلب وجسر الشغور، فدخلت على الخط وأوحت لـ«جبهة النصرة» بدخول مفاوضات تنتهي بانسحاب المسلحين إلى الرقة، إلا أنّ شيئاً ما دخل على الخط ومنع الاتفاق.
خطاب نصرالله الأخير، مثله مثل العمليات العسكرية الأولية التي تتخذ مجراها في القلمون، يعتبر إجراءاً أولياً ورسالة متعدّدة الأهداف بين رسالة قوة وعدم إغلاق أبواب السياسة، فجبهات المنطقة من نجران إلى القلمون تتصل ببعضها البعض بشدّة، بحيث لا يمكن رسم سيناريو ثابت ونهائي لجبهة بعينها، بمعزل عن سواها ولا باستباق مجريات القتال والسياسة معاً، وما بين السياسة في اليمن وسورية ولبنان سياسة دولية وإقليمية تدور حول ومع إيران، والعيون المفتوحة على الميدان مفتوحة على السياسة أيضاً.
وفي سياق معركة القلمون وخصوصيتها، يؤكد العميد هشام جابر لـ«البناء» أنّ الاستعدادات لهذه المعركة منذ أكثر من أسبوع معروفة للطرفين، ويبدو أنّ جبهة النصرة قامت منذ ثلاثة أيام «باستطلاع نار» وبدأت بالتحرّش بمراكز حزب الله من أجل فرضيتين:
أولاً: «لاستطلاع قوة الفريق الآخر، وثانياً لبدء عملية استباقية. لكن يبدو أنّ العملية الاستباقية لم تبدأ لأنّ المعركة الكبرى تحتاج حشوداً ويبدو أنّ «جبهة النصرة» تحاول تطبيق تكتيك إدلب ـ جسر الشغور والتجمّع في منطقة القلمون عبر الفصائل المشرذمة التي توحّدت تحت شعار «جيش الفتح» وتطبيق التكتيك الهجومي نفسه الذي أشرف عليه ضباط أكاديميون وغرف عمليات يرجح أنها تركية ومدعومة بسلاح متطور، وخصوصاً صواريخ « تاو».
وعن ساعة الصفر قال جابر: «ساعة الصفر لا يقرّرها فريق واحد بل ثلاثة فرقاء وهم: الجيش السوري وحزب الله والجيش اللبناني»، لافتاً إلى «أنّ المعركة الكبرى لن تكون مناوشات هنا وهناك بل ستشمل المنطقة كلها، وفي الوقت نفسه، «القلمون السوري والأراضي اللبنانية».
أما عن فرضية اللجوء إلى «إسرائيل» للمساندة، قال العميد جابر: «إسرائيل تقدم وستقدم مساعدات لوجستية للنصرة والنصرة الموجودة اليوم على حدود الجولان تتزود بمساعدات ستنتقل إلى القلمون، أما عن مشاركة إسرائيلية بتغطية عسكرية، فذلك غير ممكن لأنّ إسرائيل تسجل بذلك اعتداء على سورية».
يبق للذين يحللون بعقول باردة أن يستنتجوا أنّ هدوء السيد نصرالله كان تعبيراً عن الحاجة إلى الهدوء لأصحاب الرؤوس الحامية وهم يتلقون أنباء المعارك، فيفكرون ويعقلون ويكتشفون أنه أبقى باباً مفتوحاً للسياسة، ولكن من موقع القوة.