الرياض ـ واشنطن في قبضة اليمن الجديد!
محمد صادق الحسيني
هل جاء جون كيري الى الرياض رامياً بسلّم إنقاذه للحكم السعودي للخروج من مستنقع اليمن من خلال الحديث عن هدنة «إنسانية» قابلة للتمديد شرط قبول انصار الله وقف إطلاق النار البتة…!؟
أم انها خدعة حربية تنذر بانتقال الحرب على اليمن الى مرحلة الهجوم البري، خصوصاً إذا ما أخذنا في الاعتبار حضور رئيس اركان الحرب الأميركي الفريق بحري كيرت تيد ضمن الوفد المرافق لجون كيري…!؟
ماذا يعني التصعيد في لهجة الناطق باسم الحرب على اليمن أحمد العسيري وقوله بسقوط «كلّ الخطوط الحمر» وانه سيتم «ضرب كلّ مقار الحوثيين ومن دون هوادة حتى تحقيق الاهداف كافة»!؟
هل يشي هذا التصريح بوجود خديعة ما وراء هذا النقاب «الانساني» الذي بدأت ترتديه وجوه الحرب السعودية – الأميركية المفتوحة على اليمنيين…؟!
وماذا عن طهران التي يقول البعض إنها قد تكون ذاهبة الى مستوى جديد في حراكها لإسناد وحماية اليمنيين من خلال تصعيد لهجتها ضدّ التهديدات الأميركية، كما جاء على لسان الجنرال حسين سلامي الذي قال: انّ بلاده ليس فقط لا تخاف الحرب التي يهدّد بها الأميركيون إيران، بل وتشتهيها مطالباً الوفد النووي المفاوض بترك طاولة المفاوضات اذا ما تكرّرت التهديدات…!
طهران التي تلوّح في جانب آخر من الحراك بقافلة من سفن الدعم الطبي والإنساني مصحوبة بحماية بحريتها كما ورد في الأنباء في تصميم جدّي على ما يبدو لكسر الحصار السعودي الغربي على اليمن ولو بلغ ما بلغ…!
كلّ ذلك قد تكون مؤجلةً الإجابة عنه بوضوح وشفافية الى حين انعقاد قمة كامب ديفيد الأميركية مع الأمراء الخليجيين في 13 و14 الشهر الجاري حيث يتمّ التحضير لتعاون عسكري – أمني غير مسبوق بين الطرفين كما سرّبت مصادر وثيقة الصلة بالطرفين!
في هذه الأثناء فقد توقف متابعون لمفاوضات واشنطن طهران حول النووي كثيراً عند كلمة القائد السيد علي خامنئي الأخيرة التي حذر فيها واشنطن من استمرارها بإطلاق التهديدات، مؤكداً: أن لا استمرار للمفاوضات في ظلّ شبح التهديد… وأنّ زمن «اضرب واهرب» قد ولى الى غير رجعة… وأنّ المعتدي لن يفلت من عقاب الشعب الإيراني العظيم…
أما في الميدان فإنّ ساحة المواجهة المحتدمة بين الجيش اليمني الذي يبدو أنه لا يزال متماسكاً مسنوداً بأنصار الله واللجان الثورية والقبائل اليمنية الحرة والشريفة في مواجهة العدوان السعودي – الأميركي المفتوح على اليمن، باتت مفتوحة على مصاريعها وتنذر بالانتقال الى مستوى قد يجرّ الجميع الى حرب إقليمية إنْ لم تكن دولية إذا لم يذعن كلٌ من الأميركي والسعودي وحلفائهما بأنهم خسروا الحرب وأخفقوا في اخضاع الشعب اليمني…
إنّ الحل الوحيد المتبقي لديهم هو البحث عن مخرج يحفظ لهم بعض ماء وجه هُدر بمعظمه في وديان وجبال اليمن الصامدة كالطود، وما بقي منه بدأ يُهرق في سواحل اليمن في بحر العرب وخليج عدن…
ومع ذلك لا بدّ من إعادة طرح السؤال الكبير:
إلى أيّ حدّ يمكن لواشنطن الذهاب بعيداً في التورّط في مستنقع اليمن «الفيتنامي» على ما يبدو، بعد تجرّعها كأس السمّ على سواحل اليمن الجديد، خصوصاً إذا ما وضعنا هذه الكأس في عداد او سياق كؤوس السمّ التي تجرّعتها إدارة أوباما تباعاً على بوابات الشام وأسوار غزة وتخوم بغداد على أيدي جيوش العرب الأقحاح ممن يقاتلون بشجاعة الأسود في النهار ويتقنون قراءة الدعاء ليلاً تحت الكساء…؟!
يقول العارفون ببعض خبايا الأمور إنّ واشنطن المتخبّطة والمحتارة بين قرار الهروب التكتيكي الى الباسيفيك لمواجهة الماردين الصيني والروسي، وقرار البقاء الاستراتيجي في منطقتنا لرعاية أسطولها الأهمّ المسمّى «إسرائيل» وسفنه التابعة وأهمّها السفينة السعودية الغارقة في بحر العرب اليمني…
لم يبقَ أمامها إلا الرضوخ لـ«الإسرائيلي» الضاغط عليها بقوة في ظلّ عجزه الفاضح وهو يحاول إقناع ساكني البيت الأبيض بأنّ خلاصهم قد يكون في إحياء مبدأ نيكسون القديم القاضي بخلق منظومة أمنية خليجية ثنائية تكون السعودية ما بعد هزيمتها على يد اليمن، مستعمرة أميركية تمثل الرأس الثاني لمعادلة التوازن الاستراتيجي مع ايران النووية…
لكنها ستكون قطعاً سعودية من نوع جديد، إمارة مستعمرة تابعة ومنقادة لواشنطن كما حال «إسرائيل» قادرة على التخفيف من وطأة صعود المارد الإيراني الذي لم يعد أحد يقدر على إيقاف زحفه وتقدّم نفوذه إلا بتكبيله بتوافق نووي يبدو أنّ واشنطن محتاجة له، ونظام أمني إقليمي يمنع سقوط الهيكل على رؤوس الجميع وانفلات الأوضاع على المجهول، وهو ما سيعرضه أوباما على القادة الخليجيين في كامب دايفيد محاولاً الجمع بين حاجة الأمن القومي الأميركي لتسوية ما مع طهران وبين حاجة «إسرائيل» ودول الخليج وعلى رأسها السعودية للبقاء على الخريطة السياسية بأيّ ثمن كان في ظلّ توقعات باختفاء كيانات ومشيخات من خريطة ما بعد الانتصارات المرتقبة لمحور المقاومة على أكثر من ساحة…
هذه هي بعض أسرار حرب اليمن كما يقول أصحاب هذه القراءة…
ولكن ماذا عن إيران وقراراتها الاستراتيجية في ظلال الحرب على اليمن؟
العارفون بخبايا الأمور هنا يؤكدون في المقابل أنّ طهران الواثقة من قدرتها على مواجهة كلّ جديد لن تستسلم لأي ضغوط او تهديدات أميركية، تماماً كما لن ترضخ او تجاري أية إغراءات أميركية، معتبرة أنّ ما تطالب به من حقوق نووية ليس محلّ مساومة مع أحد، كما أنّ أي تفاهمات لها مع الغرب حول تعزيز حقوقها هذه لن تكون على حساب أيّ من حلفائها مطلقاً مهما كانت الظروف…
أما على الوجه الآخر من شكل التحوّلات المتسارعة على الميدان اليمني بعيداً من اجتماعات الغرف المغلقة وفي أروقة المفاوضات… فإنه كما في كلّ معارك الشرف والكرامة السابقة ضدّ من أراد إشاعة ثقافة السيف والزيف بعقلية وهابية جديدة على امتداد بلاد الرافدين وبلاد الشام، والتي باتت تعرف بـ«إدارة التوحش» القاعدية والداعشية، فإنّ اليمنيين كما يبدو مستمرّون في إصرارهم على خوض معركة التحرير والقرار المستقلّ الأهمّ في تاريخ العرب والمسلمين ضدّ المعقل الأخطر لهذا الفكر التكفيري والإرهابي المطلي والمدهون بصبغة دينية زائفة أيّ ما يُسمى بالسعودية، ليخلعوا عنه مرة والى الأبد كل ّالأقنعة ويرمون برموزه في مياه بحر العرب…
ومن أجل ان تستقيم الأمور كما يقولون بعد نحو قرن من الزمان وتعود البحار والخلجان والمضائق إلى أصحابها ويكرّس اليمنيون سادة للخليج ولجزيرة العرب كما هو حقهم الطبيعي لا بدّ من ممارسة الصبر الاستراتيجي مصحوباً بحزم القيادة في ردّ الصاع صاعين…
هي المعركة الأهمّ في تاريخنا الحديث كما سيسجل لها المؤرخون، حيث سيتمّ الفرز الواضح والشفاف بين من قرّر استعادة زمام المبادرة والانتقال من الدفاع الى الهجوم الاستراتيجي دفاعاً عن إراداتنا المستقلة ومقدراتنا الغنية بكلّ ما هو استراتيجي، وكلّ ما هو حق مشروع لنا في الأرض والعرض والشرف والكرامة، وبين من قرّر المساهمة بقوة في إشاعة فوضى الحروب المذهبية والفئوية والمناطقية والطائفية وحروب التجزئة والتفتيت إرضاء للسيد الأميركي الذي يريد وقف انهيار وتداعي آخر قلاعه المتمثلة بالكيان الصهيوني…
الأيام والأسابيع والشهور المقبلة ستكون حبلى بعظائم الأمور والمفاجآت، ولن ينال طعم حلاوتها إلا الثابت في الموقف والواضح في رؤيته، فيما سيضطر المتأرجحون والمحتارون إلى شرب كأس سمّ جديدة ستكون أكثر مرارة من التي سبقتها…