ربع القلمون حُسم بأربعة أيام… وباقي «صحن البيتزا» ينتظر المقصّ
كتب المحرر السياسي:
تدخل اليوم الهدنة اليمنية التي ترعاها الأمم المتحدة، بعدما أطلقت واشنطن صفارتها، ساعتها الأولى قبيل منتصف الليل، لتبدأ مجدداً خطوات السياسة، مع تثبيت وقف النار، والسير بالتحضيرات للحوار التي سيترجمها المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ أحمد، بتوجيه الدعوات للفرقاء اليمنيين لجلسات حوارية في جنيف برعاية أممية من دون شروط مسبقة.
بالتزامن مع الخروج من حرب اليمن، يُخرج الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز نفسه من صناعة القرار السياسي تمهيداً للاختفاء عن المسرح، بعدما قرّر افتتاح التقاعد المبكر بالغياب عن القمة التاريخية التي ستجمع الرئيس الأميركي باراك أوباما بقادة الخليج غداً، فيتلقى اتصال جبر الخاطر من الرئيس الأميركي، لينصرف مخلياً الطريق لثنائي يضمّ ولده محمد بن سلمان وزير الدفاع الذي شكل عنوان الفشل في حرب اليمن، وولي العهد الذي يأتمنه الأميركيون على خططهم لمستقبل السعودية محمد بن نايف.
بالنسبة لكلّ المراقبين والمتابعين في وسائل الإعلام الغربية والأميركية خصوصاً، ستكون الهدنة اليمنية إعلاناً لنهاية كاملة للحرب التي أشعلتها السعودية، ومدخلاً للاعتراف الأممي بفشل القرار الذي أصدره مجلس الأمن والقائم على تلبية الطلبات السعودية بمعاقبة الحوثيين، فيعود الحلّ السياسي من بوابة تعويمهم والاعتراف بهم فريقاً لا يستقيم السعي إلى استقرار اليمن، بالتالي الخليج، من دونهم، بعدما بدا أنّ قدراتهم العسكرية لا تزال معافاة مع تساقط صواريخهم على المنشآت النفطية لـ«آرامكو» في الظهران السعودية، التي يسمّيها البعض الولاية الثالثة والخمسين من الولايات المتحدة الأميركية.
وبالنسبة للمراقبين الغربيين والأميركيين أنفسهم ستكون الإصلاحات الداخلية في دول الخليج محور قمة كامب ديفيد، التي بشر بها الرئيس الأميركي منذ مطلع الشهر الماضي عندما ردّ على الكلام السعودي عن الخطر الإيراني بقوله ليست إيران مصدر الخطر القادم في الخليج، بل السخط الشعبي على أداء الحكام، مضيفاً: «سأناقش ذلك مع قادة مجلس التعاون الخليجي في فطور كامب ديفيد». وللإصلاحات التي يتحدث عنها أوباما محوران، واحد يتصل بالموقف من ثقافة التطرف الديني التي تتشكل منها البيئة المنشطة للحركات الإرهابية، خصوصاً الوهابية وما تشكله من مرجعية عقائدية للتنظيمات التكفيرية، وضرورة القيام بإصلاح للمؤسسة الدينية يعزل رموز وثقافة التشجيع على التطرف، ومحور ثان يقوم على ضرورة السير سريعاً بخطوات تقوم على وضع دساتير للدول الخليجية تستند إلى ثنائية الوراثة والانتخابات، وتقاسم السلطة والثروة بين مكوّناتهما، عبر شكل من الملكيات الدستورية، التي تملك فيها الأسر الحاكمة امتيازات وأدواراً سياسية، بالتشارك مع حكومات تنبثق من انتخابات تتمثل فيها العائلات والعشائر والفاعليات الاقتصادية والتجار.
فيما تتوزع تطورات جنوب المنطقة، بين ما سيجري في اليمن وما سيجري بعده في كامب ديفيد، تتركز التطورات في شمال المنطقة، على ما يجري في القلمون، بعدما تسنى لمقاتلي حزب الله والجيش السوري السيطرة على ربع المنطقة الجردية الممتدّة على الحدود اللبنانية السورية، خلال أربعة أيام وهو زمن قياسي بالنظر إلى التوقعات المرسومة، من جهة، ولما حشدت قوى «جبهة النصرة» وحلفاء «القاعدة» ومن معهم إقليمياً ودولياً، من جهة مقابلة. وقالت مصادر عسكرية إنّ منطقة القلمون صارت أمام غرفة العمليات المشتركة للمقاومة وسورية أشبه بصحن بيتزا، جرى تقطيعه إلى أربعة أجزاء وقد تمّ التهام شطيرة الربع الأول، وقريباً سيكون للربع الثاني الذي يقع عليه الخيار أولى طلقات الاختبار الحارة.
لبنان لم يتأقلم مع ما يجري في القلمون، ولم تنجح أطراف النأي بالنفس، بالنأي بالخلافات حول القلمون عن ساحات التوتر، فبدا أنّ الموت السريري مقيم في مفاصل الحياة التشريعية والحكومية، الموت السريري مقيم في مفاصل الحياة التشريعية والحكومية، بعدما تمادى في الملف الرئاسي الذي سيكون على موعد مع جلسة في الخامس والعشرين من أيار، وإذا تعذّر الموعد لتزامنه مع عيد المقاومة والتحرير، يتمّ تحديد الجلسة في اليوم التالي، الثلاثاء 26 أيار، ببركة نجاح الجلسة التي عُقدت في ذلك التاريخ قبل سبعة أعوام وانتهت إلى انتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، وبركة مرور سنة على خروجه من الرئاسة ووقوع لبنان في الفراغ الرئاسي.
لبنان لم يتأقلم مع القلمون، لكن المهم ألا «يتقلمن»، فينتقل إليه الانقسام والاستقطاب والاشتباك من القلمون.
واصل الجيش السوري وحزب الله التقدم على جبهة القلمون حيث دمر مجاهدو المقاومة محمولتين عسكريتين للمسلحين وأوقعوا 7 مسلحين بين قتيل وجريح في منطقة ضهر الهوا في جرود يونين نحلة كما سيطروا على مرتفع قرنة عبد الحق المشرف على جرود نحلة اللبنانية الذي يبلغ ارتفاعه نحو 2428 متراً عن سطح البحر.
وذكرت مصادر أن عدداً من قيادات «جبهة النصرة» في جرد المعرة في القلمون سقط بين قتيل وجريح إثر استهداف الجيش السوري والمقاومة لمقراتهم خلال الاشتباكات في جبل الباروح وقد عرف من بينهم «أبو مصعب» و«أبو الوليد اليبرودي» و«أبو يعقوب» و«أبو بكر اللبناني» و«أبو عمر».
وأكد مصدر عسكري «أن منطقة القلمون تشهد عمليات تمهيدية لتمكين الجيش السوري والمقاومة من خوض المعركة النهائية لاحقاً». وأشار إلى «أن ما حصل حتى الآن هو تحديد ورسم خريطة الميدان وتحديد خطوط المواجهة وتلمس المفاتيح الرئيسية للمنطقة المستهدفة بشكلٍ يحصر المعركة باتجاه واحد يحول دون تشتت القوى المهاجمة ويمكنها من القتال على خطوط متعاقبة».
وأضاف المصدر «أن المرحلة الأولى للمعركة أدت إلى نتائج هائلة وقلصت مساحة المواجهة من 32 كلم إلى 8 كلم ثم دفعت المسلحين إلى انهيارات متتالية وخروج بعضهم من المعركة كلياً وانسحاب آخرين باتجاه الشمال».
وتابع: «أما الآن فإن حزب الله والجيش السوري يتابعان بخطى ثابتة عملياتهما العسكرية ويحققان إنجازات فاقت المتوقع في شكلٍ أدى خلال خمسة أيام من العمليات المستمرة إلى تطهير 220 كلم بجبهة تصل مساحتها إلى 30 كلم وعرضها 25 إلى 30 كلم وعمق 6 إلى 8 كلم، إذاً في المرحلة الأولى تم تطهير 220 كلم تشمل جرود عسال الورد وجرود بريتال وجرود الجبة التي أصبحت كلها خالية من المسلحين».
وأوضح المصدر «أن المواجهة الآن تتركز في شمال غربي الجبة باتجاه رأس المعرة وفليطا»، مشيراً إلى «أن أهم ما حققه حزب الله والجيش السوري أنهما يقاتلان في اتجاه واحد وظهيرهما محمي، معتبراً «أن المناورة نجحت لسببين: الأول هو أن العمل يسير في اتجاه واحد والثاني هو الاستعانة القصوى بالإسناد الناري الجوي والبري».
وتعليقاً على سيطرة المقاومة والجيش السوري على قرنة عبد الحق التي ترتفع 2428 متراً عن سطح البحر شدد المصدر على أن «كل المرتفعات لها أهمية استراتيجية وتسرع في تحقيق التقدم».
وإذ اعتبر «أن المعركة تسير وفقاً لمقتضيات الميدان وأن القائد الميداني هو الذي يحدد الخطوات المقبلة»، رفض «وضع توقيت محدد لانتهاء العملية أو تحديد الخطوات اللاحقة، تاركاً الأمر للمعنيين».
وأضاف المصدر «أن فرضية هجوم المسلحين على الجيش في عرسال نتيجة هروب المسلحين إليها فرضية قائمة»، لكنه أكد في الوقت نفسه «أن الجيش متنبه وحذر من هذا الأمر وسيكون بالمرصاد لهم ويملك الجاهزية الكاملة للمواجهة وهو لن يبادر بالهجوم إلا إذا تعرض للاعتداء».
وأبدى المصدر عدم استغرابه من ظهور أسلحة «إسرائيلية» بحوزة المسلحين التي عرضتها وسائل إعلامية، مستبعداً أي تدخل عسكري «إسرائيلي» مباشر في المعركة لأن أقصى ما ستقوم به «إسرائيل» هو إرسال رسائل تحذيرية ومد المسلحين بالسلاح وتقديم المعالجة الطبية لهم».
سلام يرجئ المواضيع الخلافية
حكومياً، وفيما يستكمل مجلس الوزراء جلساته لإقرار مشروع موازنة العام 2015 غداً الأربعاء، على أن يعقد جلسة عادية الخميس المقبل على جدول أعمالها 91 بنداً لم يدخل المجلس أمس في فصول يمكن أن تحتوي على خلافات بين الوزراء، فرئيس مجلس الوزراء تمام سلام يحاول أن يرجئ المواضيع الخلافية في إقرار مشروع الموازنة من جلسة إلى أخرى. وناقش مجلس الوزراء بنود الفصل الثاني من مشروع الموازنة الذي يتضمن المشاريع الإنمائية والإعمارية المركزية والمناطقية وتم الاتفاق على استكمال البحث في جلسة الغد. وعلمت «البناء» أن وزير الخارجية جبران باسيل طالب بإدراج مشاريع جدية لبعض المناطق، وأن وزير الصناعة حسين الحاج حسن طالب أيضاً بمشاريع لمناطق عكار والبقاع الشمالي وسانده في ذلك وزير العدل أشرف ريفي.
وأكد مصدر وزاري لـ«البناء» «أن جلسة الأمس لم تشهد أي تقدم على صعيد إقرار الموازنة العامة»، لافتاً إلى «أن المواقف لا تزال على حالها»، معتبراً «أن الموازنة باتت كالمسلسلات الطويلة».
ولفت إلى «أن وزير المالية علي حسن خليل شرح في الجلسة برامج القوانين التي ستضم إلى الموازنة»، معتبراً «أن المسائل الخلافية مؤجلة وفي الجلسة المقبلة سينتهي البحث بالأمور المتفق عليها لتبدأ مناقشة المسائل الخلافية في الجلسة التي تليها».
وشدد المصدر على «أن عدم إدخال سلسلة الرتب والرواتب ضمن الموازنة غش للناس، لأن النفقات المتوقعة للسلسلة يجب أن تُضمن ضمن مشروع الموازنة خصوصاً «أن مشروع السلسلة أرسلته الحكومة السابقة إلى مجلس النواب».
وفي السياق نفسه، أكد رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط انه «لم يعد مقبولاً الاستمرار في تأجيل إقرار الموازنة العامة بعد سنوات متتالية من تجاهلها، لافتاً إلى أنها القانون الذي يرسم السياسة المالية للدولة ويعكس رؤيتها الاقتصادية الشاملة. وفي ما يتعلق بتشريع الضرورة، شدد جنبلاط في حديث إلى «الأنباء» الكويتية، على أننا بحاجة ماسة لتلافي تأخيره لأي وقت إضافي، نظراً إلى عدد القوانين والمشاريع المعلقة والتي تنتظر إقرارها. ولفت جنبلاط إلى أن هيئات التمويل الدولية تلوح بسحب تمويلها لعددٍ كبير من المشاريع الإنمائية الحيوية بسبب عدم إقرارها في مجلس النواب.
إلى ذلك لم يطرأ أي جديد على صعيد مواقف الكتل السياسية يستدعي من رئيس المجلس نبيه بري تحديد موعد للجلسة. وكشف وزير المال علي حسن خليل في مؤتمر صحافي بأن لبنان مهدّد بخسارة فرصة أكثر من 600 مليون دولار مقرّة من البنك الدولي كمشاريع جاهزة بحاجة إلى اتفاقات تقّر في المجلس النيابي، وللأسف إذا لم تطلق عملية التشريع فهو مهدد بخسارة فرصه في الخطة المقبلة للسنوات الثلاث المقبلة والتي ربما تصل إلى حدود أكثر من مليار ومئتي مليون دولار هو في أمس الحاجة إليها لإطلاق المشاريع التي يمكن تمويلها اليوم من المصادر الخاصة للدولة».
الجلسة 24 لانتخاب الرئيس غداً
وقبل 12 يوماً من انتهاء العام الأول للفراغ الرئاسي تعقد الجلسة 24 لانتخاب رئيس جمهورية غداً ولن تكون أفضل حالاً من الجلسات التي سبقتها من حيث عدم اكتمال النصاب. واعتبر حزب «الكتائب» أنّ «دنو موعد الخامس والعشرين من أيار يجسد دلالات مخيبة بحق الديموقراطية اللبنانية وتداول السلطة»، لافتاً إلى أن «الفراغ الرئاسي لم يعد بعد عام على سريانه، يمثل موقفاً سياسياً، بل بات يشكل تهديداً للنظام والكيان، وضرباً للتقاليد الديمقراطية، ودفعاً للبلاد نحو الفراغ على كل الصعد».