كيف يتخذ الأردن إجراءات وقائية حقيقية ضدّ الإرهاب؟
محمد شريف الجيوسي
استقبلت قوات حرس الحدود الأردنية خلال الساعات السابقة الأسبوع الماضي، نحو 117 لاجئاً سورياً، نقلوا بحسب الموقع الإلكتروني للقوات المسلحة الأردنية، بوسائط نقل عسكرية من مراكز الإيواء المتقدمة إلى المخيمات المعدة لإقامتهم.
وقال الموقع: «إن قوات حرس الحدود تقوم بواجباتها في حماية وضبط حدود الأردن ومنع عمليات التسلل والتهريب من خلال تسيير دوريات راجلة وآلية ومراقبات الكترونية مزودة بأحدث الأجهزة والمعدات المستخدمة في هذا المجال».
وعلى رغم الضبط الأردني «الصارم» للحدود، والأجهزة المتقدمة التي تتوفر في الأردن لضبط حدوده مع سورية، وعلى رغم أن معظم اللاجئين هم من الأطفال والنساء والمسنين والمرضى والجرحى، بحسب مسؤولين أردنيين، فقد جرى أخيراً تحويل 3 من عناصر «داعش» إلى محكمة أمن الدولة الأردنية، دخلوا إلى الأردن كلاجئين، بهدف تجنيد إرهابيين أردنيين وسوريين للانضمام إلى عصابة «داعش» الإرهابية، وقد جندوا فعلاً 13 مشروع إرهابي، بينهم أردني واحد والبقية من السوريين، وذلك لقاء مبالغ مجزية للثلاثة المجنِّدين بكسر النون والمجنَّدين بفتحها.
يذكر أن «الدواعش» الثلاثة الرئيسيين بدأوا الإرهاب في ما يسمى بـ«الجيش الحر» مروراً بعصابة «النصرة» الإرهابية وانتهوا بـ«داعش»، ما يعني أن ما يسمى بـ«الجيش الحر»، مجرّد محطة، للانتقال بعدها إلى «النصرة» فـ»داعش»، أو إلى «داعش» مباشرة، أو مراجعة الذات في بعض الأحيان لدى من صحا ضميرهم وانتعشت وطنيتهم فعادوا إلى حضن الوطن.
لكن تقارير إعلامية عربية، قالت إن الحكومة الأردنية تعتزم فتح مكتب تمثيلي لـ«الجيش الحر» في العاصمة، عمان، ومنح قياداته حرية التنقل في الأراضي الأردنية، علاوة على توفير الدعم العسكري المناسب له.
وقالت هذه التقارير إن وفداً من قيادة الجيش المزعوم برئاسة المدعو بشار الزعبي، التقى أخيراً، وللمرة الثانية، مسؤولين أردنيين في قاعدة عسكرية شمال العاصمة الأردنية عمان، لبحث سبل تعزيز التنسيق الأمني والعسكري بين الجانبين بزعم مواجهة الجماعات الإرهابية الموجودة عند الحدود السورية الأردنية.
وقالت هذه التقارير، إن المسؤولين الأردنيين وما يسمى «الجيش الحر» اتفقوا على أن «أمن الأردن الوقائي» يقتضي محاربة الإرهابيين خارج الأرض الأردنية، وإن ما يسمى «الجيش الحر»، تعهد التصدي للتيارات الجهادية التكفيرية، وفك أي ارتباط له مع عصابتي «النصرة» و«أحرار» الشام الإرهابيتين، بعد ازدياد نفوذهما في المنطقة الحدودية الأردنية السورية ومع الجولان العربي السوري المحتل من قبل «إسرائيل».
ويعني تعهد «الحر» فك ارتباطه بالعصابات الإرهابية، الاعتراف بأنه تحالف مع فصيلين إرهابيين أخريين، وهو ما يؤكده تزامن احتلال «النصرة» للمنطقة الحرة مع احتلاله ـ أي الحر ـ معبر نصيب الحدودي مع الأردن، وتلقي جرحاه وجرحى «النصرة» العلاج الطبي في الكيان الصهيوني، فهما يعملان في خندق واحد، وهما الأقرب إلى التصنيفات الأميركية القائلة باعتدالهما.
ونقلت صحيفة «الرأي» الأردنية الصادرة الجمعة الماضي، عن متحدث رسمي أردني، قوله بأن برنامجاً تقودة الولايات المتحدة الأميركية لتدريب سوريين، لأجل ما أسماه المصدر لمحاربة «داعش» قد بدأ قبل أيام في الأردن. وأن الأردن يشارك في هذا البرنامج.
ونقلت «الرأي» عن صحف أميركية نقلت بدورها عن مسؤولين أميركيين لم تسمهم، بأنه قد بدأ تدريب ما أسموه «المعارضة السورية» في الأردن على أيدي 450 مدرباً من بينهم 350 أميركياً، وأن التدريب سيجرى لاحقاً في كل من تركيا وقطر والسعودية أيضاً. وصولاً إلى تدريب قوة قد يزيد عددها عن 35 ألفاً من أفراد عشائر سورية.
وسيتلقى هؤلاء تدريبات على المهارات والمعدات العسكرية الرئيسة بما في ذلك الأسلحة النارية والاتصالات والقيادة وقدرات التحكم.
ولا بد أنه من الصحيح أن أمن الأردن الوقائي، يتمثل في قطع دابر الأسباب المهددة لهذا الأمن، ومنها وقف أي مراهنة على أي جماعة انشقاقية أو انفصالية أو إرهابية، أو انقسامية أو مذهبية أو طائفية أو إثنية، أو مدعومة من الكيان الصهيوني أو من أية جهة استعمارية أو إمبريالية، مهما كانت مبررات وذرائع تلك العصابات.
إن مصالح الأردن الراهنة والمستقبلية وفي المقدمة منها النظام السياسي تتمثل في عدم التورط أكثر في أي عمل ضد الدولة الوطنية السورية سيصيب بمقتل ليس الجوانب الاقتصادية والصناعية والزراعية والسياحية والتجارية الأردنية فقط وإنما أيضاً الأمن الوطني والاستقرار السياسي والعيش الإقليمي المشترك.
إن استمرار فتح الحدود أمام من يسمون بلاجئين سوريين، يضر بالأمن الوطني الأردني، قبل الإضرار بالعلاقات الأردنية ـ السورية، وقبل الإضرار بالمصالح اليومية للعمالة الأردنية والمستهلك الأردني وبالبنى التحتية والموارد المائية. ذلك أن استمرار فتح المعابر غير الشرعية يتيح تسلل إرهابيين ومجرمين جنائيين وتهريب أسلحة ومخدرات وسيارات وماشية وتجارة بشر وتبييض عملة. وللدلالة على ذلك، نورد نماذج مما حدث خلال الأيام القليلة الماضية:
ففي معان سرق مسلحون خطرون مركبة وأطلقوا نيراناً كثيفة من أسلحة أوتوماتيكية باتجاه قوة أمنية أردنية كانت موجودة في الموقع، بحسب بيان صحافي لوزارة الداخلية الأردنية.
وفي منتصف شارع فيصل بوسط البلد، في العاصمة الأردنية، ضبطت الأجهزة الأردنية المختصة، الأسبوع الماضي، سيارة خصوصية بداخلها 4 بنادق بامبكشن أثناء اعتراضها، وتم التحفظ على السيارة والأسلحة التي بداخلها وتم توقيف المتهمين لاستكمال التحقيقات.
وضبطت الجهات الأردنية المعنية يوم 6 أيار الجاري تاجريْ سلاح غير مرخصين وزبون في جبل عمان، ولديهما أسلحة وقواذف وعتاد، وأحيلا على الجهات المعنية مع الزبون.
وتعرضت حافلة أردنية متوجهة إلى مدينة العقبة لإطلاق نار من «مجهولين»، وقد تقدم ركاب الحافلة بشكوى إلى الجهات الأمنية الأردنية، التي باشرت التحقيق.
وذلك فضلاً عن كشف مصنع للسلاح وأكثر من مستودع في غير منطقة، فضلاً عن ازياد معدلات اقتنائه واستخدامه وما يرافق ذلك من عنف مجتمعي، وتهريب للمخدرات وسوى ذلك، وهي ظواهر لم تكن معروفة بهذا القدر من الانتشار والتداعيات.
لا نود «تصديق» تقارير توردها مراكز دراسات أوروبية وأميركية وصهيونية، ولا بيانات قوى سياسية أردنية كشفت تورط الأردن في ما لا يخدمه، ويضر بالأشقاء، ولكننا نشهد تداعيات فتح الحدود سلباً على كل أوجه الحياة في الأردن، وبخاصة أمنه واستقراره، الأمر الذي لا يعادله ثمن مهما بدا «سخياً» ولا وعود مهما ارتفعت أهميتها، ولا تعادلها تهديدات بحجب المساعدات والمنح والأعطيات، ورفع «الغطاء والحماية» مهما كان الأمر مخيفاً أو مقلقاً.
مصلحة الأردن وأمنه يتلخصان بإغلاق المنافذ غير الشرعية مع سورية ومع غيرها، والتوقف عن استقبال لاجئين سوريين فيما هم إرهابيون يريدون توريط بلدنا في ما لا مصلحة له به وجره إلى كارثة، ومصلحة الأردن تتركز في التوقف عن فتح معسكرات التدريب لأي جهة كانت، وبخاصة عندما تكون بإشراف أميركي، كما تتمثل مصلحته في التنسيق مع الدول والجيوش الوطنية المناهضة للإرهاب في سورية والعراق وليبيا ومصر واليمن. بذلك نكون قد اتخذنا إجراءات وقائية ضد الإرهاب خارج الحدود، متجنبين تداعيات سلبية لغير ذلك.
m.sh.jayousi hotmail.com