قوة سير خاصة
فادي عبّود
يختلف العقل الاقتصادي عن العقل السياسي في لبنان، علماً أنّ السياسة البعيدة من الأسس الاقتصادية أصبحت اليوم من التاريخ ولا دور لها في المستقبل.
الكلفة الاقتصادية لوضع حركة السير في لبنان كبيرة وكبيرة جداً وتأتي الكلفة البيئية والصحية أيضاً وأيضاً لتزيد الطين بلة، وبالطبع كتبنا عن هذا الموضوع منذ التسعينات محاولين أن نلقي بعض الضوء على الطريقة الأسلم للتعاطي مع هذه المعضلة من كلّ جوانبها. لن أدخل الشق القانوني وبعض بنود القانون التي يجب إعادة النظر فيها، ولكن سأحاول مع القراء أن أركز على موضوع لا أحد يريد أن يركز عليه. في لبنان من المستحيل الإصلاح من دون عدّة إصلاح،فلا يستطيع أحدهم إصلاح سيارة، براد، طائرة إلخ من دون عدة. إذا أتاك طبيب ومعه عدة سنكري، هل تصدّق أنّ هذا الطبيب يمكنه أن يحلّ مشاكلك الصحية؟
فما هي العدّة المطلوبة لتنفيذ هذا القانون بالفاعلية المطلوبة، ولنبدأ بالعنصر البشري وهو العنصر الأهمّ، فكلّ شرطة السير عناصراً وضباطاً بحاجة إلى إعادة تأهيل، والأهمّ إلى دم جديد، كذلك يجب التعاون مع مدرّبين من قوى السير الأوروبية والخضوع لجلسات تدريب قانونية نظرية وتدريب عملي على الأرض قبل أن نطلب منهم تطبيق قانون لا يفهمون منه شيئاً. لذا اقترحنا وسنستمرّ بالاقتراح كما فعلنا خلال خدمتنا في الوزارة لنقول إنّ لبنان بحاجة إلى قوة سير خاصة، ربما يستطيع بعض العناصر الحاليين التأقلم، فيُصار إلى غربلة العناصر الكفوءة، وإذا استطاعت العناصر القديمة التأقلم مع الأساليب الجديدة فأهلاً وسهلاً بهم. أما إذا لم يستطيعوا فمن الممكن إحالتهم كالعادة ليصبحوا مرافقي شخصيات يوجد منهم في لبنان بحسب دراسة اطلعنا عليها مع الأخذ في الاعتبار المرافقين للعسكريين الضباط أكثر من 5000 مرافق، وهذه للمعلومات العامة ليس إلا.
لنعد إلى معضلة السير، فنحن بحاجة إلى العنصر البشري المدرّب والمزوّد بمعدات، أيّ عدة، وهذه تكون سيارات من عدة ماركات وألوان لكي لا تكون ظاهرة ومعروفة ومجهزة أولاً برادار وأجهزة كشف الكحول وكاميرات وكومبيوتر موصول بمصلحة تسجيل السيارات والميكانيك. كذلك سيارات فقط للتصوير وهذه نراها في شوارع عدة في أوروبا، حيث تجوب الشوارع لتصوير المخالفات ويأتي محضر المخالفة إلى البيت. والأهمّ تجهيز كلّ الشوارع بكاميرات مراقبة.
هل يصدق أحدكم أنه من الصعب منع ركن السيارات صفاً أو صفين وثلاثة في شارع بلس أو القنطاري أو إلى جانب المدارس إلخ… كاميرا واحدة على رأس الشارع ومحاضر مخالفة لا يستطيع القضاء إلغاءها مهما كلف الأمر، كفيلة بإنهاء هذه الظاهرة المتخلفة نهائياً من لبنان. أجريت شخصياً محاولة لكشف نسبة السائقين والركاب الذين يضعون أحزمة الأمان، بدأنا بحوالى 90 في المئة عند إطلاق القانون، أما اليوم فالنسبة هي حوالى 60 في المئة. إذا أطلقنا سيارات التصوير أؤكد لكم أنّ النسبة ستصبح تلقائياً مثلها مثل البلدان المتقدمة.
ومن أساس العدة المطلوبة إشارات السير ـ التزييح ـ العلامات الطرقية ـ والأهمّ من كلّ هذا الكاميرات ونظام الرقابة الالكترونية في كلّ الشوارع وعلى كلّ إشارة كهربائية يجب تركيز كاميرا وسيارات تصوير متجوّلة على جميع الأراضي اللبنانية.
كما ذكرنا يجب بعد العدة التركيز على القوة البشرية اللازمة التي تستطيع أن تؤمّن دخلاً يكفي ثمن وتكاليف كلّ العدة المطلوبة إضافة إلى رواتب العناصر وتوفير عشرات الملايين من الدولارات والكثير من الأرواح.
أخيراً، قرأت الموقف الأسبوعي لمعالي الوزير وليد جنبلاط حيث يتساءل عن الضرائب الفظيعة على السيارات الهجينة وحتى العاملة على الكهرباء، وكنا قد حاولنا إعفاء هذه السيارات من الجمارك، وبالطبع قيل لنا إنّ هذا يتطلب تعديلاً للقوانين لأنّ الرسوم الجمركية تُفرض بقانون، ولكن في الواقع إنّ الرسوم الباهظة ليست جمركية فقط بل هي رسوم استهلاكية وتسجيل… الخ، وهذه كلها يمكن تعديلها بموجب قرارات صادرة عن مجلس الوزراء وفي بعض الأحيان عن وزير المالية فقط، من الممكن إعفاء هذه السيارات من رسوم التسجيل ومن رسوم الاستهلاك ويتمّ ترك الرسوم الجمركية على ما هي عليه، فيتمّ توفير أكثر من 25 في المئة من الرسوم على السيارات الهجينة والكهربائية ولكن من الواضح أنّ التقارير التي أتت من المالية، كما ذكر وزير المالية في حكومة الميقاتي، كانت تقول إذا خفضنا الرسوم على هذه السيارات سينتقل المواطن لشراء السيارات الهجينة وستنخفض مداخيل المالية. نعم حتى لو كان هذا على حساب البيئة وصحة الناس. إننا بحاجة ماسة إلى ترويج واستعمال هذا النوع من السيارات بعد أن وصلت الحالة البيئية إلى وضع مزرٍ.
وزير سابق