لبنان والعرب أمام تحديات ثلاثة… لمن أولوية المجابهة؟ د. عصام نعمان نظّم مركز البحوث والدراسات الاستراتيجية في الجيش اللبناني مؤتمره الإقليمي الخامس تحت عنوان «الشرق الأوسط في ظلّ متغيّرات السياسة الدولية» شارك فيه، باحثاً ومناقشاً، سياسيون وأساتذة جامعيون وضباط كبار عاملون ومتقاعدون وسفراء عرب وأجانب وجمهور من المهتمّين. تركّزت الأبحاث والمناقشات حول محاور ثلاثة: الأول: هل شجع الربيع العربي على التطرف الديني أم فتح باباً لانعتاق الشعوب العربية من نير الأنظمة الديكتاتورية؟ ونحو أي ديمقراطية؟ الثاني: بين الربيع العربي والتطرف العربي، هل ألغت الصراعات الإقليمية والدولية حدود سايكس بيكو الثابتة لمصلحة حدود متحركة، وهل من سايكس بيكو جديد للمنطقة؟ الثالث: ما هو مصير التنظيمات المتطرفة في الشرق الأوسط في ظلّ تقاطع المصالح واختلاف النظرة حول مكافحة الإرهاب؟ تصدّى مناقشون للباحثين بملاحظات وأسئلة متعددة المقاربات والمضامين. بدوري أدليتُ بملاحظاتٍ عشر اختتمتها بسؤالٍ متعدّد الجوانب. الملاحظات تضمّنت الأفكار الرئيسة الآتية: أولاها، أنّ النظام العربي الإقليمي بدأ بالانهيار منذ هزيمة 1967 واستكمل انهياره بعد اندلاع الانتفاضات في ما يسمى الربيع العربي. ثانيتها، أنّ انهيار النظام العربي الإقليمي جاء على درجة من القوة والاتساع لا يُرتجى معها أي أمل لأيٍّ ممن لهم مصلحة في استعادته بأي شكل من الأشكال. ثالثتها، أنّ انهيار النظام العربي الإقليمي كشف واقعاً ثقيلاً وشاملاً كثيراً ما تجاهله أو أغفله أهل السلطة في عالم العرب كما أهل المعارضة، وهو وجود تعدّدية راسخة وواسعة تنطوي عليها أمتنا ذات الطبيعة المركّبة، وأنّ أهل السلطة كما أهل المعارضة تغافلوا عن هذه الحقيقة فما أقاموا أنظمة حكم تراعي خاصيّة التنوّع والتعدّد في المجتمعات العربية بل أقاموا أنظمة تسلطية أو تغاضوا عنها. رابعتها، أنّ التغافل عن خاصيّة التنوّع والتعدّد في المجتمعات العربية من جهة وقيام أنظمة تسلطية نتيجةَ ذلك من جهة أخرى، شكّلا عاملين أساسيين في استشراء حال التخلّف التي رزحت وترزح تحتها بلاد العرب منذ قرون وأجيال. خامستها، أنّ القوى الخارجية لاحظت ظاهرات وثغرات التعدّدية والتسلط والتخلف فتسللت من خلالها حيناً واقتحمت حيناً آخر المجتمعات العربية وأقامت فيها احتلالاً أو أنظمة خادمة أو موالية أو تابعة. سادستها، رافق سقوط بعض الأنظمة العربية بعد انهيار النظام العربي الإقليمي وتصدّع بعضها الآخر، اندلاعُ حروب أهلية نتيجةَ اختلالات داخلية وتدخلات خارجية مباشرة أو غير مباشرة، وذلك في كلّ من ليبيا والعراق وسورية واليمن. أما مصر، فقد تفجّرت فيها اضطرابات أمنية عقب إزاحة «الإخوان المسلمين» من السلطة بفعل ثورةٍ شعبية ومساندةٍ مباشرة لها من القوات المسلحة. سابعتها، تخلّلَ الحروب والاضطرابات التي عصفت بمعظم بلاد العرب، صعودٌ متسارعٌ للإسلام السياسي ولا سيما لتنظيمات التيار الإسلاموي الإرهابي المتطرف الذي تمكّن من انتزاع قيادة المعارضة من القوى السياسية المعتدلة نسبياً والدخول تالياً في تحالفات ميدانية مع قوى خارجية، إقليمية ودولية. ثامنتها، انحسار مركزية القضية الفلسطينية في الحياة السياسية العربية وتعذّر استكمال المصالحة الوطنية بين التنظيمات الفلسطينية المتصارعة، وانخراط بعضها في أنشطةٍ لتنظيمات إرهابية في مسارح الحروب الأهلية الدائرة في بعض بلاد العرب. تاسعتها، نزوع إيران إلى مساندة قوى المقاومة العربية ضدّ «اسرائيل» وضدّ التنظيمات الإرهابية في كلّ من لبنان وسورية والعراق، الأمر الذي أثار مخاوف كلّ من الولايات المتحدة من جهة والسعودية وبعض أطراف مجلس التعاون الخليجي من جهة أخرى. عاشرتها، تصدّي الولايات المتحدة لتنامي نفوذ إيران وبرنامجها النووي لعقوباتٍ اقتصادية وحصار مصرفي ثم بمفاوضات ترمي إلى عقد «اتفاق نهائي» معها يتضمّن قيوداً وضوابط للحؤول دون تطوّرها إلى قوة نووية عسكرية مقابل رفع العقوبات الاقتصادية عنها، في حين حاولت السعودية وبعض حلفائها الخليجيين ويحاولون الحدّ من توسّع نفوذها بضرب حلفائها في اليمن وسورية والعراق. في ضوء هذه الملاحظات، طرحتُ على الباحثين سؤالاً مباشراً متعدّد الجوانب على النحو الآتي: ثمة اختلاف في تقويم مختلف الأطراف العربية والإقليمية، السياسية والأمنية، للتحديات الرئيسة التي تواجه العرب في هذه المرحلة. ومع ذلك ثمة توافق على أنّ أبرزها ثلاثة: «إسرائيل» والإرهاب وايران. هل ترون أنّ لبعضها، من حيث الخطورة، ما يستوجب مواجهتها أولاً؟ أم ترونها متساوية في الخطورة ما يستوجب مواجهتها مجتمعة، لا سيّما أنها تنعكس سلباً على الساحات الداخلية في لبنان وسورية والعراق وفلسطين ومصر وحتى على دول الخليج، كما تنعكس بصورة عامة على مجمل بلاد العرب؟ وفي حال بروز استحقاق المواجهة داخل الساحة اللبنانية، ما هي في رأيكم المبادئ والمرتكزات الأساسية الواجب اعتمادها في هذا المجال؟ تبرّع باحثون عدّة بالإجابة عن هذا السؤال انطلاقاً من زوايا سياسية واجتماعية وثقافية متعددة ومتمايزة، فصالوا وجالوا بما يتعذّر رصده وتلخيصه في هذه العجالة. غير أن السؤال يبقى مطروحاً على الرأي العام عموماً وعلى المفكرين والباحثين والقياديين السياسيين والنقابيين خصوصاً. وزير سابق
لبنان والعرب أمام تحديات ثلاثة…
لمن أولوية المجابهة؟
د. عصام نعمان
نظّم مركز البحوث والدراسات الاستراتيجية في الجيش اللبناني مؤتمره الإقليمي الخامس تحت عنوان «الشرق الأوسط في ظلّ متغيّرات السياسة الدولية» شارك فيه، باحثاً ومناقشاً، سياسيون وأساتذة جامعيون وضباط كبار عاملون ومتقاعدون وسفراء عرب وأجانب وجمهور من المهتمّين.
تركّزت الأبحاث والمناقشات حول محاور ثلاثة:
الأول: هل شجع الربيع العربي على التطرف الديني أم فتح باباً لانعتاق الشعوب العربية من نير الأنظمة الديكتاتورية؟ ونحو أي ديمقراطية؟
الثاني: بين الربيع العربي والتطرف العربي، هل ألغت الصراعات الإقليمية والدولية حدود سايكس بيكو الثابتة لمصلحة حدود متحركة، وهل من سايكس بيكو جديد للمنطقة؟
الثالث: ما هو مصير التنظيمات المتطرفة في الشرق الأوسط في ظلّ تقاطع المصالح واختلاف النظرة حول مكافحة الإرهاب؟
تصدّى مناقشون للباحثين بملاحظات وأسئلة متعددة المقاربات والمضامين. بدوري أدليتُ بملاحظاتٍ عشر اختتمتها بسؤالٍ متعدّد الجوانب. الملاحظات تضمّنت الأفكار الرئيسة الآتية:
أولاها، أنّ النظام العربي الإقليمي بدأ بالانهيار منذ هزيمة 1967 واستكمل انهياره بعد اندلاع الانتفاضات في ما يسمى الربيع العربي.
ثانيتها، أنّ انهيار النظام العربي الإقليمي جاء على درجة من القوة والاتساع لا يُرتجى معها أي أمل لأيٍّ ممن لهم مصلحة في استعادته بأي شكل من الأشكال.
ثالثتها، أنّ انهيار النظام العربي الإقليمي كشف واقعاً ثقيلاً وشاملاً كثيراً ما تجاهله أو أغفله أهل السلطة في عالم العرب كما أهل المعارضة، وهو وجود تعدّدية راسخة وواسعة تنطوي عليها أمتنا ذات الطبيعة المركّبة، وأنّ أهل السلطة كما أهل المعارضة تغافلوا عن هذه الحقيقة فما أقاموا أنظمة حكم تراعي خاصيّة التنوّع والتعدّد في المجتمعات العربية بل أقاموا أنظمة تسلطية أو تغاضوا عنها.
رابعتها، أنّ التغافل عن خاصيّة التنوّع والتعدّد في المجتمعات العربية من جهة وقيام أنظمة تسلطية نتيجةَ ذلك من جهة أخرى، شكّلا عاملين أساسيين في استشراء حال التخلّف التي رزحت وترزح تحتها بلاد العرب منذ قرون وأجيال.
خامستها، أنّ القوى الخارجية لاحظت ظاهرات وثغرات التعدّدية والتسلط والتخلف فتسللت من خلالها حيناً واقتحمت حيناً آخر المجتمعات العربية وأقامت فيها احتلالاً أو أنظمة خادمة أو موالية أو تابعة.
سادستها، رافق سقوط بعض الأنظمة العربية بعد انهيار النظام العربي الإقليمي وتصدّع بعضها الآخر، اندلاعُ حروب أهلية نتيجةَ اختلالات داخلية وتدخلات خارجية مباشرة أو غير مباشرة، وذلك في كلّ من ليبيا والعراق وسورية واليمن. أما مصر، فقد تفجّرت فيها اضطرابات أمنية عقب إزاحة «الإخوان المسلمين» من السلطة بفعل ثورةٍ شعبية ومساندةٍ مباشرة لها من القوات المسلحة.
سابعتها، تخلّلَ الحروب والاضطرابات التي عصفت بمعظم بلاد العرب، صعودٌ متسارعٌ للإسلام السياسي ولا سيما لتنظيمات التيار الإسلاموي الإرهابي المتطرف الذي تمكّن من انتزاع قيادة المعارضة من القوى السياسية المعتدلة نسبياً والدخول تالياً في تحالفات ميدانية مع قوى خارجية، إقليمية ودولية.
ثامنتها، انحسار مركزية القضية الفلسطينية في الحياة السياسية العربية وتعذّر استكمال المصالحة الوطنية بين التنظيمات الفلسطينية المتصارعة، وانخراط بعضها في أنشطةٍ لتنظيمات إرهابية في مسارح الحروب الأهلية الدائرة في بعض بلاد العرب.
تاسعتها، نزوع إيران إلى مساندة قوى المقاومة العربية ضدّ «اسرائيل» وضدّ التنظيمات الإرهابية في كلّ من لبنان وسورية والعراق، الأمر الذي أثار مخاوف كلّ من الولايات المتحدة من جهة والسعودية وبعض أطراف مجلس التعاون الخليجي من جهة أخرى.
عاشرتها، تصدّي الولايات المتحدة لتنامي نفوذ إيران وبرنامجها النووي لعقوباتٍ اقتصادية وحصار مصرفي ثم بمفاوضات ترمي إلى عقد «اتفاق نهائي» معها يتضمّن قيوداً وضوابط للحؤول دون تطوّرها إلى قوة نووية عسكرية مقابل رفع العقوبات الاقتصادية عنها، في حين حاولت السعودية وبعض حلفائها الخليجيين ويحاولون الحدّ من توسّع نفوذها بضرب حلفائها في اليمن وسورية والعراق.
في ضوء هذه الملاحظات، طرحتُ على الباحثين سؤالاً مباشراً متعدّد الجوانب على النحو الآتي: ثمة اختلاف في تقويم مختلف الأطراف العربية والإقليمية، السياسية والأمنية، للتحديات الرئيسة التي تواجه العرب في هذه المرحلة. ومع ذلك ثمة توافق على أنّ أبرزها ثلاثة: «إسرائيل» والإرهاب وايران. هل ترون أنّ لبعضها، من حيث الخطورة، ما يستوجب مواجهتها أولاً؟ أم ترونها متساوية في الخطورة ما يستوجب مواجهتها مجتمعة، لا سيّما أنها تنعكس سلباً على الساحات الداخلية في لبنان وسورية والعراق وفلسطين ومصر وحتى على دول الخليج، كما تنعكس بصورة عامة على مجمل بلاد العرب؟ وفي حال بروز استحقاق المواجهة داخل الساحة اللبنانية، ما هي في رأيكم المبادئ والمرتكزات الأساسية الواجب اعتمادها في هذا المجال؟
تبرّع باحثون عدّة بالإجابة عن هذا السؤال انطلاقاً من زوايا سياسية واجتماعية وثقافية متعددة ومتمايزة، فصالوا وجالوا بما يتعذّر رصده وتلخيصه في هذه العجالة. غير أن السؤال يبقى مطروحاً على الرأي العام عموماً وعلى المفكرين والباحثين والقياديين السياسيين والنقابيين خصوصاً.
وزير سابق