نصيحة إلى وليد «بيك» جنبلاط: أرجوك لا تسرق الخيول

نارام سرجون

لم أتعوّد أن أبخل بالنصيحة على أحد… ولكنني مع الأوغاد أفضل أن لا أغمس النصيحة في مستنقع ضمائرهم وأخلاقهم لأنها ستموت غرقاً في الوحل… وأفضل أن أرميها في النهر أو في البحر أو في النار على أن أعطيها لهم ولو مقابل مال قارون… الا أنني مع وليد بيك جنبلاط أحسّ أنني مضطر لأن أغمس نصيحتي في مستنقعات ضميره لا لأهين الن…صيحة بل من أجل من أحببت…

ولخصوصية كلمتي إليه اليوم أجد لزاماً عليّ أن لا أرمي نصيحتي في البحر ولا أحرقها بالنار بل سأذهب إليه الى عتبة داره في المختارة وأدقّ الباب وأقدمها له بقلب صادق وهي ملفوفة بعناية بشريط ملوّن لماع كما تقدم الهدايا الثمينة… لن أدخل بيته طبعاً لأنني لن أكون آمناً على نفسي… فالرجل لايؤمن غدره وليس له أمان ولا عهد ولا ميثاق… وقد يصافحك ويدعوك الى تناول الغداء معه ولكن ما يدريك أنه يطهو لك السم الزعاف… ويستطيع أن يصدر فتوى يتنكّر فيها لما قاله وهو يصافحك… فأخلاقه من أخلاق «جبهة النصرة» وأخلاق الاسلاميين الذين يدارونك ما داموا في دارك… وأخلاقه الرفيعة لا تقلّ رفعة عن أخلاق القرضاوي الذي تناول الطعام في خيمة القذافي ودعا له بالنصر على أعدائه وبعد أن خرج وقد ملأ معدته من الطعام غرز أنياب فتاواه في لحم «ملك الملوك» وملأ رقبته من دم العقيد حتى كادت تنفجر… ووليد بيك لن يكون أفضل من السفاح أردوغان ولصّ المدن الذي دخل ضيفاً فأراد أخذ البيت وما فيه ومن في البيت الى استانبوله… ولا يزال موقف وليد بيك من السوريين محط احتقارهم بعد أن جاء معتذراً ملايين المرات وعفونا عنه ملايين المرات وصفحنا عنه ملايين المرات… فإذا به لا يقدّر الا أن يلدغ كالعقرب كلما منا اقترب…

وخشيتي ليست على وليد بيك بل خشيتي هي على الكرام أبناء الكرام… وأقصد بذلك من يمثلهم رمزياً واجتماعياً وسياسياً وليد جنبلاط… فالكل يعلم أنّ وليد ليس لديه حزب تقدمي ولا اشتراكي وليست عنده نظرية ثالثة اقتصادية… بل حزبه يمثل أبناء بني معروف الكرام في لبنان لأنّ الطوائف تعلّب في أحزاب طائفية وفي صناديق دينية ومذهبية وفق ديكور التصميم الفرنسي للبنان… وشئنا أم أبينا فإنّ جنبلاط استولى على رمزية تمثيل المسلمين الموحدين الدروز في لبنان حتى صار أهمّ ممثل لهم في هذا البلد… ويريد ان تتوسع مستعمرته الطائفية ليلحق من بقي من بني معروف في المنطقة برمزيته هو وببيته الجنبلاطي وحلم دولة جنبلاطية يرثها أبناؤه من بعده الى يوم الدين…

وحتى هذه اللحظة فليس في هذا شيء يهمّني أو يهمّ أحداً منا لأننا نحترم النأي بالنفس عن خصوصيات الجماعات والطوائف… ولكن هذا لا يجب أن يمنعنا من إسداء النصيحة وإلقاء المحاضرات على شخص لا يبدو أنه يرى عبر الضباب ما هو آت من المستقبل ولا حجم الأذى الذي يلحقه برعيته… فمن يريد إلحاق بني معروف برمزيته عليه أن يعكس طباعهم وأخلاقهم الحقيقية ليكون مصدر فخرهم واعتزازهم… وعليه تقع مسؤولية تاريخية في منتهى الحساسية وهي ألا يساهم في عملية تنميطهم بصورة سيئة وسجنهم في الذاكرة الاجتماعية خلف قضبان التخوين واللاثقة، وذلك بأن يكون مثالاً على هيبة الكلمة وفروسية الموقف… وعليه أن يكون شديد الحذر في كلّ ما يقول ويفعل لأنّ صورة رعيته ستكون مقتبسة عنه بين الناس… أقول هذا لأنّ الذاكرة الجمعية لأيّ مجتمع تصنعها الأكثرية… والأقليات الاجتماعية والعرقية تأخذ صورتها دوماً من حكم الأكثرية عليها… وعملية التنميط والنحت لصورة ما تتمّ ببطء أحياناً عبر عملية تخزين متواصل لملايين الصور والمواقف، فنعرف مثلاً أنّ مجتمعاً ما هو ميال للكرم وآخر ميال للشجاعة… وغيره ميال للغدر والنذالة والأنانية… وهذه كلها انطباعات قد تكون حقيقية وقد تكون منحرفة بسبب ما… ولكن حتماً لها جذورها وأسبابها…

ولكن هناك مفاصل حاسمة في الذاكرة الاجتماعية وفي الذاكرة التاريخية، وبالذات في الأحداث الساخنة، تتمّ فيها عملية الحكم والنحت وصناعة الصورة النمطية بسرعة فائقة وبأثر غائر لا يمحى مثل انطباعة المستحاثة في الرسوبيات… وهذه قد تلغي تراكم ملايين الصور والأعمال والانطباعات التي تكوّنها المجتمعات عبر مئات وربما آلاف السنين عن جماعة ما أو مكوّن اجتماعي آخر… وعملية التنميط غالباً تبحث عن رمز يمثل جماعة ما… قد يكون فلاحاً بطلاً… أو ملكاً فاتحاً… أو زعيماً دينياً… وكلّ تنميط اجتماعي إذا انتشر يصبح كالوشم على الجلد… لا يزول ولا يتغيّر… وقد تصبح له صفة المورثات الجينية التي تنتقل من جيل الى جيل وتلتصق بأصحابها كما تنتقل الصفات العرقية والجسمية للأعراق والأجناس… ومنها جاءت محاولات تصنيف أنواع الناس وصفاتهم كالعرب والعجم والفرنجة في كتاب الملل والنحل للشهرستاني، وفي كتب ابن خلدون، وفي كتب الاستشراق الكثيرة التي صنعت صورة المسلمين والشرقيين عموماً… ولكن هناك قاموساً شعبياً آخر أكثر أهمية أحياناً يسير موازياً لهذه التصنيفات والأنماط ذات الطابع الوصفي البحثي… والقاموس الشعبي قوي بقوة العرف… فاليهودي مراب مراوغ محتال… والاسكتلندي بخيل والانكليزي بارد المشاعر… والفرنسي عنصري .. والالماني خشن فظ، إلخ…

إذا أراد وليد جنبلاط التلاعب في السياسة وممارسة البهلوانيات والتذبذبات فهذا شأنه، ولكنه للأسف يتصرف وهو يحمل على ظهره رمزية اجتماعية وصورة عن الرجل الذي ينتمي إلى المسلمين الموحدين من بني معروف وينتمون إليه… الذين سيدفعون ثمنها من صورتهم عندما يصبح كلّ واحد منهم في نظر المجتمعات الشرقية مجرّد نسخة عن وليد جنبلاط الحاقد الكاره المتقلب الذي لا يوثق به… الذي يصافحك وهو يتحسّس خنجره… والذي يتناول معك الغداء ثم ينصرف الى ضفة النهر ينتظر أن يحمل النهر جثتك اليه… يصفح عنك ليطعنك في ظهرك… يعتذر ويقبّل يدك ثم يشتمك عندما تدير ظهرك له… يبتسم في وجهك وهو يعرف أنه إنْ ظفر بك فسيغرز نابيه في عنقك، في المحاكم الدولية الصهيونية… غدر ووخز وتقلب وقلة رجولة… وأخلاق قطاع الطرق…

في الحقيقة أنا لا أصدّق أحياناً أنّ هذا الرجل يمكن ان يكون تربّى على قيم الدروز الموحدين الأصيلة… لأنني في مرحلة هامة من حياتي تعرّفت على أصدقاء من بني معروف تعلّمت منهم معنى الشهامة والرجولة والصدق… بل أنّ أهمّ درس في الفروسية وأخلاقها النبيلة تلقيته من أصدقاء من بني معروف أيام الدراسة الجامعية… حيث ذهبت الى قراهم… صغيرها وكبيرها وعشت معهم أياماً طويلة وتعرّفت على عاداتهم وطباعهم الجبلية ومصادر فخرهم واعتزازهم، وتجوّلت معهم في معظم قراهم وأعجبتني مضافاتهم وكرمهم واعتزازهم بعهودهم… وعلمت أنّ هذا النوع من الرجال نادر وأصيل وأنّ وعده وعد وكلمته عقد… ولذلك كنت أحياناً لا أصدق أنّ وليد بيك يمكن أن يكون تربّى بينهم وعلى قيمهم… أو تشرّب ثقافتهم أو تأثر برجولتهم…

واذكر أنني يوماً وفي احدى زياراتي الى مدينة السويداء التقيت بشقيق البطل السوري سلطان باشا الأطرش الذي تلطف وتجوّل معنا في قريته وكان يعرّفنا على بعض تاريخها ودورها… وبينما كان يتحدث ويشرح مرّ مزارع يقود بعض الماشية ومن بينها عجل… فتوقف مضيفنا وقال ممازحاً وهو يشير بعصاه الى العجل: وهذا هو العجل الذي نعبده وقصد السخرية من صورة نمطية أشيعت زوراً عن عبادة العجل في قراهم … وضحك وضحكنا… ثم أضاف محتجاً: إلى متى يظلّ الناس يقومون بتنميط الناس ويفترون عليهم بالادّعاءات الباطلة؟ وما لم يدركه مضيفنا يوماً أنّ وليد جنبلاط يقوم بعملية تنميط بشعة بحق أبناء بني معروف بسبب تهوّره وسيره خلف ثاراته الشخصية وخناقاته مع بعض السياسيين…

وليد جنبلاط يقدم على حبس بني معروف في صورة نهائية ليست حقيقية ووضع وشم لا يليق بهم سيلازمهم بسببه أجيالاً طويلة ويدفعون بسببه أثماناً من رصيدهم الكبير… وسيخسرون ثقة الناس لأنّ صورة وليد جنبلاط المراوغ تدمّر أجمل صورة لهم في الوفاء والصدق، حيث ستسبق صورته أياً منهم إلى أيّ مكان أو حوار أو نشاط إنساني… ووليد يلتهم كالدودة أوراق شجرة خضراء عليها أسماء عظيمة ويثقبها ورقة ورقة ليصنع شرنقته… وشرنقة ابنه تيمور…

انّ الأذى الذي يلحقه الزعماء بمحطة من محطات الحياة قد يسافر عبر الأجيال… ومسؤولية الزعيم ليست في أن يحكم ويحلّ مشاكل يومية، بل في أن يستشرف المستقبل ويحمي المجموعة البشرية التي ينتمي اليها ويحمي اسمها وخصائصها وخصائص أجيالها… والخطأ دوماً يكون عابراً للأجيال…

وليد جنبلاط مثل خالد مشعل الذي لوّث مع اسماعيل هنية بموقف واحد سمعة الشعب الفلسطيني وأعطاه زوراً تنميطاً قبيحاً وصورة بشعة عن الغدر والخيانة وقلة الوفاء… وسيدرك الفلسطينيون كم سيدفعون ثمن حماقة مشعل وهنية وهم يظهرون في الذاكرة كشعب منسوخ عن خيانة خالد مشعل الذي سيبقى كالوشم على ظهورهم… وكلما اقترب منهم أحد خشي أن يكون الفلسطيني خسيساً وسافلاً كما هو خالد مشعل… وصارت صورة الفدائي البطل المقاوم تتآكل لتحلّ محلها صورة مشتقة من نمط خالد مشعل وغدره وطعنته الشهيرة لمن أدخله بيته… وقد يحتاج الفلسطينيون الى عقود قبل تنظيف صورتهم من وشم غادر اسمه خالد مشعل…

الزعماء التاريخيون يحكمون أجيالاً لا نهاية لها… ومن هنا كان الزعيم الخالد حافظ الأسد يفكر في كلّ قرار يتخذه بالأجيال التي ستحمل معها تبعات هذا القرار… وأذكر أنني في مصارحة نادرة مع مثقفين سياسيين سوريين الذين ربما فهموا الرئيس حافظ الأسد أكثر مما فهمه كثيرون… ففي احدى الجلسات الصريحة سألتهم عن رأيهم انْ كان الأسد سيحصل على ما يريد عندما كان بيل كلينتون قد دعاه الى آخر لقاء في جنيف لأنّ معه أخباراً هامة بشأن الجولان واتفاق السلام… يومها قال أحدهم وهو يبدو على يقين: «لن يقدم كلينتون للأسد ما يريد على الاطلاق»… فلم افهم لأنّ الأنباء تحدّثت عن عرض لا يمكن ان يردّه الأسد… فقال شارحاً: «لو أعطى كلينتون كلّ الجولان للاسد لا أعتقد أنّ هذا هو ما يريده الأسد؟ ما يريده الأسد حقيقة هو فلسطين… واسترداد الجولان يعني أنه سيطلب منه أن يتخلى عن فلسطين… لذلك فإنّ الأسد يفضّل تحرير الجولان بالحرب وليس باتفاق سلام… ولكن اذا أعيد له الجولان غير منقوص ودون انتقاص لكرامة السوريين فإنه لن يأخذه باتفاق السلام ما لم يكن كاملاً، وكذلك لا يلزمه على الإطلاق بحملة تطبيع وتقبيل مع «الإسرائيليين» وتبادل للسفراء… لأنّ هذا يعني قبوله بالتخلي عن فلسطين وشعبها وان يدير لها ظهره… وهذا يشبه المستحيل… ولذلك يصرّ «الإسرائيليون» على تجريده من فلسطين معنوياً بشروط تطبيع إجبارية وهو مصرّ على رفض ما بعد استعادة الجولان من تطبيع…

واستطرد الرجل قائلاً: «حافظ الاسد يقرأ التاريخ بشكل ممتاز… وهو مدرك انّ المشروع الصهيوني إلى زوال مهما طال الزمن، وأنّ أبناء المنطقة سيحكمون فلسطين طال الزمن أم قصر… وهو لا يريد للتاريخ أن يقول للعلويين بأنهم صالحوا وسالموا العدو ووقعوا معه اتفاقاً ناقصاً ولو مثقال ذرة… وفي ذاكرته أنّ قتال الأمراء العلويين للفرنجة وقتلهم لقادة وأمراء كبار من الفرنجة لم يشفع لهم حيث أصرّ كتّاب مناوئون لهم في التاريخ على ظلمهم لغايات سياسية وإنكار جهادهم، بل واتهامهم بأنهم لم يقاتلوا الفرنجة إنما تعاونوا معهم كما يقول الوهابيون اليوم انّ حسن نصرالله لا يقاتل الإسرائيليين بل يتعاون معهم … لذلك يفضل الأسد أن يقول التاريخ بأنّ العلويين هم الوحيدون الذين رفضوا توقيع سلام مع العدو لا يكون شاملاً وعادلاً وحافظاً للكرامة ولحق فلسطين… أيّ الرئيس الاسد يدرك أنه رئيس سورية كلها بكلّ أطيافها انْ صمد وحرّر وقاتل وانتصر… ولكنه إنْ وقع اتفاق سلام منقوصاً فسيكون رئيساً للعلويين فقط في حكم التاريخ الذين سيظهرون وكأنهم سلموا فلسطين وهم في حكم سورية… أيّ سيذكره التاريخ رئيساً للطائفة التي وقعت اتفاق سلام مع الأعداء… وستحمل الطائفة وزر هذا الاتفاق لأنه هو من وقعه حتى لو كانت له مبرّراته اللحظية وقد سبقته حملة استسلام عربية ومعاهدات سلام تحاصره وتقدّم له كلّ الأعذار ليسالم ويصافح العدو… لأنّ التاريخ قد يقول بقسوة بأنّ سورية لو كان من يقودها مسلم سني لما رضيت سلاماً مع العدو بأيّ ثمن… والرئيس الاسد كان يفضل أن يناور في السياسة الى أن تتغيّر المعطيات دون أن يعطي اتفاقاً أو وعداً لا يعطيه كلّ ما يريد حتى حقوقه في علاقة خاصة بفلسطين… ونقطة ضعفه هذه يدركها «الإسرائيليون»، ومع ذلك لم يجرؤوا على عرض السلام بجولان كامل دون أن يعطي وعداً بالنأي بالنفس عن فلسطين وشعبها… في هذا كان الأسد يريد أن يكون رئيساً لسورية الصامدة كلها وأن ينجز اتفاقاً باسم سورية كلها عندما لا يكون منقوصاًز.. ولكنه حرم التاريخ من ان يتهم طائفته بالخيانة في مسألة التعامل مع العدو او انتقاص الحق الشرعي لسورية في كامل ترابها وفي علاقتها الخاصة بفلسطين… ويستطيع العالم والعدو والصديق ان يقول أيّ اتهام لعهد الأسد من أيّ نوع الا التسليم للعدو ومصافحته وانتقاص الحق السوري… وهذا الشرف سيحمله له التاريخ وسيباهي به العلويون ويقف الزمن لا يقوى على مناكفة الحقيقة ولا مجادلتها…

وفي المقابل لو تفحصنا قلة حكمة الساسة العراقيين الذين وافقوا على إعدام الرئيس صدام حسين في يوم العيد لوجدنا أنّ ما فعلوه جعل فقراء العراقيين وأجيالهم يدفعون الثمن باهظاً منذ تلك اللحظة التي صنعت التطرف وأسطورة مظلومية أهل السنة… التي لم تتوقف طاحونتها حتى الآن وقد سحقت مئات الآلاف… فرغم أنّ الجميع يعرف أنّ من أسقط الرئيس العراقي ومن شنق الرئيس العراقي هم الاميركيون وإيباك الصهيوينة ودول الخليج… ولكن إعدامه في يوم العيد في ظلّ حكم المالكي الشيعي كان فخاً أميركياً لاطلاق سعير الحرب الدينية لأنّ الناس قد تنسى كلّ شيء الا الحدث العاطفي الذي يهزها ويشق قلبها وخاصة اذا لامس عقائدها الحساسة وولاءاتها المذهبية… ولو كان عند قادة العراقيين الذين في السلطة بعض النظر والتروي آنذاك ورفضوا التوقيع وتنفيذ الحكم حتى ينقضي العيد ربما لكان حجم الغضب أقلّ ورمزية الراحل تتراجع وإمكانية التصالح مع الآخر أكثر اتساعاً وبدت الفاصلة المذهبية قليلة القيمة… ولكنه قصور النظر وقلة الخبرة السياسية والحماقة والطيش عندما يقودان السياسة، خاصة عندما يكلّل مشهد الإعدام بأناشيد طائفية لا يكترث بها الساسة…

ومن هنا يبدو وليد حنبلاط أقلّ حنكة وتدبيراً… ولا تقرأ عيناه الجاحظتان أكثر من عشرة ايام إلى الأمام… لأنه ليست له نظرة عابرة للأجيال… ولا يبدو أنه لا يدرك أنّ البقاء والنجاة بالطائفة في توازنات معقدة لا يعني تحميلها بالآثام واللوثات التي يرتكبها خاصة أنه يستغلّ الطائفة في معاركه الشخصية وحسابات مزاجه…

ويذكرني وليد بيك دوما بتلك القصة الشهيرة التي تحكي عن أعرابي يسافر على حصانه في الصحراء فيلتقي رجلاً يسير منهكاً تائهاً فيدعوه بشهامة لأن يركب خلفه على حصانه ليساعده في إدراك أهله… وعندما ينطلق الحصان بهما يبادر الرجل الى مديح الحصان بالقول: انّ حصانك قوي وسريع… وبعد قليل يقول للأعرابي: انّ حصاننا قوي وسريع… وما هي إلا دقائق حتى يدفع بالأعرابي الى الأرض ويكز الحصان وهو يقول: انّ حصاني قوي وسريع…

والقصة حسب الرواة لا تنتهي هنا بل ينادي الأعرابي الرجل ويستوقفه ليقول له شيئاً قبل أن يغيب في الصحراء… ولما توقف قال له: استحلفك بالله ألا تخبر أحداً بهذه الحكاية لئلا تموت المروءة في الصحراء ويخشى فاعل الخير من غدر اللئام…

فالأعرابي خشيَ أن تصبح هذه الحكاية سبباً في سلب الصحراء قيمها في إغاثة الملهوف اذا ما انتشرت وخلقت انطباعاً أنّ اللصوص يتربصون بك في الصحراء وليس المحتاجين للغوث… فيصبح كلّ تائه في الصحراء لصاً في عرف الناس لا يستحق المساعدة ولا يؤمن جانبه…

قصتنا مع وليد بيك ليست تماماً عن حصان مسروق… بل عن مكوّن اجتماعي كريم يريد جنبلاط سرقته بأنانية وإلصاق تهمة لا تليق به ولا بمكانته ولا بتاريخه العريق الضارب في النخوة والفروسية والشهامة والمروءة والرجولة… ووليد بيك مرة يكون فوق الحصان خلفنا ممسكاً بثيابنا ومرة يمسك باللجام ليسرق الحصان… ومرة يعتذر ومرة يحاول إلقاءنا أرضاً ثم يتعثر ويسقط فيعتذر ويعود يطلب ركوب الحصان…

وانْ كان هناك من ناصح حوله فليقل له بأنّ التاريخ يسجل الآن وعقل الناس الواعي واللاواعي يقوم بالتنميط والتدوين وهو يتصرف في السياسة… وكأنّ جنبلاط يقول انّ جميع الموحدين على هذه الشاكلة نسخة طبق الأصل عن جنبلاط… ولكن جميع السوريين الذين أكلوا من موائد الكرم في السويداء وشبعوا كما لم يشبعوا من قبل… وجلسوا في تلك المضافات الأصيلة وسمعوا كلاماً لا يقوله إلا من كان من سلالات الفرسان يعلمون أنّ السياسي وليد جنبلاط يريد أن يمحو هذه الصورة بصورته وهو يقفز فوق الأحصنة ويمسك باللجام… ويغيّر السروج… ويرمي من حمله خلفه على الحصان… والحقيقة أنّ جميع من يعرف الموحدين يعرف أنهم لا يقفزون ولا يغيّرون الحصان ولا تعرف كلّ الصحراء عنهم الا أنهم يغيثون ويكرمون ويمارسون ذروة الفروسية والشجاعة… ومثالهم لا يبدأ بسلطان باشا الأطرش أبو السوريين الثوار… ولا ينتهي بالبطل العميد عصام زهر الدين… قاهر داعش…

ولمن يريد أن يعرف كيف أنّ شهداء بني معروف لا يستحقون ان يقوم مجنون مثل وليد بيك بأخذهم معه إلى معاركه الدونكيشوتية وهم الذين يخوضون معركة الدفاع عن سورية والشرق كالأساطير، انظروا الى هذه الصفحة التي ترفع رأس السوريين والعرب بأبناء جبل العرب… وتغسل طرقات الوعي التي يلطخها جنبلاط… تغسلها بالعطر وماء الورد… وترسم النمط الذي يستحقه الموحدون… نمط الشجاعة والفداء وصهيل الدم الذي يتردّد صداه في كلّ الشرق:

https://ar-ar.facebook.com/Martyrs.alswaida

فهل لا يسمع جنبلاط أصوات صهيل الخيول الأصيلة؟ وهل لا يعرف ماذا تقول له؟ هل نسمح للصوص بسرقة صهيلها وبيعه في أسواق السياسة؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى