نعم هي الحرب الفاصلة
ناصر قنديل
– المشاهد التي تتواتر بتسارع غير مسبوق من ساحة حرب القلمون، ونوعية ما تتضمّن من مواجهات ونوع سلاح وعديد مقاتلين على ضفتي الحرب، ومستوى التغييرات التي ترافقها، وحجم الاهتمام الدولي والإقليمي المرافقين لها، كل شيء يقول إنها الحرب الفاصلة في حروب الشرق الأوسط الممتدّة منذ مطلع هذا القرن مع احتلال الأميركيين لأفغانستان.
– يثبت بما لا يدع مجالاً للشك أنّ الأميركيين الذين قاموا بغزو أفغانستان بداعي ضرب تنظيم القاعدة فعلوها لاحتلال أفغانستان وبينهم وبين «القاعدة» خبز وملح، ويكفي للدلالة على ذلك بعد كلّ ما شهدته الحرب على سورية التوقف أمام التواصل والتنسيق الجاريين على مدار الساعة بين «جبهة النصرة» من جهة، فرع تنظيم «القاعدة» في بلاد الشام، والتي تشكل العمود الفقري للجسم الذي يقاتل في وجه الجيش السوري والمقاومة، وبين «الإسرائيليين» والأتراك والسعوديين من جهة مقابلة، الذين تولى كلّ منهم لحساب مختلف ولحساباتهم المشتركة وضع رهانه على هذه الحرب، والذين يشكلون ركيزة السياسات الأميركية في المنطقة.
– استهلكت أميركا خلال خمسة عشر سنة ألف سبيل وسبيل لهزيمة حلف المقاومة الممتدّ من فلسطين إلى لبنان وسورية وإيران وباءت بالفشل، وكان آخر جولاتها الحرب على سورية، التي رصد للفوز فيها، ما لا يمكن توقع رصده لحرب عالمية كاملة، وفي سياق الرهان على الحروب نجحت إيران بالتحوّل إلى قوة إقليمية عظمى، لكنها نجحت أيضاً بالتحول إلى قوة نووية كاملة العدة.
– يحين التوقيت الحاسم لاضطرار أميركي غربي لتوقيع التفاهم النووي مع إيران، خشية تمكنها من تخزين ما يكفي لصناعة قنابل نووية أو رؤوساً نووية لصواريخها، بعدما امتلكت كامل تكنولوجيا التخصيب، أو قيامها بالتصنيع الفعلي لهذه الرؤوس النووية إذا ما تعرّضت للحرب، كآلة ردع وحيدة تصير إجبارية واضطرارية، ففتحت واشنطن لحلفائها التركي و«الإسرائيلي» والسعودي كلّ الأبواب الممكنة لتطويق إيران، وتحجيمها إقليمياً، ففتحت طريق النيل من مقاومة حزب الله أمام «إسرائيل» وطريق احتلال اليمن والسطو عليه أمام السعودية، وطريق وضع اليد على سورية أمام تركيا، وخلال سنوات يحصد حلفاء واشنطن الخيبات فتضطر واشنطن أكثر للتقدّم في التفاهم النووي مع إيران، وهي تعلم أنها لن تحصل على أثمان لهذا التفاهم لا من رصيد اليمنيين ولا من حساب سورية ولا من مكانة المقاومة، وتعلم أنّ اقتراب ساعة التوقيع النهائي تقترب، وبعدها ستحمل إيران لقب الدولة العظمى، طالما أنها في ظلّ الحصار والعقوبات والحروب المفتوحة تمكنت من التحوّل إلى القوة الأعظم في المنطقة، وتعلم واشنطن أنها وهي تذهب للتفاهم مع إيران تفعل ذلك على حساب حلفائها ومكانتهم.
– فيما تبقى من الوقت لتوقيع التفاهم، بعدما استهلك هوامش المماطلة الأميركية المستمرة خلال شهور، أعطت واشنطن لحلفائها الثلاثة الضوء الأخضر لفعل الممكن لحجز ما يمكن حجزه من جغرافيا المنطقة يقايضون عليها، فاندفعوا نحو سورية والمقاومة واليمن، وحلف المقاومة يتلقى الصدمات ويمتصّها حتى أفرغوا ما في جعبتهم، فبدأ الهجوم المعاكس، وكان القلمون مسرح العمليات.
– في الفتحة الممتدّة على طول أربعين كيلومتراً من جبال القلمون حتى جبل الشيخ مفتاح الشرق الأوسط الذي يعلم حلف سورية والمقاومة، أنه الهدف الذي يسعى الحلف الثلاثي العدواني الى وضعه في جيبه قبل نهاية حزيران، وأنّ كلّ الجبهات المفتوحة هي لإشغال وتشتيت القوى وصرف الانتباه، وضرب المعنويات وتشكيل منصات الحرب النفسية، للضغط على القيادات العسكرية ودفعها للانتقال إلى الجبهات الجديدة بقواها النخبوية التي أعدت للحرب الفاصلة.
– قرّر حلف سورية والمقاومة أن يخوض الحرب الفاصلة في القلمون حيث حصان رهان قوى العدوان الثلاثي هو «جبهة النصرة» التي توجد نخبة قواتها في القلمون، استعداداً للقفز من القلمون إلى سفوح جبل الشيخ، وإغلاق فتحة المصنع، وبدأت الحرب، وتباعاً تبدو أنها الحرب الفاصلة، فعندما تقول «إسرائيل» إنّ حرب القلمون ستقرّر مصير الرئيس السوري، تقصد الضغط على السعودية وتركيا للمزيد من التورّط لمنع سقوط القلمون بيد سورية والمقاومة، لكنها تقصد وتعلم حقيقة أنّ حرب القلمون ستقرّر مصير أمن «إسرائيل».
– ما يجري هو حرب حروب الشرق الأوسط حيث تتقابل قوى النخبة من الجبهتين المتحاربتين على مساحة الشرق الأوسط، وتتجمّع لدى كل منهما أفضل ما يطمح إليه للفوز بهذه الحرب، وما تحمله الأنباء عن سير المعارك يقول إنّ النصر رسمت بوصلته لحلف سورية والمقاومة مع تحرير قرابة الثلاثمئة كيلومتر مربع خلال يومين.
– الحرب الفاصلة… فاصلة.