اضطرابات أوكرانيا: هل افتعلتها «إسرائيل» لتنشيط الهجرة اليهوديّة؟
حميدي العبدالله
لدى اندلاع الاضطرابات في أوكرانيا تحدثت وسائل الإعلام عن دور لجماعتين في تفجير هذه الاضطرابات، وإطلاق النار، وقتل عدد من المتظاهرين وإلصاق التهمة بسلطة يانكوفيتش. الجماعة الأولى هي اليمين المتطرّف الذي تعاون مع النازيين، والجماعة الثانية بعض الجهات اليهودية، ولا سيما بعض الحاخامات.
وفي وقت لاحق برز بوضوح دور «إسرائيل» وجماعات يهودية في دعم الجهات التي أسقطت يانكوفيتش وتشهر العداء لروسيا.
البعض فسّر وقوف «إسرائيل» وجماعات يهودية إلى جانب السلطة الجديدة في أوكرانيا استناداً إلى الحلف الدائم والوثيق بين «تل أبيب» وواشنطن، وطالما أنّ واشنطن هي المحرّك الرئيسي للحوادث في أوكرانيا فمن البديهي أن تساندها «إسرائيل» بكامل قدراتها، وتوظف نفوذها أينما كان لخدمة المصالح الأميركية كون الولايات المتحدة الحليف الاستراتيجي، وتقدم الدعم غير المحدود لـ»إسرائيل» التي يتوجب عليها ردّ الجميل بالمسارعة إلى مساندتها في كلّ منطقة تخوض فيها مواجهة.
قد يبدو هذا الاستنتاج منطقياً للوهلة الأولى، لكن عرف عن «إسرائيل» أنها تلتزم الحياد عندما ينشب خلاف أو حتى صراع بين الولايات المتحدة وأي دولة أخرى ليس لـ»إسرائيل» مصلحة في استعدائها، وروسيا تعتبر بين هذه الدول التي تحرص «تل أبيب» على عدم استعدائها خوفاً من رد فعلها، وكي لا تعطيها المبرّر لأن تذهب بعيداً بالتعاون، لا سيما على الصعيد العسكري مع أعداء «إسرائيل»، وفي مقدّم هؤلاء الأعداء سورية وإيران، وهذا ما لحظه دبلوماسي «إسرائيلي» عندما فسّر موقف «تل أبيب» الرسمي الحذر من حوادث أوكرانيا، وقال إنّ هذا الموقف يعود إلى «الخوف من قدرة روسيا الكبيرة على الإيذاء».إضافةً طبعاً إلى الدور الكبير الذي يلعبه اليهود في «إسرائيل» من أصل روسي لإبقاء العلاقات بين «تل أبيب» وموسكو بعيدة عن التشنج والعداء.
في ضوء هذا الواقع، لا بدّ من أن تكون هناك عوامل أخرى تتصل مباشرةً بمصالح جوهرية للكيان الصهيوني هي التي دفعت «تل أبيب» إلى اعتماد سياسة خاطرت فيها بعلاقاتها مع روسيا واتخذت مواقف معلنة من الأزمة الأوكرانية مناهضة لمواقف روسيا، ولعبت دوراً كبيراً في تحريك الاضطرابات وتصعيدها وإيصالها إلى مرحلة الفوضى العارمة.
في الأيام القليلة الماضية تسرّبت بعض المعطيات التي تلقي الضوء على حقيقة الدوافع التي حفّزت «إسرائيل» على تفجير الاضطرابات في أوكرانيا والعمل على تصعيدها، والسعي إلى إثارة الفوضى، وتقويض وجود أي سلطة قادرة على توفير الأمن والاستقرار. فقد أعلنت الوكالة اليهودية الأسبوع الماضي «أن عدد المهاجرين من الأوكرانيين اليهود إلى «إسرائيل» زاد بنسبة 142 خلال الأشهر الأربعة الأولى من السنة الحالية، مقارنة مع الفترة نفسها من عام 2013» وتوقعت «أن تزداد هذه النسبة مع تصاعد الاضطرابات» وهذه الزيادة رافقت الأشهر الأربعة التي شهدت الاضطرابات الحادة في أوكرانيا.
معروف أنّ توقف الهجرة إلى فلسطين المحتلة أو تباطؤها يشكل جرس إنذار لـ»إسرائيل»، ومنذ فترة طويلة نسبياً، وتحديداً بعد موجة الهجرة الكثيفة التي أعقبت سقوط الاتحاد السوفياتي تباطأت الهجرة إلى فلسطين تحت تأثير عاملين:
العامل الأول، حالة اللايقين في «إسرائيل» حول قدرة الجيش «الإسرائيلي» على توفير الأمن على النحو الذي كان عليه الحال قبل عقد التسعينات.
العامل الثاني، الأوضاع الاقتصادية في الكيان التي لا توفر مستوى من الرفاه يوازي ما يمكن أن يحصل عليه اليهود في الدول الغربية.
في ضوء تراجع معدلات الهجرة، تلجأ «إسرائيل» عادة إلى افتعال اضطرابات في مناطق يقطنها يهود لدفعهم إلى الهجرة. حدث ذلك في أثيوبيا في الثمانينات والتسعينات لدى تهجير يهود الفلاشا من هناك، ويحدث اليوم في أوكرانيا.