الأطرش: كلمتنا التي تصل إلى قلب المشاهد وعقله رصاصة في صدر كل من يريد السوء لسورية
لورا محمود
سورية الحاضرة في التاريخ، الرائدة عبر الزمن، الصامدة على رغم المِحن، والمناضلة حتى بلوغ المجد، المسافرة بين الروح والدم، حاضنة آلام من تشرّدوا، داعمة من اختار البقاء والصمود والنصر والاستشهاد، كانت وما زالت تواجه من تآمر عليها، واغتصب أرضها. فاليوم كأمس، الغزو نفسه، والمستعمر ذاته ولو كان بمسمّيات أخرى وبأدوات مختلفة إنما بأساليب أكثر همجية. لكن سورية هي هي، ثابتة على بطولات أبنائهة، تحترف الصمود، وكأنّي بها تقول: نحن أمّة كم من تنين قد قتلت في الماضي، ولن يعجزها قتل تنين آخر.
من هنا، جاءت فكرة مسرحية «الطريق إلى الشمس» كثمرة تعاون بين وزارة الثقافة والإعلام و«دار الأسد للثقافة والفنون»، بالتعاون مع «مؤسسة ميثا للإنتاج الفني». وتأتي هذه المسرحية بعد غياب طويل للمسرح الغنائي الاستعراضي عن الخشبة السورية.
المسرحية من رؤية وإخراج ممدوح الأطرش. أعدّ النص والشعر كفاح الخوص، فيما تصدّى الموسيقار طاهر مامللي لمهمة وضع الألحان. ويروي العمل حكاية سورية بلهجة سورية تلخّص تاريخاً طويلاً من صمود شعب كان وما زال متمسكاً بهويته وأرضه، منذ الاحتلال العثماني، مروراً بالاستعمار الفرنسي ولثورة السورية الكبرى بقيادة المقاوم سلطان باشا الأطرش.
المسرحية من بطولة الفنانة نورا رحال، وكفاح الخوص ووسيم قزي وميس حرب وحسين عطفة وعباس الحاوي وفيصل الراشد، بمشاركة نجوم الدراما والغناء في سورية، إضافة إلى ثلاثين راقصاً وراقصة وثلاثين عازفاً وعازفة، وعشرين مؤدّيا في الكورال.
«ميثا» بطلة المسرحية، شخصية واقعية كانت حكايتها مع الوالي التركي «ممدوح باشا» السبب لبداية الثورات ضدّ الأتراك، إذ تتحول «ميثا» التي هي من لحم ودم إلى رمز في الحكاية لتصبح هي الأرض والأمل. وتوثق المسرحية أعمال الأبطال السوريين في زمن الاحتلال، من الشيخ صالح العلي وابراهيم هنانو والقاوقجي والمريود والشيخ الأشمر وملحم قاسم المصري من بعلبك وغيرهم.
الأطرش
«البناء» دخلت كواليس المسرحية التي شاهدها الآلاف الأسبوع الماضي، وكان لقاء مع المخرج ممدوح الأطرش، الذي تحدّث عن العمل فقال: «حكايتنا دارت أحداثها سنة 1896، وما زلنا حتّى اليوم نعيش فيها. وقد جمعنا حسرات الناس حسرة حسرة، والحسرات أصبحت نشيداً، والنشيد يُغنّى. وحتى يعود المطر من جديد، قررنا أن نرقص ونرفع الإيقاع بانتظار العيد. شخصيات مسرحيتنا أناس حقيقيون. منهم من كتب قصته بالدم وصارت سطورها حمراء. ومنهم من كتبها بالحبر المالح الذي يعلو جبهته. ومنهم من كتبها بزغرودة. لذلك أردنا أن نقدّم حكاياتهم ونسمعها ونراها».
وردّاً على سؤال حول صعوبات العمل المسرحي الاستعراضي، أكد الأطرش أن المسرح الغنائي الاستعراضي من أصعب أنواع المسرح تقديماً، لأنه يحتاج إلى عوامل كثيرة لنجاحه. وقد غاب المسرح الغنائي عن سورية منذ سبعينات القرن الماضي تقريباً. وبعد كل هذه الفترة كان لا بد أن نعود بمسرحية بحجم «الطريق إلى الشمس»، خصوصاً في ظلّ هذه الظروف التي نعيشها، وأن نقول للعالم إننا موجودون في سورية، وكلمتنا الفنية التي تصل إلى قلب المشاهد وعقله، رصاصة في صدر كل من يريد السوء لهذا البلد.
وأضاف الأطرش أنّ لشخصية «ميثا» خصوصية كبيرة. فهي شخصية حقيقية تتحول من دم ولحم لتصبح رمزاً للأمل. فالتحوّل من حالة واقعية إلى حالة فكرية إسقاطية أمر صعب. «وقد واجهنا صعوبة في اختيار شخصية ميثا لأنّ دورها تمثيليّ وغنائيّ. وأن تجد فناناً يغني درامياً بشكل صحيح ويقف على المسرح بشكل صحيح، ويؤدّي دوراً درامياً تمثيلياً بشكل صحيح، في ذلك الكثير من الصعوبة. والفنانة نورا رحّال استطاعت أن تكون هذا الفنان الشامل، لأنها قدّمت حالة جميلة من الأداء والعطاء الفنيين على المسرح. فالفنان الحقيقي هو الذي يقدّم الكثير من تعبه ويضحّي بوقته وراحته ليقدّم نفسه بشكل صحيح على المسرح، لأنه يخاف من نظرة الجمهور إليه. والفنانة نورا كانت كذلك من خلال إصرارها على تكثيف البروفات.
وعن إمكانية ايصال العمل إلى كلّ السوريين في كل المناطق أكّد الأطرش أنّ هذا العمل سيُبثّ تلفزيونياً ليصل إلى جميع السوريين. وأشار هنا إلى دور وزارتَي الثقافة والإعلام، والدعم الذي قدّمتاه من أجل نجاح العمل، وأضاف أن المسرحية ستُعرض خارج سورية، وأن هناك جهات كثيرة عرضت هذا الأمر، لكن الأمر ما زال قيد الدراسة.
وقال: كان هذه العمل بمثابة الطريق الذي اختاره الشعب السوري. فهذا الشعب بمحنته التي يعيشها، ويتكالب العالم عليه لإخضاعه وإذلاله، لم يبق أمامه إلا الطريق إلى الشمس والمجد.
وعبّر الأطرش عن تفاؤله ورجائه بعودة كل شخص إلى الصواب، وخصّ زملاءه الفنانين الذين تركوا الوطن وهو بأمسّ الحاجة إليهم، «فهذه الأرض الطاهرة التي روتها دماء الأجداد وتروى اليوم بدماء الأبناء، قادرة على احتضان كل من أخطأ بحقها ومسامحته».
رحّال
أما الفنانة نورا رحّال التي تجسّد شخصية «ميثا» بطلة المسرحية، فعبّرت عن سعادتها بالعمل بعد غياب طويل عن الفنّ وقالت: ابتعدت قليلاً عن العمل الفني لأنني لم أكن على استعداد لأن أقدم أيّ عمل غير العمل الوطني. ولم أمتلك الحماسة للعمل إلا هنا في دمشق. ففي السنة الماضية قدمت فيلم «الأمّ»، واليوم أعود بهذا العمل المهم «الطريق إلى الشمس».
وأكّدت رحّال أنّ الناس اليوم بحاجة إلى الأمل، بحاجة إلى الصورة المفرحة والمتفائلة كي يكون تفكيرهم صافياً ومرتاحاً. وهذا ما يميّز الذين اختاروا البقاء لا الرحيل، فهم لم يتوقفوا، بل وضعوا الأمل أمامهم ونجحوا على رغم الظروف. «ونحن اليوم من واجبنا أن نُعيد من حادوا عن خطّ الوطن، ليس بالسلاح، إنما بالمحبة وتقبل الآخر. والعمل الفني يقرّب بما يحمله من قيم درامية وفنية بين وجهات النظر.
وفي تصريح لـ«البناء» قالت رحّال: يسعدني أن أقدّم هذه المسرحية لأنقل أجمل صورة عن بلدي في الخارج. وأنا متفائلة، ويجب ألّا نخاف من الفرح، وأن نقدِم على خطوات فنية مهمة مثل مسرحية «الطريق إلى الشمس»، فهي ليست فقط عملاً ترفيهياً فيه رقص وغناء وتمثيل، بل هي قيمة فكرية ذات غاية ورسالة.
الخوص
كاتب النصّ المسرحي وأشعاره الممثل كفاح الخوص تحدّث لـ«البناء» عن كيفية تعاطيه مع النصّ الشعري بخصوصية، لا سيما أنه يقدّم عملاً مسرحياً استعراضياً. ويقول: لقد ابتعدت عن القوالب الجاهزة، وذهبت باتجاه البساطة والوزن الخفيف، ولم أعتمد القافية بل الإيقاع الموزون في كتابة النصّ.
وبالنسبة إلى مزاج الشارع السوري اليوم ومدى تقبّله فكرة مسرحية استعراضية راقصة قال الخوص: كان لديّ عمل مسرحيّ في ظروف أسوء من هذه، ومع ذلك كان الحضور الجماهيري كثيفاً، والعمل المسرحي الغنائي الراقص الموجود في مسرحية «الطريق إلى الشمس» ُقدّم بشكل دراميّ، حيث الدراما بنية أساسية فيه تروي حكاية عن ثلاث حقبات تاريخية.
وأضاف: من المهم جدّاً أن تعرض المسرحية خارج سورية لنقول إننا انتصرنا بالفرح والأمل، ولنقول لهذا المواطن السوري الذي أخطأ وخرج من سورية عليك بالعودة لنعيد بناء سورية من جديد.
الولادة والأمل
وعن دورها في المسرحية، تحدثت خرّيجة المعهد العالي للموسيقى المغنية والممثلة ميس حرب عن الفتاة «زهرة» التي ترمز إلى الحب والأمل، ولكنها تواجه مصاعب جمّة. فالحب قتلته الحرب ونيران المعارك، وتحولت بعد ذلك من فتاة طيبة إلى فتاة قاسية. وفي نهاية المطاف يموت الأمل بموت الفتاة «زهرة». ولكننا نرى في المسرحية أنّ الأمل من المستحيل أن يموت. والحياة تستمر مع الطفل الذي نراه في النهاية. فهو يرمز إلى الولادة والجيل الذي سيأتي ليعيد صوغ الأمل والحياة.
وأضافت حرب أنّ هذا العمل مهم جداً لسورية، وتمنّت أن ينال النجاح بقدر التعب الذي قدّمه فريق العمل من راقصين وممثلين ومغنّين خلال فترة البروفات التي كانت قصيرة ولم تتجاوز الشهر ونصف الشهر. لذلك كان العمل مكثفاً جداً.
هدف ورسالة
مديرة الإنتاج في «مؤسّسة ميثا للإنتاج والتوزيع الفني» مُزنة الأطرش تحدثت لـ«البناء» عن فكرة المسرحية قائلةً: الفكرة أتت بمناسبة عيد الشهداء. وهذه المرة هي الأولى التي نقدّم فيها المسرح التوثيقي على الخشبة السورية، والذي يعتمد الوثيقة التاريخية. فكل الشخصيات الموجودة في المسرحية شخصيات حقيقية من الواقع وليست خيالية. كنّا بمثابة الناقل التوثيقي لهذه الحكاية لنقول في النهاية عندما نمحو حرف الراء من كلمة «حرب»، سيبقى الحبّ لأننا في ظل ما تعيشه سورية، نحن بحاجة إلى أن نحب بعضنا أكثر من أيّ وقت مضى. وأضافت: المسرحية كانت بمثابة انطلاقة للمسرح الغنائي الاستعراضي من جديد. فهذا النوع من المسرح كان في حكم الاندثار تقريباً، وأصبحنا نرى لوحات راقصة من فرق وطنية سورية فقط. لذلك نحن نريد أن نحكي حكاية في مسرحية كاملة متكاملة بكلّ عناصرها الكلاسيكية. وننقل القصة بالرقص والغناء عبر ممثّلين وراقصين يعبّرون بأجسادهم عن مضمون المسرحية، إضافة إلى فريق كبير من الفنّيين والتقنّيين المتخصّصين، كي نخرج بعمل مهمّ وغنيّ بقيمه كمسرحية «الطريق إلى الشمس».
وأكدت الأطرش أن الفنّ العماد الأساس لكلّ مجتمع، فإذا كان هناك فنّ فهناك وعي وثقافة وحبّ.