في انتظار التسويات الكبرى
نور الدين الجمال
ملفات كثيرة في المنطقة، بينها الوضع اللبناني، معلّقة على لائحة انتظار التسويات الدولية والإقليمية التي ستعقب مرحلة غير قصيرة من المواجهات والصراعات والحروب بالوكالة بين محورين كبيرين في العالم وفي المنطقة العربية بخاصة.
ترى مصادر دبلوماسية واسعة الاطلاع أن لبنان أعدّ منذ تشكيل حكومة الرئيس تمام سلام لفترة انتظار طويلة، فالتدخل الأميركي المباشر من خلال السفير ديفيد هيل سحب الفيتو السعودي حول مشاركة حزب الله في الحكومة بعد عشرة أشهر من تعطيل التأليف، وهيل نفسه أبلغ قوى 14 آذار بوجوب الموافقة على البيان الوزاري بما فيه الفقرة المتعلقة بشرعية المقاومة. هذه التدخلات الأميركية كانت الغاية منها تأمين إقلاع الحكومة وضمان سقف مقبول ومشترك بين فريقي 14 و8 آذار لاستقرار يكفله الجيش اللبناني مع الإيعاز الأميركي برفع الغطاء عن الجماعات المسلحة الموجودة في بؤر التفجير، سواء في الشمال أو البقاع، ناهيك عن بيروت، وهكذا فإن الترتيبات التي صمّمها الأميركيون وراعوا فيها مصالح قوى 8 آذار وحزب الله بصورة خاصة باتت تضمن استقراراً طويلاً نسبياً مهما تأخرت عملية التفاهم على انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
الترتيبات المحكي عنها في العالم والمنطقة تنتظر ثلاثة مسارات رئيسية لإنضاج شروط تفاهمات ما بعد المواجهة ووضع قواعد الحرب الباردة الجديدة، وهذه المسارات هي:
أولاً: الأزمة الأوكرانية المتحوّلة إلى مجابهة مباشرة بين روسيا والغرب، إذ أنشأت روسيا واقعاً جديداً بعد قيامها بضم القرم ودعمها السياسي لمطلب الفدرالية في أوكرانيا، بما في ذلك ما يقدمه من غطاء لتحرك القوى المناوئة لحكومة كييف المدعومة من الغرب، ويبدو حتى الآن أن لدى الولايات المتحدة وأوروبا أوهاماً حول إمكان لي الذراع الروسية ولا تخرج على تلك الأوهام إلا ألمانيا المدفوعة بقوة مصالحها، وروسيا ومحيطها، إلى البحث عن التسويات الممكنة. ويبدو من خطوات الرئيس بوتين الأخيرة أنه يرغب في تعزيز تنامي الدور الألماني بسبب طموح روسيا إلى اختبار فرص الشراكة مع ألمانيا في احتواء أوروبا الشرقية وإخراجها من القبضة الأميركية، وهذا يشمل جميع الدول السلافية والأرثوذكسية في أوروبا من اليونان حتى بولندا.
ثانياً: المفاوضات الإيرانية ـ الأميركية التي تتعدى نطاق الملف النووي الإيراني والتي تصل إلى منعطف مهم في تموز المقبل، بعد التفاهم على تسوية النووي، ويتوقع أن تشمل عدداً كبيراً من قضايا المنطقة بدءاً بالعراق إلى اليمن والبحرين مروراً بسورية ولبنان، عدا مستقبل العلاقات السياسية والتجارية الثنائية في ظل تثبيت الاختلاف الكبير في النظرة إلى القضية الفلسطينية.
ثالثاً: استمرار الأوهام الأميركية والسعودية حول القدرة على استنزاف سورية وتأخير نهوض دولتها، ما يديم تدفق المساعدات المالية والعسكرية للجماعات المسلحة على الأرض السورية، وإذا كان من المسلم به أن وهم إسقاط الدولة السورية قد سقط، فإن الانتخابات الرئاسية المقبلة ستكون محطة فاصلة سبقتها محطة ميدانية فاصلة أيضاً هي النجاح في إخراج المسلحين من حمص القديمة، إذ ستكون عودة هذه المدينة بكاملها إلى حضن الدولة وسيطرتها قوة دفع نوعية لتقدم عمليات الجيش العربي السوري، خاصة في حلب ودرعا حيث تواصل وحدات الجيش وقوات الدفاع الوطني عملياتها بوسائل متفاوتة وبتقدم ثابت في عملية قضم مستمرة لاستعادة السيطرة في هاتين المحافظتين المهمتين، ويستمر تطور الموقف الشعبي الداعم للدولة ولحركة المصالحات الجارية لإخراج المزيد من الشباب السوري من ورطة حمل السلام والتمرد على الدولة، ويتضح أكثر فأكثر أن الحرب الجارية في سورية تستهدف تدمير بلدهم وأن وقودها وقوتها الرئيسية هي جحافل التكفيريين والمرتزقة الذين استقدموا لهذه الغاية.
إن التسويات والتفاهمات التي يكثر الحديث عنها تعني بشكل واضح سقوط الرهان الأميركي على كسر الإرادة الروسية في أوكرانيا والقبول بالتفاهمات الممكنة مع الرئيس بوتين حول مستقبل أوكرانيا الدستوري والسياسي، وتعني كذلك التوصل إلى اتفاق بين إيران ومجموعة 5 + 1 حول النووي، تتبعه بدايات تفاهم أميركية ـ إيرانية حول ملفات المنطقة، ومن نافل القول إن التفاهمات الممكنة حول لبنان تفترض أن تسلم الولايات المتحدة وتركيا والسعودية بحقيقة الفشل في سورية، وأن تبدأ بتنفيذ التفكيك التبريدي لمنصات العدوان الإعلامية والسياسية والأمنية بدءاً بإغلاق غرف العمليات التي أقامها حلف العدوان في تركيا والأردن على الأقل.
ما لم تنطلق مؤشرات السير في هذه الاتجاهات الثلاثة فإن الانتظار سيبقى سيد الموقف حتى يقتنع الواهمون والمراهنون ويتحلون بشيء من الواقعية، وإلا فإن هذا الانتظار قد يطول!