حكاية التمديد المقنّع لسليمان من ألفها إلى يائها

شادي جواد

من نافل القول إن الاستحقاق الرئاسي وضع على رف الانتظار، وإن أبواب القصر الجمهوري ستكون بعد منتصف ليل الخامس والعشرين من الجاري مشرّعة أمام الفراغ الذي لن يكون له سقف زمني في تربعه على كرسي القصر، في انتظار التسوية الإقليمية والدولية القادرة وحدها على إزاحته والإتيان برئيس جديد كامل الأوصاف لولاية كاملة.

وما هو مستغرب على مسافة عشرة أيام من انتهاء الولاية الدستورية للرئيس ميشال سليمان تداول طرح ما أنزل الله به من سلطان، وهو بقاء رئيس الجمهورية حتى إجراء الانتخابات الرئاسية، وهذا الطرح أقل ما يقال فيه في هذه المرحلة إنه نكتة سخيفة من ابتداع الرئيس سليمان نفسه، وتولّى البطريرك بشارة بطرس الراعي تسويقها!

القصة بدأت بزيارة الرئيس ميشال سليمان إلى بكركي ومفاتحته البطريرك بهذه الفكرة منذ نحو شهرين، ثم طرحها البطريرك الراعي بدوره في الاجتماع الذي ضمه والقادة المسيحيين الأربعة، ما أثار غضب النائب سليمان فرنجية الذي خاطب البطريرك قائلاً: إن مجرد التفكير في هذا الطرح مستحيل، وهو أمر غير مقبول على الإطلاق شكلاً ومضموناً. وأضاف: «إن ما تطرحه يا صاحب الغبطة هو مولود ميت في الأساس».

لم يكتف البطريرك الراعي بما سمعه خلال اجتماع بكركي، فحمل الطرح إلى الرئيس نبيه بري الذي التقاه وهو في طريقه إلى روما قبل أن يذهب إلى المطار، غير أن رئيس المجلس لم يعطه أي جواب. ولدى زيارته إلى باريس أثار البطريرك الموضوع أمام الرئيس سعد الحريري الذي يقال إنه خلق له إرباكاً شديداً وردّ على الراعي بالقول: «إن الرئيس سليمان نحبه وكان صادقاً معي ومع الفريق السياسي الذي أنتمي إليه»، ووعده خيراً من دون أن يعطيه أي جواب صريح.

غير أن ما لم يقله الحريري للراعي في ذاك اللقاء قاله مدير مكتبه نادر الحريري أول من أمس لدى زيارته بكركي مؤكداً القبول بالرئيس الذي يتفق عليه القادة المسيحيون، وهي إشارة واضحة إلى أن الحريري لا ينحاز إلى خيار التمديد للرئيس سليمان، وتؤكد مصادر مطلعة في هذا المجال أن بقاء سليمان ولو لدقائق في قصر بعبدا بعد نهاية ولايته هو خيار مستحيل التحقيق ولو اجتمع العالم بأسره إلى جانبه، لأن المتحكمين في النصاب الدستوري لتنفيذ هذه الآلية هم حزب الله وميشال عون، وهذان الطرفان لا يمكن لأي سبب من الأسباب أن يقبلا بهذا الطرح الذي يعتبرانه أقرب إلى حلم كابوس لن يتحقق.

تلفت المصادر إلى أن التمديد المحكي عنه في ظرف مماثل للذي يعيشه لبنان كان يمكن القبول به، لو أن المستفيد منه مدد فترة الوفاء لمن كان وفياً معه، مشددة على أن فريق الرابع عشر من آذار، وعلى وجه الخصوص الفريق المسيحي، هو ضمنياً ضد أي نوع من أنواع التمديد الحقيقي أو المقنع، كما أن فريق 8 آذار يرفضه في المطلق على خلفية أن التجربة مع الرئيس سليمان لم تكن مشجعة إذ تخلى في أول الطريق عمّن جاء به إلى قصر بعبدا، بل انحرف وأخذ موقعاً ضد المقاومة، ومن يكن لديه مثل هذا السلوك لن يكافأ بالتأكيد على نكرانه للجميل.

تسأل المصادر: ألم يخطر في بال من ابتدع هذه الفكرة «الجهنمية»، أن هذا الطرح يحتاج إلى تعديل دستوري، وأن أي تعديل دستوري يحتاج إلى نصاب الثلثين من أعضاء المجلس النيابي، فكيف سيكون ممكناً تأمين النصاب؟ ولو كان ممكناً ذلك لانتخب المجلس رئيساً جديداً للجمهورية في الجلسة الأولى. لذا يتضح أن من ابتدع هذه الفكرة إما كان يريد «زكزكة» فريق سياسي معين، أو لم يبلغ سن الرشد السياسي بعد، أو أن من همس في أذن الرئيس لكي يفاتح البطريرك بالطرح ويقنعه بتسويقه كان يهدف إلى وضع الرئيس سليمان في موقع حرج يصوّب عليه من كل حدب وصوب.

في تقدير المصادر أن الفراغ زاحف لا محالة إلى قصر بعبدا، وأن كل ما يقال على المستوى الدولي لا يتعدى إطار التكاذب السياسي، فالقاعدة السياسية لدى غالبية صناع القرار في العالم تقوم على أنهم يعلنون عكس ما يضمرون، وبالتالي هم على استعداد لإبرام أي صفقة في أي مكان ومع أي شخص كان، ما دام ذلك يؤمن لهم مصالح بلادهم، وهناك محطات دولية كثيرة شاهدة على ذلك، فلطالما كانت تنتهي أزمات وحروب على حساب شعوب كانت تعتقد أن هناك من سيقاتل للحفاظ على مصالحها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى