ركان يوسف… الزجل ينتصر على رصاص القنص والغدر
حاورته هناء راعي
الأدب مرآة الشعوب، خصوصاً الشعر الذي يلامس الحالات الإنسانية بشكل مباشر ويعكس المشاعر والأحاسيس التي يعبّر عنها الشاعر بكل عفوية ومحبة. هذا إذا كان الشاعر «عادياً»، فكيف بشاعر أعطى أغلى ما يملك لوطنه وقدّم جسده كرمى لحرية وطنه وكرامته.
هادئ إذا نطق، ترى صوراً جميلةً للواقع ولوحات حيّة في شعره لما يحدث اليوم، وإذ نتمنّى له المزيد من النجاح، فإننا ندعو الدولة والمجتمع إلى الاهتمام بنتاجه الأدبي الرائع، الذي سيرفد تراثنا الفني والأدبي بمزيد من القصائد والأغاني الجميلة التي تعبّر عن مجتمعنا الصامد والمقاوم. إنه ركان علي يوسف، شاب في مقتبل العمر ينظم الشعر والزجل الشعبي:
من هو ركان يوسف؟
– أنا من مواليد اللاذقية، عشت وترعرت فيها ودرست في مدارسها، ثم حصلت على شهادة من المعهد التجاري وخرجت بعد ذلك للحياة ألتقط اللحظة والمشهد الجميل، وأصوغه شعراً تستسيغه الأذن.
حدّثنا عن طفولتك؟
– بالنسبة إلى طفولتي كانت عادية، أصدقائي لم يكونوا كثيرين ولم تستهوني الصداقات الكثيرة.
كيف بدأت الكتابة؟
– أحببت الشعر كثيراً، خصوصاً قصائد المتنبي وأبي النواس والصوفي والحلاج. وبعد الدراسة أصبحت ميّالاً إلى شعر «العتابا»، وبدأت أنظمه، ثم اخترت الزجل الذي هو أقرب إلى الناس.
أتذكر شيئاً من البدايات؟
– بداياتي الأولى كانت مع الشعر بالفصحى، وذلك في المرحلة الثانوية حيث كتبت:
أغرام بان بملقانا
ألقانا لحظة ملقانا
في بحر الحبّ وأرسلنا
سفناً لا تعرف شطآنا
أم لحظ عيونك سيدتي
أرسلني وحدي حيرانا
لأفتش عن بحر ظنوني
عن حبٍ كان وما كان
ماذا بعد مرحلة الكتابة بالفصحى؟
– بعد الثانوية أصبحت أكتب الزجل الذي هو بنظري تحدّ فكري وثقافي وقوة حجة بين الطرفين وسرعة البديهة.
هل تستطيع أن تحصي قصائدك؟
– لديّ عدد كبير من القصائد.
ألا تفكر بإصدار مجموعة خاصة بقصائدك؟
– حالياً لا مشروع كهذا لأنه مُكلف.
لاحظنا مطلع قصيدة جميل جداً على حسابك في «فايسبوك»… حدّثنا عنه.
– معقول رح نقدر بعد يا نحل
نلمّ الرحيق اللي غرق بالوحل
نشفت قلوب الناس بالمرّة
صارت مثل الحجار من برّا
وجوّاتا ما ضلّ غير المحل
حدّثنا عن فترة إصابتك وكيف حصل ذلك؟
– طُلبت سنة 2012 للالتحاق بخدمة الاحتياط في الجيش السوري، وبعد فترة أصبت في مدينة حلب بطلق ناريّ من قنّاص، وكانت الإصابة في عمودي الفقري. ومنذ ذلك الحين وأنا أخضع للعلاج.
أثناء تلك الفترة ماذا كتبت؟
– بعد إصابتي كنت أتلقى العلاج في مشفى طرطوس فكتبت:
ما بعرف إن كان الغدر مسموح
يا موطن بعطر الجرح بيفوح
صابوا بجسمي أربع رصاصات
واللي فداك نصاب عيب ينوح
مرمي بحضنك أنزف الدمّات
ودمّي على ترابك صفي مسفوح
مضطر غيب عنك هالأوقات
وحياة الله مش بخل بالروح
لكن أنا متلك صرت مجروح
بعد الإصابة، كيف كنت تمضي أوقاتك؟
– في البيت، ألج الإنترنت و«فايسبوك»، فأنشأت حساباً خاصاً بي وبدأت أنشر ما أكتبه، وأتواصل مع الناس.
كيف كان تفاعل الجمهور معك؟
– كان ممتازاً. وهناك جمهور كبير يتابعني بكل اهتمام.
ما سبب هذا الاهتمام والمتابعة، خصوصاً أنك لم تلتق بهم؟
– عذب الكلام يجذب الناس، ومدى المتابعة مرتبط بالقصيدة وجماليتها وجاذبيتها.
جمهورك بماذا يهتم؟
– غالبية جمهوري تهتمّ بالزجل.
لماذا؟
– جمهور الزجل أكثر من جمهور الشعر المقفّى، باعتبار أنّ الزجل والشعر المحكيّ أقرب إلى الناس، ويتناولان همومهم ومشاكلهم بشكل مباشر وبسيط جداً، فهما أقرب إلى السهل الممتنع.
بمن تأثرت من الشعراء؟
– أكثر من تأثرت بهم بعد المتنبي والحلاج وأبي النواس، كان الزجل. فمن لبنان تأثرت بخليل روكز والسيد مصطفى.
هل كانت فكرة كتابة الزجل حالة موجودة، أو ظهرت فجأة وقرّرت أن تكتب الزجل؟
– الحالة موجودة فيّ أصلاً.
هل لُحّنت قصائدك؟
– قصيدة واحدة، لكنها لم تأخذ حقها لأنها لم تلق جهة تدعمها وتسوّق لها بشكل جيد.
ما تأثير الإصابة على نتاجك؟
– لم أتوقف عن الكتابة. فالشعر لا يترك الشاعر. حتى عندما كنت في المستشفى، كانت القصائد تُنظَم وحدها. الإصابة لا تعيق الذهن، لا بل ربما تكون دافعاً لنتاجٍ أكبر وأعمق.
وربما تتأثر طريقة الكتابة وموضوعاتها؟
– بالفعل، فقبل الإصابة كان الغالب لديّ شعر الغزل والحبّ والحالات الوجدانية. أما بعد الإصابة فطغت على شعري القصائد الوطنية.
كيف هي علاقتك بالشعراء الآخرين؟
– علاقتي بهم جيدة، خصوصاً اللبنانيين.
ما دور الأهل في تنمية موهبتك؟
– بالمتابعة والاستماع إلى نتاجي الشعري، وتشجيعي في كل مرة.
لمن كنت تُسمع قصائدك؟
– صديقي يعزف على العود، إذ كنّا نقيم ورشة عمل، فعندما أكتب القصيدة كان يحاول أن يغنّيها.
حدّثنا عمّا نظمته مؤخراً؟
– قصيدة أهديتها لأمّ الشهيد. تلك الأمّ العظيمة التي ما زالت تنجب الأبطال:
سمعت صوت رصاص
وفاقت
خافت… حنّت… مدري اشتاقت
راحوا عيونها سألت عنّه
سريره… إن كان بحضنه غافي
وهيي بسرّها بتعرف أنه
بين رفاقه…. وعزمه كافي
وطيف خياله بصوته الدافي
يقللا يمّي
راجع… راجع… أوعى تخافي
ولا تنهمّي
رفعت إيدها وقالت: ربي
دخلك ابني… نوري ودربي
بيكفي كل شي عنّا راحوا
اشتقنا نرتاح
لا تزوّد بالقلب جراحه
بيكفينا جراح
فجأة…
ذكرت… هديت… رجفت
غصّت دمعة بعينها.. ونشفت
قالت: ربي
ابني استشهد
ابني عندك
وفى وعده وفاز بوعدك
بس كرماله
كرامة دمّه… ودمعة أمّه
كرامة يللي همّي داقوا
تحمي طهر ترابه لضمه
وربّي دخلك… تحمي رفاقه
ربّي دخلك تحمي رفاقه
في نهاية لقائنا ماذا تحبّ أن تقول؟
– لديَّ قصائد زجلية كثيرة أتمنى الاهتمام بها وتلحينها وغنائها من قبل فنّانيا.
ولسورية الحبيبة أقول: النصر آتٍ قريباً جداً، ولن تكون إصابتي إلا وساماً وحافزاً على الاجتهاد والإبداع.