الحفاظ على العسكرة الأميركية… واشنطن هي الخطر الأكبر على استقرار الشرق الأوسط لا إيران

إعداد وترجمة: ليلى زيدان عبد الخالق

قد يذكر كثيرون أنّ أيّ «عرس» في أيّ مكان في هذا العالم، لا بدّ أن يكون لواشنطن فيه «قرص»! وأنّ أيّ مصيبة، حرب، انهيار اقتصادي، فتن، وما إلى ذلك من الويلات، لا بدّ أن تكون واشنطن ضالعة بذلك، إما مباشرة أو بالتحريض. أما «الموضة» الحالية التي يتّبعها البيت الأبيض في التحريض وزرع الفتن بين الشعوب، فتتمثل بـ«تأمين الغطاء الدولي» لأيّ عدوان. تماماً كما حصل عندما كانت «إسرائيل» تشنّ عدواناً تلو الآخر على لبنان أو غزّة، وتماماً كما يحصل اليوم، بالإشارة إلى العدوان السعودي الوهابي على اليمن.

وبناءً على ما تقدّم، يتّضح جليّاً أن واشنطن هي الخطر الأكبر على العالم أجمع. أما التقرير التالي، فيعتبر أنّ الولايات المتحدة الأميركية اليوم، هي الخطر الأكبر على استقرار الشرق الأوسط، لا إيران.

وإذ اعتبر التقرير أن إيران مطوّقةً بالقواعد العسكرية الأميركية، فإنه استدرك قائلاً: «إيران على عكس الولايات المتحدة، إسرائيل وكذلك السعودية. لم تقصف أو تجتاح أو تحتلّ بلداً آخر في المنطقة. دعمت طهران أميركا في أفغانستان، وتعاملت بشكل غير مباشر مع واشنطن ضدّ تنظيم داعش. فضلاً عن أنها حاكت الولايات المتحدة والرياض عندما تدخلتا في سورية، في كلّ شيء، بالنيابة عن الرئيس بشار الأسد. وعلى العكس من السعودية، فإن تورّط إيران في اليمن يُعتبر هامشياً. لم تقم طهران بأيّ عمل كارثيّ سواء إنسانياً أو جيوسياسياً يوازي غزو إدارة بوش لإيران».

ويتابع التقرير: السعودية تتدخل باستمرار في شؤون الدول العربية الداخلية، تدعم الإسلام المتطرّف في كلّ مكان، تؤيد الدكتاتورية في مصر والبحرين، تدعم المتمرّدين الأصوليين في سورية، تقمع الحركات المستقلة في دول الخليج المجاورة، وتقصف اليمنيين الذين عارضوا الأحكام السياسية الملكية الصادرة مؤخراً.

ليخلص التقرير إلى القول: التدخل العسكري الأميركي، عملٌ غير شرعيّ، خصوصاً أنه إلى جانب أحد «الحلفاء الاستبداديين» كالسعودية وقد أضحى هذا التدخل المشكلة الأبرز التي يُفترض معالجتها. على الولايات المتحدة أن تمضي قدماً في المحادثات النووية مع طهران، مع التأكيد على ضرورة البحث في شأن دورها في القضايا الإقليمية. وفي الوقت عينه، فإن على واشنطن أن تنأى بنفسها عن الصراعات التي لن يكون حلّها أميركياً… إن تدخل الولايات المتحدة وصنعها الحرب قد ألحق ضرراً لا يوصف في الشرق الأوسط.

وفي ما يلي نصّ التقرير كاملاً:

أثار قرار الرئيس أوباما التفاوض مع طهران موجة هستيرية بين السياسيين والنقاد الأميركيين الذين يدافعون عن ضرورة استمرار الحرب واللااستقرار في منطقة الشرق الأوسط، ويشتكون من أن المحادثات لم تكن متشعبة بما فيه الكفاية، كونها نأت بنفسها عن معالجة التدخل الإيراني الخبيث في جميع أنحاء الشرق الأوسط.

يندّد هؤلاء النقّاد بطموحات الإمبراطورية الإيرانية التوسعيّة. فعلى سبيل المثال، تصرّ مبادرة السياسة الخارجية المتشدّدة أكثر من أيّ وقت مضى «سعي إيران إلى الهيمنة على المنطقة منذ سنوات». وتحذّر هذه المجموعة من إمكانية أن تصبح صنعاء «العاصمة العربية الرابعة التي تسقط تحت سيطرة طهران». بينما ترى صحيفة «إيكونوميست» إلى الوضع بشكل مختلف قليلاً، إذ تشير إلى «التأثير القوي لإيران على بيروت، دمشق، بغداد وصنعاء».

ومع ذلك، إذا كانت الهيمنة الإيرانية هي أولويتها السياسية على المدى الطويل، فإنه من اللافت قراءة كيفية إنجاز طهران لهذا. معظم الحكومات في المنطقة لا تحبّذ، لا بل تعارض النظام الإسلامي. كما أن إيران بعيدة عن ممارسة السادية، خصوصاً إذا ما قورنت بأميركا وتأثيرها القوي على كامل منطقة الخليج الفارسي والشمال الأفريقي وكذلك على العراق والأردن فضلاً عن أن الدور السعودي في الخليج ومصر وتأثيراته على المتمردين الثوار يسير جنباً إلى جنب في المنطقة في الوقت الذي تتطور فيه القدرة «الإسرائيلية» العسكرية الساحقة.

إن حليف طهران الرئيس يتمثل بسورية الممزقة بسبب الحرب، فبالكاد يستطيع كلّ من نظام الأسد وكذلك إيران الوصول إلى ـ أو السيطرة على ضواحي دمشق. تستمتع طهران بفرض سيطرتها على سورية الواسعة، إنما يبدو أن تأثيراتها ليست ذات فعالية على لبنان الصغير المقسّم، إذ يستمع إليها حزب الله لكنها لا تسيطر عليه ولا تبادر هي أيضاً لتهديد أميركا . أما في اليمن، فإن طهران ترتبط ارتباطاً فضفاضاً مع حركة التمرّد الساخطة هناك التي تطورت إلى حرب أهلية مستمرة.

تؤثر إيران في بغداد ليس فقط بسبب حساباتها السياسية هناك، بل بسبب الترابط الثقافي، وبتسهيل من جورج دبليو بوش الذي عمل على إقصاء الرئيس العراقي العلماني صدّام حسين، عدوّ إيران العظيم. ويشتكي «FBI» أنه «منذ اجتياح العراق عام 2003 تعمل طهران بلا كلل على تحويل العراق إلى دولة حليفة بقيادة الميليشيات الشيعية». غير أن الولايات المتحدة وإبان احتلالها العراق منذ 2003 وحتى 2011، عملت ـ وعلى قدم المساواة ـ وإن بنجاح أقلّ، على تحويل الأمة إلى عميل أميركي يستضيف القواعد العسكرية لاستخدامها ضدّ إيران.

استنكرت «إيكونوميست» تبنّي إيران الميلشيات العراقية ـ التي تحارب «داعش» بناءً على طلب بغداد. فعلاقة العراق مع إيران علاقة متينة كذلك ستبقى علاقاتها مع واشنطن دوماً متلائمة.

كذلك، حذّرت «إيكونوميست» من «الخطر المتزايد لسلوك إيران العدواني في الشرق الأوسط». وقال المستشار مايكل ماك برايد: «ستستمرّ إيران ـ حتى من دون أسلحة نووية ـ في تشكيل التهديد الأكبر لمصالحنا ولحلفائنا ونفوذهم في المنطقة». وشكا ـ آنذاك ـ وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل من «طبيعة العمل وهيمنة الاتجاهات التي تتبناها إيران في المنطقة». كما كتب جوناه غولدبرغ: «يُفترض بالنظام الإيراني الحديث أن يوقف دعم حماس في غزة، حزب الله في إيران، الحوثيين في اليمن، بشار الأسد في سورية والميليشيات الشيعية في العراق».

لكن، لم تسفر أيّ من هذه الأنشطة عن مصلحة جيوسياسية كبيرة. وفي كلّ الأحوال، فإن إيران دولة كبيرة من حيث عدد السكان ومن المحتمل جدّاً أن تكون دولة مزدهرة، ولا يُتوقع منها قبول الهيمنة الأميركية أو السعودية. ربما على طهران أن تطلب من الحكومتين الأميركية والسعودية التوقف عن دعم الحلفاء والأصدقاء والوكلاء، بما في ذلك السلطويين والمتطرفين، وأن تحارب مختلف الأعداء والخصوم، بما في ذلك الحركات الديمقراطية والاستقلالية في المنطقة. فمن ذا الذي يهيمن على من؟

وبطبيعة الحال، لا أحد يحبّذ امتلاك إيران السلاح النووي. لكن نظراً إلى البيئة الأمنية المعادية في المنطقة، فإنه من الصعب إلقاء اللوم على إيران لإصرارها على المضيّ قدماً في برنامجها النووي ـ والذي كان قد بدأ فعلياً منذ أيام الشاه ـ حليف واشنطن. لم تكن بريطانيا والاتحاد السوفياتي فقط هما من احتلّا إيران المحايدة خلال الحرب العالمية الثانية، لكن الولايات المتحدة وبريطانيا خلعتا الحكومة الإيرانية المنتخبة ديمقراطياً عام 1953. وبعد سقوط الشاه عام 1979 دعمت الولايات المتحدة الهجوم الوحشي لصدام حسين على إيران. واستمرّت واشنطن على مرّ السنين بفرض تغيير النظام أو تقطيع أوصال الأراضي في البلدان التي تشكل أيّ تهديد لأميركا، كما حصل في هاييتي، غرينادا، بنما، صربيا، العراق وليبيا. ويهمين على العالم العربي عدد من أنظمة الحكم السنّية المعادية لطهران، التي يشكل شيعتها الأقلية المسلمة في المنطقة.

تسعى كلّ من الولايات المتحدة وتركيا ودول الخليج إلى تقويض حليف إيران المجاور ـ سورية. ولطالما هدّد رؤساء أميركا المتعاقبون في العقد الأخير بالحرب العسكرية ضدّ إيران. وكذلك فعلت «إسرائيل». وهذا ما استنتجه هنري كسينجر ذات يوم، بالقول: «حتى لجنون العظمة… أعداء».

من المؤكد أن النظام الإيراني الحالي نظام بشع. يقمع شعبه، يضطهد المعارضة السياسية، يستهدف الأقليّات الدينية، ينفث السمّ في خطابه ضدّ «إسرائيل»، ويؤذي جيرانه المجاورين، وتحديداً اللبنانيين والسوريين.

لكن، وبعيداً عن كونها إمبراطورية مبنيّة على العدوانية، فإن النظام الإسلامي يبدو حذراً للغاية في الحفاظ على بقائه. وعلى رغم أن إيران مطوّقةً بالقواعد العسكرية الأميركية، فهي على عكس الولايات المتحدة، «إسرائيل» وكذلك السعودية. لم تقصف أو تجتاح أو تحتلّ بلداً آخر في المنطقة. دعمت طهران أميركا في أفغانستان، وتعاملت بشكل غير مباشر مع واشنطن ضدّ تنظيم «داعش». فضلاً عن أنها حاكت الولايات المتحدة والرياض عندما تدخلتا في سورية، في كلّ شيء، بالنيابة عن الرئيس بشار الأسد. وعلى العكس من السعودية، فإن تورّط إيران في اليمن يُعتبر هامشياً. لم تقم طهران بأيّ عمل كارثيّ سواء إنسانياً أو جيوسياسياً يوازي «غزو» إدارة بوش لإيران.

وعلاوةً على ذلك، فإن الملكية السعودية أسوأ ـ وبكلّ المقاييس ـ من الثيوقراطية الإيرانية. ويؤكد المفكر السعودي عوض البادي: «أن التدخل الإيراني في العلاقات الداخلية للدول العربية على أساس طائفي يدمر النسيج الاجتماعي للمجتمعات العربية في بعض الدول». وهنا يكمن بيت القصيد. فالسعودية تتدخل باستمرار في شؤون الدول العربية الداخلية، تدعم الإسلام المتطرّف في كلّ مكان، تؤيد الدكتاتورية في مصر والبحرين، تدعم المتمرّدين الأصوليين في سورية، تقمع الحركات المستقلة في دول الخليج المجاورة، وتقصف اليمنيين الذين عارضوا الأحكام السياسية الملكية الصادرة مؤخراً. ويصرّ البادي على ضرورة تخلّي إيران عن سياساتها التدميرية، والتعوّد على طلب السلام والأمن والتعاون في المنطقة. ويعني هذا، القبول بسياسات الرياض التدميرية.

ومع ذلك، فإن المملكة العربية السعودية لا تسمح لأيّ معارضة سياسية بالتعبير عن آرائها، حتى أنها رفضت التظاهر ضدّ عدم إجراء الانتخابات. فالحكومة السعودية حكمت السنة الماضية على مدوّن منشق بألف جلدة وعشر سنوات سجناً ـ ثمّ حكمت على محاميه أيضاً بالسجن 15 سنة. في الوقت الذي تعتبر فيه مسألة التصويت في إيران أمراً في غاية الأهمية، كما أظهرت انتخابات الرئيس حسن روحاني. الخلافات السياسية العامة موجودة بشكل روتيني واعتيادي في طهران، بينما تقمع الرياض جميع الأديان غير السنّية: فلا يمكن لأحد أن يعثر على كنيسة أو على معبد يهوديّ في المملكة برمّتها. لكن يُسجّل أيضاً انتهاك للحريات الدينية في إيران.

شجّعت المملكة العربية السعودية العقيدة الوهابية المتطرّفة حول العالم إنها تحاكي تنظيم «داعش» في تعامله مع النساء على أنهن سلع، وتؤيد حزّ الرؤوس. فالمملكة هي واحدة من بين ثلاث دول فقط اعترفت بحركة «طالبان» في أفغانستان. كما موّلت تنظيم «القاعدة» قبل أحداث 11 أيلول، وقدّمت 15 من أصل 19 إرهابياً.

ومؤخراً، دعمت السعودية المتطرفين السوريين الأكثر وحشية وتطرّفاً ـ أي «جبهة النصرة» ـ وليدة «القاعدة»، وعلى ما يبدو تنظيم «داعش». وكانت وثائق ويكيليكس قد نقلت عام 2009 في بعض تقاريرها أن وزيرة الخارجية هيلاري كلنتون تؤكد أن الجهات المانحة في السعودية تشكل المموّل الأكبر للجماعات الإرهابية السنّية في جميع أنحاء العالم. وفي الوقت الذي شجبت فيه السعودية التدخل الإيراني في سورية، تتدخل الرياض عسكرياً لدعم القمع البحريني السنّي ضدّ الشيعة هناك والقادم إلى أراضيها عبر بوابة البحرين، وتقصف حالياً المتمرّدين اليمنيين الذين يتجرأون على تحدّي قراراتها.

وعلى رغم ذلك، يظهر المسؤولون الأميركيون حقارة واستعباداً في التعاطي مع المملكة. وبناءً على طلب من السعودية، تورّطت الولايات المتحدة بحرب شرق أوسطية مأسوية. فواشنطن تؤمن المساعدات الاستخباراتية واللوجستية، فضلاً عن الدعم العسكري للسعودية وغيرها من دول الخليج الفارسي التي تقتل اليمنيين. كما تدعم الإدارة الأميركية الرياض عبر قواتها البحرية لتضييق الحصار على اليمن، وذلك على حدّ تعبير وزير الخارجية الأميركية جون كيري بالقول: «لسنا بصدد التخلّي عن حلفائنا وصداقاتنا».

يبدو أن اليمن لا يزال إلى الآن، شأناً محلياً. وكان الصحافي بيتر ساليزبوري قد وصف الدافع إلى الصراع، أنه يكمن في «القضايا المحلية والتنافس على الموارد أكثر مما هو تنافس ديني أو إيديولوجي». فلطالما كانت البلاد مقسّمة إلى جزئين واتحّدت فقط منذ عام 1990. وينزف اليمن منذ ذلك الحين من جرّاء الحرب الأهلية، والصراعات السياسية، والخطف المنظّم، والإرهاب الدوليّ، خصوصاً من جانب التنظيمات التابعة لـ«القاعدة» في شبه الجزيرة العربية.

وقبل عقدٍ من الزمن، استخدم الرئيس اليمني وصديق الولايات المتحدة أسلحة أميركية الصنع، للقتال ضدّ تنظيم «القاعدة» في شبه الجزيرة، وفي الحملة لقمع الحوثيين الشماليين من الشيعة الزيديين، المتحوّلين عن العقيدة السنّية. إنما، وبعد الإطاحة بالرئيس علي عبد الله صالح عام 2012، انضمّ الأخير إلى صفوف المتمرّدين الحوثيين، الذين أطاحوا الخريف الماضي بخلفه الرئيس عبد ربه منصور هادي. وبينما يحمل الحوثيون في صدورهم الحقد إزاء أميركا، تنصبّ مأساتهم الداخلية في القضاء على فلول تنظيم «القاعدة» هناك.

وأوضح جيمس براندون، صاحب مؤسسة «جيمس تاون»: «أن الصراع الداخلي اليمني اللانهائي قد يُفهم على أنه صراع على السلطة بين ائتلافين متنازعين، يضمّ كلاهما شرائح واسعة من السنّة والشيعة على حدّ سواء. لكن الاهتمام بالنفس، لا الصراع الطائفي، هو الدافع الأقوى وراء الكثير من أعمال العنف الجارية هناك».

تدير الرياض حالياً عملية عسكرية ضدّ الحوثيين، تضمّ عشر دول ومدعومة من واشنطن. وتحدث وزير الدفاع آشتون كارتر حول المملكة قائلاً أنها «تحمي حدودها» وتسعى إلى «حماية أمنها الخاص»، على رغم عدم امتلاك الحوثيين أيّ مطامح خارجية. و«سعي السعودية إلى إعادة الاستقرار في اليمن»، وهذا ما لم يحدث أبداً. تدّعي الرياض نيّتها إعادة «الحكومة الشرعية» برئاسة هادي، لكن سلطته تقلّصت حتى قبل الإطاحة به، كما تبخرت شعبيته بعد إسراعه إلى الرياض واستجدائها للتدخل والدعم العسكريَيْن.

ويقول نائب وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن: «ترسل السعودية الرسائل إلى الحوثيين وحلفائهم بالقول أنهم عاجزون عن إدارة اليمن بالقوة». وفي الوقت عينه، تدعم كلّ من واشنطن والرياض المتمردين في سورية بهدف السيطرة على البلاد بالقوة!!!

ومن المفارقات، أن الحملة السعودية لم تترك للحوثيين مفرّاً من اللجوء إلى طلب المساعدة من طهران. وتحدث كيري عن مساعدة «أولئك المهدّدين من جرّاء الخيارات التي تقوم بها إيران»، لكن لا علاقة للتمرّد الحوثيّ بطهران. فبعدما حوّلت الرياض الحرب اليمنية إلى حرب بالوكالة، كثّفت إيران دعمها ومساعداتها ـ على ما يبدو ـ في مجال المال والنفط. فما من دليل على تورط عسكريّ إيرانيّ مباشر في اليمن. وفي الواقع، أشار المخرج صفا الأحمد، الذي أصدر مؤخراً وثائقيّاً عن الحوثيين، أنهم «ليسوا بحاجة إلى إمداد إيران لهم بالأسلحة، فلديهم فائض منها». وهذا ما سبق أن أكده بعض الناطقين باسم السفارة الأميركية في تقرير لويكيليكس عام 2009. كذلك استنتج كينيث بولاك من «بروكينغز» إلى «المبالغة في تقدير الدعم الإيراني». حتى أن وزير الخاردية البريطاني فيليب هاموند اعترف أن الحوثيين ليسوا حلفاء إيران.

سيكون صراعاً بشعاً للغاية

يخوض الحوثيون منذ سنوات حرب عصابات. تدخلت مصر إبان الستينات من القرن الماضي بقواتها البرّية ـ التي فاق عديدها 85000 جندياً ـ قبل أن تنسحب مهزومةً. لا تزال القاهرة إلى الآن تعتبرها تجربتها «الفييتنامية». بدأت الرياض قبل خمس سنوات حملة غزو وقصف لجارتها الجنوبية، ولن تكسب شيئاً في نهاية المطاف. وتحذّر زميلتي إيما أشفورد من أن الحرب الأخيرة هناك والمدعومة من الولايات المتحدة ستؤجج الصراع اليمني الداخلي، وتوصل البلاد إلى عذابات أليمة لانهائية قد تفوق تلك التي خبرناها في الحرب السورية على مدى أربع سنوات.

حتى أن النصر الإسميّ قد لا يكون أمراً ثابتاً، وربما يقتصر على الجولة الأخيرة فقط من الصراع الممتدّ. تدّعي السعودية أنها تقتل اليمنيين لحماية اليمن، وتحذّر آشر أوركابي من المركز الملكيّ في جامعة برانديز للدراسات الشرق أوسطية: «أنه ومع سقوط كل صاروخ على الأرض اليمنية، فإن الزيادة في عدد سكان اليمن ترتفع وكذلك التعاطف مع الحركة الحوثية». ويستحيل على الرئيس هادي البقاء حيّاً من دون توفير دعم دائم من الحارس السعودي.

حذّر مبعوث الأمم المتحدة جمال بن عمر من سيناريو مستقبلي مشابه لـ«العراق ـ ليبيا ـ سورية». كما تنبّأ جون آلترمان من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية ازدياداً في أعداد المجموعات المتطرفة، فضلاً عن تأكيد الرئيس كارتر أن تنظيم «القاعدة» في الجزيرة العربية قد حقّق «مكاسب كبيرة» مستفيداً من الصراعات المتنامية في المنطقة. إن الوضع دقيق للغاية، لكن سياسة واشنطن هي محاكاة ساخرة. ويؤكد وزير الخارجية جون كيري أن الولايات المتحدة «لن تقف على الحياد بينما يتزعزع استقرار المنطقة، أو يشترك الناس في حروب علنية عبر الخطوط، والحدود الدولية في عدد من البلدان».

يأتي هذا من حكومة اعتادت إطلاق القنابل والصواريخ بشكل روتينيّ، واحتلال الشعوب الأخرى التي قد تختلف معها في بعض التصوّرات. أطاحت واشنطن بحكومة إيرانية منتخبة ديمقراطياً، تدخلت في الحرب الأهلية اللبنانية، اجتاحت العراق، أسقطت الحكومة الليبية، عملت جاهدةً على إسقاط النظام السوري العلماني، دعمت السعودية في قمع البحرين للتظاهرات الديمقراطية الاحتجاجية، وتساعد الرياض الآن في قصفها للسكان الأصليين المتمرّدين في اليمن.

وفي الواقع، سيكون لبسط أميركا لسيطرتها الإقليمية تداعياته الكارثية على الولايات المتحدة كما على الشرق الأوسط. عملت واشنطن على تقوية إيران وخلقت تنظيم «داعش» في اجتياحها العراق. حوّلت الحكومة الليبية التي عارضت وجود «القاعدة» على أراضيها إلى دولة فاشلة يرتع على ترابها أفراد تنظيم «داعش». وعملياً، وبعيداً عن الخطابة والتنظير، فإن واشنطن تشكل التهديد الأكبر لاستقرار الشرق الأوسط. بينما إيران مجرّد لاعب صغير إذا ما رغبنا في بعض المقارنة.

لا يمكن للمسؤولين في واشنطن تقديم أيّ مبرّرات للانخراط في صراعات غامضة وطويلة الأمد. وقد أشار ميخا زينكو من مجلس العلاقات الخارجية أن الجنرال لويد أوستن ـ المسؤول عن القيادة المركزية اعترف قائلاً: «أجهل حالياً ما هي الأهداف والغايات المحددة من الحملة السعودية». كيف يمكن أن نخلص إلى نتيجة واحدة جيدة من جرّاء المشاركة في مثل هذه الحرب؟

وأخيراً، وبعد التفاوض على الاتفاق النووي مع إيران، تعِد الإدارة الأميركية بتدخل عسكريّ أقوى وأكثر تأثيراً في الشرق الأوسط. فإن التوصل إلى حلول سلمية في شأن برنامج إيران النووي، وتقليل الخلافات بين إيران والغرب من شأنه أن يقلّص من حجم التهديدات للدول الصديقة. ومع ذلك، يتذمر إيلان بيرمان من مجلس السياسة الخارجية الأميركية بالتحدث عن «تحوّل كبير في ميزان القوى في المنطقة» ضدّ حلفاء واشنطن.

وفي المقابل، نشرت صحيفة «لوس آنجلس تايمز» تقريراً ورد فيه: «يعِد مسؤولو إدارة أوباما بتعزيز التزامات وزارة الدفاع الأميركية تجاه المملكة السعودية وحلفائها من دول الخليج الفارسي، بما في ذلك الالتزام النووي لتأمين حمايتهم». ونقلت الصحيفة عن الرئيس قوله أنه يريد إضفاء طابع أكثر رسميةً على التزام الولايات المتحدة تجاه المنطقة. وإذا ما تخلصت الإدارة من التهديد الإيراني المحتمل، فإن هذا سيزيد ـ عملياً ـ من التزامات واشنطن واحتمال تورطها أكثر فأكثر في الحرب، لكن لماذا؟

سيكون الشرق الأوسط ـ بالطبع ـ أفضل حالاً من دون إيران وتدخلاتها في شؤون الدول الأخرى. وستكون المنطقة أفضل بكثير مع صعود حكومة ديمقراطية ليبرالية في إيران. لكن حكماً، سيكون الشرق الأوسط في أفضل حالاته من دون تدخلات السعودية والولايات المتحدة وببروز دولة ديمقراطية وليبرالية أيضاً وأيضاً في الرياض.

لكن للأسف، فإن التدخل العسكري الأميركي، عملٌ غير شرعيّ، خصوصاً أنه إلى جانب أحد «الحلفاء الاستبداديين» كالسعودية وقد أضحى هذا التدخل المشكلة الأبرز التي يُفترض معالجتها. على الولايات المتحدة أن تمضي قدماً في المحادثات النووية مع طهران، مع التأكيد على ضرورة البحث في شأن دورها في القضايا الإقليمية. وفي الوقت عينه، فإن على واشنطن أن تنأى بنفسها عن الصراعات التي لن يكون حلّها أميركياً.

… إن تدخل الولايات المتحدة وصنعها الحرب قد ألحق ضرراً لا يوصف في الشرق الأوسط.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى