لبنان وسورية سيتغيّران بعد القلمون

ناصر قنديل

– المتابعة العالمية والإقليمية لمعارك القلمون التي تدخل تحضيراتها بالنار يومها الرابع، قبل أن تبدأ المعركة الفاصلة، تلتقي على المكانة الحاسمة لنتائج هذه المواجهة الفاصلة بين حزب الله وتنظيم «القاعدة»، على رغم الدور الرئيسي للجيش السوري من جهة وفي المقابل دور فصائل مساندة مع «جبهة النصرة» كممثل محلي لتنظيم «القاعدة» مدعوم علناً من السعودية وقطر وتركيا و«إسرائيل». فالكلّ يلتقي على أنها حرب فاصلة بين تنظيمين تمتلئ سيرة كلّ منهما بشراسة القتال والقدرة على تحقيق الانتصارات، وهي أول مواجهة بهذا الحجم بعدما كانت معركة القصير أول اختبار مشابه قبل عامين تبرّأت «القاعدة» من مسؤوليتها عن الهزيمة فيه، محملة فصائل المعارضة المسلحة تلك المسؤولية بذريعة أنّ وجود «القاعدة» لم يكن هو القوة الرئيسية المقاتلة في القصير.

– في حرب القلمون كل شيء يقول إنّ «القاعدة» قد أحضرت واستعدت وباتت جاهزة لمنازلة فاصلة، ومثلها حزب الله. فالقوة المحترفة التي جلبتها «القاعدة» منذ سنتين إلى القلمون وتملّصت من المواجهة مع الجيش السوري بالاحتماء في مناطق لبنانية حدودية، ثم قيامها بخطف العسكريين اللبنانيين، لمنع أيّ مواجهة حاسمة من جانب الجيش اللبناني وحزب الله بالاستناد إلى دور أطراف لبنانية، بدا أنها جاهزة لتلقي الكرة التي مرّرتها «القاعدة» لمنع اللجوء إلى الخيار العسكري على الجيش والضغط لتأخير تدخل حزب الله، كلّ ذلك يقول إنّ لهذه القوة بعتادها وتسليحها ونوعية مقاتليها مهمة مفصلية تتخطى المناوشات والأبعاد الداخلية للحرب على سورية وفيها.

– تقول جغرافيا القلمون بامتداداتها التي تصل إلى الأنبار عبر صحراء حمص وإلى البحر المتوسط عبر وصلة رأس بعلبك الضنية، وإلى جبل الشيخ عبر فتحة المصنع، وإلى دمشق عبر بساتين دوما، إنّ الساعة الصفر بالنسبة إلى «القاعدة» لخوض الحرب الفاصلة قد ارتبكت بسبب تفاوت توقيت الجاهزية في واحد من الأبعاد الأربعة، فعندما تجهّز مقاتلوها في شمال لبنان، كانت طريق دوما مفتوحة أمام القلمون، لكن كان حصار حمص قد تكفل بقطع طريق الصحراء، وعندما فتحت طريق الصحراء لم تكن جبهة الجولان قد استوعبت مقاتلي «النصرة» الذين وصلوا بالتنسيق مع «إسرائيل»، وعندما تموضعت «النصرة» على جبهة الجولان كان شمال لبنان قد شهد تصفية المواقع التابعة لـ«القاعدة»، وعندما أعيد تشكيل الوضع في شمال لبنان قطع الطريق على التدخل من جبهة الجولان بعد غارة القنيطرة وعملية مزارع شبعا الرادعة للتدخل «الإسرائيلي». واليوم أضيف الانقطاع عن دوما، لكن صار الاستحقاق داهماً ولا بدّ من المنازلة لإعادة فتح الباب من القلمون إلى جبهة القنيطرة والوصل بدوما، إذا تيسّر النصر هناك، فقد بات هذا هو الطريق الحتمي سلوكه.

– بالنسبة لحزب الله لم يعد ممكناً إطالة الانتظار وهو يعلم أن كلّ الهوامش قد استهلكت، وهو يعلم أكثر أنّ المنطقة تغلي لملاقاة الاستحقاقات التي تسارع لحسم أوضاعها في منطقة يعلم كلّ اللاعبين على مسارحها ومنصاتها المتعددة أنّ نهاية حزيران، مع بلوغ موعد التوقيع النهائي للتفاهم النووي الإيراني كلّ شيء سيتغيّر وعلى من يريد أن يفعل شيئاً فليفعله قبله، كما يعلم حزب الله أنه ما لم يبادر فهم سيبادرون، ويعلم أن تمهيد الطريق للحرب بدأ بمحاولة جذب قوته المركزية التي استعدّت لهذه الحرب هناك إلى شمال سورية مع اندفاعات جسر الشغور وإدلب، ويعلم أن ذوبان الثلوج كان ساعة توقيت «القاعدة» لبدء الحرب، على رغم أنّ كلّ الظروف التي لم تعد مؤاتية في الجولان وحول دمشق، ولكن التي سيتغيّر حالها إذا فازت «القاعدة» بالقلمون.

– العيون على القلمون من كلّ صوب لألف اعتبار واعتبار من السعودية إلى تركيا وقطر وفرنسا وأميركا، فمصير الحرب على سورية سيتقرّر هناك، ومن «إسرائيل» سبب إضافي لأنّ ميزان الردع يمكن إلحاق ثقب فيه من هناك، ولأنّ الأمل بإحياء الحزام الأمني لـ«النصرة» حول الجولان ممكن من هناك أيضاً، لكن في سورية ولبنان مشهداً آخر بعد القلمون، فالأكيد أنّ انتصار «القاعدة» إنْ وقع سيكون كرة نار تنذر بتصعيد غير مسبوق من القوة المشاركة في الحرب على سورية قد تصل حدّ الدخول في حروب مباشرة على الأقلّ بالنسبة إلى تركيا و«إسرائيل» بتمويل سعودي علني ومباشر وسخي، وستعني تجميع كلّ قوى «القاعدة» للزجّ بها في هذه الحرب، وفي لبنان سينقضّ أعداء حزب الله والمقاومة على دخوله الحرب في سورية، وستتحرك الخلايا النائمة في الشمال لملاقاة القلمون من الضنية نحو رأس بعلبك، وربما البقاع الغربي حتى مزارع شبعا، وربما في عين الحلوة وصيدا.

– إذا استمرّ تقادم إشارات نصر حزب الله في القلمون، فستشهد سورية تصاعداً معاكساً، ستنطلق هجمات الجيش السوري بلا هوادة في شمال سورية وجنوبها وتتدحرج انتصاراته في ريف دمشق، وكرة النار ستلتهم كلّ ما ومن يقف في طريقها، ولن يكون بعيداً توجيه إنذارات سورية مدعومة من روسيا وإيران لكلّ من تركيا والأردن للكفّ عن العبث عبر الحدود، وفي لبنان ستكون معادلة سياسية جديدة، تجعل الاستحقاق الرئاسي ممهّداً أمام العماد ميشال عون، والطريق سالكاً للتعيينات الأمنية، وميزان قوى جديد يحكم لبنان.

– لذلك يقف أطراف الرابع عشر من آذار بقلوبهم مع تنظيم «القاعدة» في حرب القلمون.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى