معركة السلسلة
د. مروان فارس
سوف تلتهب الساحة اللبنانية اليوم بسبب سلسلة الرتب والرواتب. فالخيارات غير متعددة في هذا المجال. جوهر الصراع المفتوح يتمّ بين الذين يملكون والذين لا يملكون. أولئك الذين يملكون السلطة وأولئك الذين لا يملكون إلا الفقر نتيجة أعمالهم المتواضعة في ملاكات الدولة اللبنانية، الإدارية منها والعسكرية والأمنية والاجتماعية. والمعركة هذه تتم بين الذين يملكون الأموال والذين لا إمكانات لديهم غير تلك التي تصنعها أيديهم. الرأسمالية المجحفة في لبنان ممثلة بأصحاب المصارف والأملاك العامة والخاصة، هذه الرأسمالية تستغل الدولة وتوظفها كلها لمصلحتها، هي التي تحكم لبنان في الاقتصاد والسياسة. وهي التي تأخذ لبنان إلى خيارات غير خياراته الوطنية التي صنعت عبر المقاومة مجداً لا مثيل له في العالم العربي. البورجوازية هذه تنهب الدولة والناس ولا تعترف إلا بذاتها في حلبة البقاء في هذه الدولة التي هي أشبه بكل شيء ما عدا الدولة. في بقاع الأرض كلها تقوم الدولة على مفهوم الحفاظ على القانون والعدالة. وفي لبنان تقوم الدولة على أساس تسخير القانون لمصلحة فئة من الفئات على حساب الفئات الواسعة من أبناء الشعب. للدولة المهترئة هذه حلفاء على الساحة الدولية. صندوق النقد الدولي يدخل الآن على خط الصراع الدائر في لبنان، فقد أوصت بعثة صندوق النقد الدولي إلى لبنان باحتواء سلسلة الرتب والرواتب المختلف حولها عبر تجزئتها وتقسيطها من دون المفعول الرجعي وإصلاح نظام الوظيفة العامة. صندوق النقد الدولي يعلن عن تحالفه المطلق مع البورجوازية اللبنانية من دون الأخذ في الاعتبار أن هنالك في لبنان أناساً يتضوّرون جوعاً بسبب الإجحاف الذي يلحق بهم في جميع مجالات العمل والوجود. بالتالي يدعو صندوق النقد الدولي إلى إصلاح الكهرباء في الدولة ولا نور في الضاحية الجنوبية وفي المناطق اللبنانية كافة، في حين يزداد فيه الدَين اللبناني إلى حده الأقصى، بما يقارب الدين هذا من ثلث الدين العام للدولة اللبنانية. كما يدعو صندوق النقد الدولي إلى تحويل الإنفاق المخصص للكهرباء إلى النفقات الاستثمارية والاجتماعية واتخاذ إجراءات ضريبية على أرباح العقارات وإيرادات الفوائد، وزيادة الضريبة على الأرباح وفرض الضريبة على القيمة المضافة على البنزين مجدداً، ثم رفعها لاحقاً على جميع السلع. إن صندوق النقد الدولي يفرض نفسه بهذه الإجراءات شريكاً للبورجوازية اللبنانية في جميع المجالات، في المصارف والضرائب وقهر الناس، ما يجعل من الرأسمالية المحلية شريكاً فعلياً للرأسمالية الدولية. فالقهر هو ذاته في جميع الأمكنة، في اليونان وفي لبنان، وفي كل مكان. لذلك كله تأتي مطالب المعترضين على توصيات اللجنة البرلمانية المشكلة تحقيق مبالغ السلسلة المقترحة من قبل اللجان النيابية المشتركة إلى المطالب الأساسية التي تصون حقوق العمال والموظفين في القطاعات الإدارية والأمنية كلها، إلى جانب حقوق المتعاقدين والمتقاعدين. كلها مطالب محقة يفترض من المجلس النيابي اللبناني أن يأخذها في الاعتبار، فلا يمكن في المعركة للمجلس النيابي اللبناني إلا أن يكون نصيراً فعلياً للناس الذي يمثلهم في الندوة البرلمانية. فإن تمثيل الناس هو تمثيل لحقوقهم وليس تمثيلاً لفريق من اللبنانيين اعتاد على السلطة التي يحتكرها جمع من المتحكمين في السلطة والاقتصاد والمال. في معركة السلسلة أن الخيارات أمام المجلس النيابي اللبناني ليست خيارات متعددة، فأما أن يكون المجلس مع الناس أو لا يكون. أن الخيارات ليست صعبة وليست متعددة فحقوق العاملين في القطاعين العام والخاص غير قابلة للتفاوض، لذلك فإن حركة الإضرابات هي حركة مشروعة في لبنان. فلا يمكن للنقابات والأحزاب السياسية إلا أن تكون مع هذه الإضرابات، فهي تعبير حقيقي عن الحياة الديموقراطية في لبنان، وإن تكن هناك ديموقراطية، وإن يكن هناك لبنان يليق بالمقاومة التي صنعت له مجداً لا مثيل له في الصراع مع العدو الصهيوني. إن الفقراء هم الذين استشهدوا ليبقى لبنان وليفاخر بأنه صنع مجداً لأبنائه لا مثيل له ومجداً للعرب ما كانوا ليحلموا به في وقت من الأوقات.