حيتان المال – تموضع السعودية – محكمة
ناصر قنديل
– تشكر «البناء» الوزير الصديق فادي عبّود لتلبية نداء الكتابة فيها بتحريض مما تنشر واستفزاز العقل للكتابة، في زمن صار السياسيون ورجال الأعمال الكتاب قطعاً نادراً، وقيمة النقاش الذي أطلقه من موقع فكر المبدع العظيم أنطون سعاده أنه يضع أرضية نقاش هي الإنتاج ومفاهيم المجتمع المنتج والاقتصاد المنتج، ولا أظن الوزير الصديق يختلف معنا أنّ اقتصادنا يعيش اختلالاً بنيوياً بهيمنة الاقتصاد الريعي على حركته ونموه الدفتري، وهذا اقتصاد الحيتان الذي تعتاش حيتانه على أكل الأسماك الأصغر منها، وأما سمك البيرانا التي ذكرها الوزير فنشترك معه بتشبيهها بالموظفين الفاسدين نكتفي بما وصفها به «وكلّ حوت مال لديه مئات البيرانا من الأتباع الذين ينفذون تعليماته»، فالقضية يا معالي الوزير هي هنا، ليس كل صاحب مال حوتاً كما أن ليس كل حوت صاحب مال، حوت المال هو الذي لا ينتج ويقتات على الأسماك الصغيرة، والقضية هي في إعادة هيكلة الاقتصاد ليستدير نحو الإنتاج، وهذه مهمة الدولة وتشريعاتها، وفي قلب وأولويات هذه العملية ردم الفجوات الاجتماعية الهائلة لحماية السلم الاجتماعي وتأمين بيئة آمنة للنمو، ومعها تحميل الريع الطفيلي غير المنتج الأعباء الضريبية التي تتناسب مع انسحابه من سوق الاستثمار الإنتاجي، وتهربه من أعبائه وكلفته في الزمن ونسبة المخاطر، كما تتناسب مع ضخه المال وامتصاصه في عملية تناوبية لا ترتبط بقيمة مضافة، ولا بفرص عمل، ونظنّ أنّ الوزير يوافقنا أننا في استعمالنا لمصطلح الحيتان لم نجاف الحقيقة في وصف الطفيليات المالية، التي تمتصّ كالعلق والبيرانا الدم من دون أن تسهم في تحريك عجلة الاقتصاد، ولا تتحرك هذه العجلة إلا بإطالة أمد دورة المال في شرايين المجتمع وتعدد أطرافه كمعيار للحكم على الجدوى الاقتصادية للاستثمار، بينما على العكس تقيم الاستثمارات الريعية حساباتها ومعاملاتها المالية على أقصر أمد وأقل عدد من الشركاء، وربما يشاركنا الوزير أن التشجيع على إطالة أمد زمن وتعدد أطراف العملية المالية هي أول وأنجع طرق مكافحة التضخم كما تقول تجربة اليابان، أما عن ثلاثية الضرائب والحماية الجمركية والتسهيلات المصرفية والخدماتية فيكفي أن ترتبط معيارياً بصورة طردية بسلّم الدورة الزمنية والمتعدّدة الأطراف للسلعة وحركتها من جهة، وبالقيمة المضافة وحجم فرص العمل وفرص الاستهلاك التي تحركها من جهة أخرى، وهذا ما لا نعتقد أن الوزير يظنه متوافراً في نظامنا اليوم، لأنه نظام الحيتان وليس نظام قفير النحل، الذي لا يضيرنا وجود ملكات مميّزات فيه تتنعّم بأشهى وأفضل أنواع العسل، وليس عصياً أن نكتشف كيف أن حيتان المال وقت الجدّ هم ذكور قفير النحل ينتظرون لحظة اللحاق بالملكة التي هي الدولة، والتي نتمنى أن تملك الهمّة لتواصل الصعود حتى تساقطهم تتالياً، وحتى بقاء النحل المنتج قوة للقفير، نحلنا الغني ونحلنا الفقير يا معالي الوزير.
– الدعوة السعودية العلنية لإيران إلى حوار مباشر عبر زيارة لوزير الخارجية الإيراني إلى الرياض، كما أعلن وزير الخارجية السعودي، تشكل خطوة تعادل اللقاء النوعي الذي جمع وزيري خارجية روسيا وأميركا قبل عام بالتمام والكمال في الأيام الأولى من شهر أيار من العام الماضي، والتي تلاها حسم القصير عسكرياً، بعدما سبق الدعوة السعودية حسم حمص بتزاوج عسكري أمني وسياسي، سيليه مثله في حلب والرقة قريباً، يقول إنّ مرحلة التموضع السعودي بدلاً من ضفة الإنكار إلى ضفة السياسة قد انطلق، وفي مقدمته الإقرار بأنّ الحرب في سورية بمضمون الأهداف المرسومة والمعدلة قد سقطت سقوطاً مدوياً، وصارت عبئاً لا يُحتمل وعبثاً لا يُطاق.
– يوم المحاكمة الأول لقناة «الجديد» وجريدة «الأخبار» كان مفعماً بالمشاعر العالية لدى من اجتمعوا في نقابة الصحافة، وفي بيوتهم أمام الشاشات، وكان التأجيل والتمديد للمهل إعلان خوف المحكمة وليس نضج إجراءاتها، بعدما حوكمت في محكمة الرأي العام وصدر الحكم بتجريمها ونطق الحكم في كلّ بيت وعلى كل لسان، فقد أساءت المحكمة فهم اختلاف اللبنانيين حول منح الثقة فأخطأت بالعنوان في لبنان، باستثمار الاختلاف للتصويب على قدس أقداس اللبنانيين في حرية إعلامهم، فهنا تسقط الخلافات بين المواطنين الذين تشكلت منهم أمس هيئة المحلفين وحكمت بالبراءة وأوسمة الشرف لـ«الجديد» و«الأخبار»، وحكمت بالانسحاب الفوري على المحكمة، ولو بقي بعض أصوات نشاز تعلو بالكيد والحقد، ففي كلّ زمان ومكان بيلاطيس ويهوذا الإسخريوطي والثلاثين من الفضة.