غزوة اليمن… الرسائل والأهداف الحقيقية!
محمد ح. الحاج
التزمت العائلة السعودية عبر عقود طويلة سياسة المكر والدهاء والتآمر وكانت الوسيلة الأنجع هي المال والعلاقات السرية المشبوهة، والحفاظ على علاقات «شبه طبيعية» مع الجهات والدول التي يتآمرون عليها، وخير دليل مراسلات الملك فيصل مع الرئيس الأميركي جونسون وتحريضه العدو الصهيوني لمهاجمة مصر وسورية والفلسطينيين في حينه عام 1967 ، ملتزماً التعويض على العدو الصهيوني، وطلب السماح له بتعويض الأنظمة المهزومة على حدّ قوله: «ارحموا عزيز قوم ذل» لكسب الشعب في تلك الدول، ما دفع بشخصية أميركية للقول: «هي سياسة ثعالب الصحراء وأثرياء النفط المحدثين».
يقول البعض إنّ الحكمة هي من يقود إلى سياسة المكر والدهاء والتآمر، ويبدو أنّ حكام المرحلة الجديدة من آل سعود وقد وصفهم البعض بقلة الخبرة وانعدام التجربة غادرتهم الحكمة فركبوا المركب الخشن وأسفروا عن وجوههم الحقيقية، فما الذي دفعهم في الواقع إلى استبدال مؤامرات الدولار بواقع القنابل والصواريخ؟ وهل بلغت بهم مشاعر القوة وترف المال إلى محاولة البروز كقوة كبرى في المنطقة؟ وهذا خطأ استراتيجي كما قال الرئيس الإيراني مع ذلك لم يجرؤوا على الفعل منفردين رغم انعدام التوازن بين قوتهم والقوة اليمنية، فلجأوا إلى عقد تحالف، بعضه إملاء وتبعية كما في حالة دول مجلس التعاون الخليجي، وبعضه الآخر إغراء بالمال كما في الحالة المصرية والسودانية والمغربية والباكستانية، ومن المنطق أيضاً القول بأنّ المعونة اللوجستية والاستخبارية الأميركية مدفوعة الأجر سلفاً، كما تفوح رائحة فضيحة مشاركة العدو الصهيوني في العدوان.
لماذا مهاجمة اليمن؟
يذهب المحللون مذاهب شتى في تبرير وتوصيف غايات مملكة آل سعود من شنّ الحرب على اليمن، لكن أوهى تلك الغايات هي إعادة الشرعية الملتبسة للرئيس هادي، فآل سعود غير معنيين بمن يحكم اليمن إلا أن يكون من غير الموالين، حتى في حالات الانقلاب العسكري، وتجربتهم القديمة السابقة في الستينات خير دليل والتي أنتجت صداماً مع الجيش المصري وعبد الناصر واستنزفت القوى العربية لصالح العدو الصهيوني الذي ساهم في تأجيج الحرب والوقوف مع آل سعود بالقوة الأميركية وإمدادات السلاح والمعلومات، وربما تدخل بقواه سراً إلى جانبهم، واستطراداً يمكن طرح السؤال التالي: هل كانت الخسائر والنتائج التي فرضت نفسها بعد معارك اليمن هي من دفعت الملك فيصل للاستنجاد بالعدو الصهيوني واستخدام المكر والدهاء في الادّعاء بتعويض مصر وسورية عن خسائر العدوان التي جاءت نتائجه كما أراد الملك السعودي، في الوقت الذي قام بالتعويض كاملاً على العدو واستخدام فائض المال السعودي لتحديث سلاح جيش العدو خصوصاً في مجال الجو…!
وظيفية استباقية
استشراف التغيير في اليمن وانتقال الموقف اليمني من ضفة إلى أخرى من اختصاص مراكز الدراسات والأبحاث الغربية، والمؤكد أن ليس لدوائر آل سعود القدرة والإمكانية لاستقراء أبسط من ذلك بكثير، وبما أنّ من المهام الأساسية لقيام مملكة آل سعود طبقاً لتعهّد المؤسس عبد العزيز الخطي هي منح فلسطين «لليهود المساكين» والعمل على حمايتهم وعدم الخروج على رأي بريطانيا علة وجودهم إلى أن تصيح الساعة، فإنه يمكن القول إنّ غزو آل سعود لليمن يندرج توصيفاً في سياق حرب وظيفية استباقية بالوكالة عن الصهيو- أميركية التي أعطت الضوء الأخضر، والتي استبدلت خططها بمهاجمة الدول العربية بخطط الوقيعة بين بعضهم البعض منذ العام 1991، وطوّرت تلك لعمليات لتصبح تحالفات عمادها السعودية وثروتها مع الشركاء الذين يدورون في الفلك الأميركي وعلى رأسهم تركيا ومصر وآخرين، وباعتبار أنّ السعودية تواجه حالياً العديد من الهزائم للمشاريع الموكلة بالحفاظ على سيرورتها، وهي في الأصل مشاريع صهيو أميركية تستهدف المنطقة في العراق والشام ولبنان، فقد أسقط حكامها مبدأ التقية في التآمر وأسفروا عن أنيابهم التي استطالت معتقدين أنهم بذلك يوجهون رسائل متعددة تبعث الرعب يقلب من يقف في وجه تلك المخططات، من هنا يبدو حجم الدمار والخراب غير المسبوق في حروب المنطقة عدا عمليات العدوان التي ارتكبها العدو الصهيوني رسالة بالغة القوة يلوّحون بها في وجه إيران وسورية ما دفع بالمندوب السوري في مجلس الأمن إلى توجيه رسالة معاكسة بالغة التحدّي للمندوب السعودي، ولا شك أنّ العائلة الحاكمة تلقتها بجدية لا يمكن بعدها محاولة التجربة بعيداً عن اليمن حتى لو انتصرت عليه بالضربة القاضية، وهي لن تنتصر، ولنتذكر أنّ اليمن ليس مقبرة الأناضول فقط بل هو مقبرة لكلّ الغزاة.
التغيير الذي كان محتملاً في اليمن سيصبح أمراً واقعاً، وسينتقل اليمن من محور التبعية للغرب إلى استقلالية القرار والوقوف إلى جانب محور المقاومة والدفاع عن الحقوق الفلسطينية في وجه المشروع الصهيو أميركي الإلغائي للوجود الفلسطيني والهادف إلى السيطرة على المنطقة المشرقية لفرض «إسرائيل الكبرى» أو ما اصطلح على تسميته «الشرق الأوسط الجديد ـ الكبير»، والخطر الذي كان محتملاً من سيطرة محور المقاومة على مضيق باب المندب قد يصبح واقعاً أيضاً، وهو بطبيعة الحال لا يشكل خطراً على الملاحة والمصالح العربية، أما ما كسبته المملكة السعودية جراء عدوانها فهو العداء التام لأغلب الشعوب العربية بعد انكشاف عروبة آل سعود المزيّفة، واصطفافهم إلى جانب العدو الصهيوني والدفاع عن مصالحه بشكل سافر، وكشف عريهم الأخلاقي بعد سقوط ورقة التوت.
الشعب اليمني لا ينام على الضيم ومعروف عنه الصبر والاحتمال إلى أن تحين ساعة الثأر، أما الذين سيكون نصيبهم الحرمان من النوم والراحة والطمأنينة فهم آل سعود إلى أن تحين ساعتهم ويسقطهم شعب الجزيرة الذي عملوا على تخديره والسيطرة عليه بشتى الأساليب ومنها التدجين والتجهيل السياسي ودفعه إلى اللهو رغم نصفه الفقير الجائع.
استهداف طيران التحالف بقيادة آل سعود لكلّ البنى التحتية، المدنية والدينية في الدولة اليمنية، حتى المساجد والآثار والملاعب الرياضية والطرق والجسور والأبنية السكنية بما في ذلك قصور الرؤساء والمسؤولين إنما ينمّ عن حقد مذهبي مكنون، ويعتبر في القانون والعرف الدوليين جرائم بحق الإنسانية وجرائم حرب كما وصفها مسؤول أممي، ولا بدّ أن يأتي اليوم الذي لا تستطيع فيه الولايات المتحدة الدفاع عن عائلة من القتلة المجرمين ليمثلوا أمام المحاكم الدولية منها أو المحلية فينالوا جزاءهم العادل.
إذا كانت غزوة اليمن تذكر آل سعود الحاليين بـ«أمجاد» غزوات آبائهم من قبل، فهي ستكون الأخيرة على الأرجح قبل السقوط، وإذا كانت الغاية منها توجيه رسالة للدولة الإيرانية فقد وصلت وقوبلت من المسؤولين الإيرانيين بسخرية ما بعدها سخرية، وأما الرسالة باتجاه سورية فقد كان الردّ عليها في منتهى البلاغة، ويقول المثل «من جرّب المجرَّب فعقله مخرّب»، وخير ما يمكن قوله لأشباه الرجال من أحفاد عبد العزيز: «الجيش السوري بالغ النضج وجرّبه أسيادكم في أكثر من موقعة، وأغلب الظنّ أنكم لا ترغبون بجرعة من كأس مزاجها الحنظل».