تحديات مكافحة تمويل الإرهاب: ثنائية الأمن والاقتصاد
إنعام خرّوبي
منذ تصدّر «داعش» المشهد السياسي والأمني في المنطقة، وخصوصاً بعد أن سيطر على مناطق شاسعة في كلّ من العراق وسورية، لا سيما تلك الغنية بالنفط، كثرت الدعوات إلى ضرورة محاربته وتجفيف مصادر تمويله.
وكما بات معلوماً فإنّ التنظيم بات يعتمد في تمويله على بيع الآثار والاتجار بالأعضاء البشرية، بالإضافة إلى بيع النفط المستخرج من مناطق يسيطر عليها التنظيم في البلدين المذكورين.
إنّ موقع لبنان في المنطقة، يجعل دوره أساسياً في مكافحة الإرهاب بشتى الوسائل، كما أنّ نظامه المصرفي معني في شكل جوهري بالحؤول دون استغلاله في تبييض أموال تستخدم في دعم «داعش» وسواه من التنظيمات الإرهابية.
ورغم تأكيدات كبار المسؤولين في القطاع المصرفي اللبناني وعلى رأسهم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أن لا أموال لـ«داعش» في لبنان، عكست زيارة مساعد وزير الخزانة الأميركية لشؤون مكافحة تمويل الإرهاب دانيال غلايزر بيروت في آذار الماضي تخوّفاً أميركياً من دور مفترض لمصارف محلية في تسهيل نقل أموال قد تكون مشبوهة.
وقد نبّه المسؤول الأميركي، الذي التقى عدداً من المسؤولين في وزارة المال ومصرف لبنان وجمعية المصارف، من استغلال النظام المصرفي اللبناني للوصول إلى النظام المصرفي العالمي من قبل جهات ضالعة في عمليات تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، وذلك بعد ثمانية أشهر على بدء التزام المصارف اللبنانية تطبيق قانون الامتثال الضريبي الأميركي «فاتكا» الذي «فتك» بما تبقّى من سرية مصرفية في لبنان. كما بحث غلايزر مع السلطة النقدية في لبنان في الإجراءات التي تساهم في الحدّ من التدفقات المالية المشتبه في كونها تمويلاً لعمليات أو منظمات إرهابية.
ومع بروز تلميحات إلى وجود ما يمكن وضعه في خانة التقصير في آلية الرقابة المتبعة من قبل المصرف المركزي اللبناني على عمل المصارف المحلية وشركات تحويل الأموال، لا سيما بعد ما تناولته تقارير صحافية حول حصول عمليات نقل أموال من «داعش» وإليه عبر لبنان والعراق ودول أخرى في المنطقة، يمكن القول إنّ سلطات المصرف المذكور تقف أمام تحدّي إثبات العكس، وإنقاذ سمعة القطاع المصرفي الذي تعرّض لهزات غير مرة خلال الأعوام الأخيرة.
ونظراً إلى أنّ تبييض الأموال موضوع دولي، استضافت العاصمة اللبنانية بيروت عدداً من المؤتمرات لمواكبة هذه الجهود الدولية وتأكيد التزام لبنان بحزمة الإجراءات والقوانين الدولية في هذا المجال، وتجدر الإشارة إلى أنّ لبنان كان قد وضع قانوناً لمكافحة تبييض الأموال وقام بإجراءات عملية لمنع أية عمليات تبييض لأموال قذرة في داخل البلد مصدرها الأسواق الدولية، حيث أنشأ القانون هيئة تحقيق عليا لمكافحة عمليات التبييض، ناهيك عن التدابير الاحترازية الداخلية للمصارف والضوابط النظامية المناسبة للتأكد من هوية الأشخاص ونظافة أموالهم المودعة لديها، فضلاً عن التنسيق الفعّال بين هيئة التحقيق الخاصة والسلطة القضائية وقوى الأمن الداخلي في مكافحة هذا النوع من الجرائم، نظراً إلى ارتباط الجانب المالي بالأمني.
هذا الواقع، المشار إليه، خلق ارتباكاً داخل المؤسسات المصرفية التي ترى أنه لا يمكنها، ورغم تأكيد التزامها بالقوانين المرعية، القيام بدور استخباري، وخصوصاً في ما يتعلق بتتبع نشاط العميل ومصدر أمواله المودعة، معتبرة أنّ هذا الأمر هو من صلاحيات الدولة السيادية عبر أجهزتها الأمنية المختلفة.
من جهتها، تؤكد الجهات الرسمية اللبنانية أنّ للمصارف دوراً مساعداً في تحقيق ما هو مصلحة مشتركة للدولة اللبنانية ولقطاع المصارف في الحفاظ على ثنائية الأمن والاقتصاد المستقرّين،
وفي سياق الدور التكاملي بين الأجهزة الأمنية يرى أحد الخبراء المصرفيين على أنّ التحدي الأكبر اليوم هو «الحفاظ على التوازن بين دور تلك المصارف في التزام المعايير الدولية لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب وبين ضرورة الحفاظ على السرية المصرفية، فإذا كان القطاع المصرفي هو عصب الاقتصاد، فعصب القطاع المصرفي اللبناني هو السرية المصرفية، وذلك من خلال اعتماد الآليات الضامنة لهذه السرية التي كانت مبعث ثقة المستثمرين. فيجب إعادة بعث الثقة لأنه بالثقة تتعزز البيئة الحاضنة للاستثمار وفرص العمل».