تحييد الاقتصاد… المهمّة المستحيلة

إنعام خرّوبي

فيما ينشغل السياسيون اللبنانيون بخلافاتهم وانقساماتهم، ينغمس المواطنون في معاناتهم التي هي في جزء منها نتيجة لتلك الخلافات، فيما بعضها الآخر تحصيل حاصل لما يجري في الجوار والإقليم.

وبين فكي كماشة التجاذبات السياسية الداخلية، والصراعات الدائرة في المنطقة، يقبع الاقتصاد اللبناني الذي يئنّ تحت وطأة دين عام تجاوز السبعين مليار دولار ومعدّل بطالة آخذ في الارتفاع وهجرة متزايدة لشباب غالباً ما تكون بلاد الله الواسعة سوق العمل التي يتخرّجون إليها من الجامعة، بعد أن ضاق الوطن بأهله وبأحلام شبابه.

نسمع كثيراً في الخطابات السياسية للمسؤولين المعنيين مباشرة بالاقتصاد، دعوات إلى تحييد الاقتصاد عن السياسة والنأي به عمّا يعصف بالمؤسستين التشريعية والتنفيذية من خلافات حول ملفات أساسية، ليكون ذلك أشبه بمهمّة مستحيلة في بلد العجائب، بلد أمنه سياسي واقتصاده سياسي، وحتى رغيف الخبز فيه سياسي أيضاً.

فإذا بدأنا من الموازنة، فإنّ لبنان لم يقرّ موازنة منذ عشر سنوات، وما زالت الموازنة العتيدة رغم الجلسات المتتالية التي خصّصت لمناقشتها رهن اتفاق الفرقاء السياسيين حولها.

أما بالنسبة إلى سلسلة الرتب والرواتب فلا يزال الموظفون «عالوعد يا كمّون»، فهم لا يلبثون أن يغادروا الشارع حتى يعودوا إليه مجدّداً بعد أن تذهب وعود السلطة بإقرارها في صيغة منصفة أدراج الرياح.

والأخطر من ذلك كله هو أزمة النزوح السوري بعد أن تجاوز عدد النازحين المليون ونصف المليون نازح مسجل، ناهيك عن الأعداد غير المسجلة ، مع ما يشكله هذا النزوح من عبء على الاقتصاد والديموغرافيا والبنى التحتية، وفي هذا المجال أيضاً حالت الخلافات السياسية دون وضع خطة واضحة لمواجهة هذه الأزمة وانعكاساتها، وما زاد الطين بلة أنّ وعود الدول المانحة لمساعدة النازحين لا تزال حتى الآن حبراً على ورق.

كانت للشغور الرئاسي الذي يبلغ عامه الأول هذا الشهر، آثار فادحة على الاقتصاد وعلى الثقة بلبنان، كما انعكس على قطاعات منتجة مثل القطاع السياحي والمصرفي، وقد سجلت الفترة الماضية تراجعاً في الاستثمارات والطلب عليها، بالإضافة إلى ما تبعه من تعطيل للتشريع في المجلس النيابي ما حال دون إقرار مشاريع قوانين ضرورية جداً، وقد حذر وزير المال علي حسن خليل مؤخراً من أنّ لبنان معرّض لخسارة مئات الملايين من الدولار من عقود واتفاقيات دولية إذا لم يتمّ عقد جلسة تشريعة لمجلس النواب لإقرار هذه المشروعات.

بالإضافة إلى ذلك كله، لم يتوصّل السياسيون حتى الآن إلى اتفاق يؤدّي إلى إقرار المراسيم التطبيقية لقانون التنقيب عن النفط.

أمام هذا الوضع الذي يختلط به حابل التشريعي بنابل التنفيذي، نسأل: هل يمكن الحديث عن تحييد للاقتصاد عن السياسة، وهل يمكن أن يترفّع السياسيون عن مصالحهم الفئوية الضيقة لإنقاذ ما تبقى من اقتصاد ومن ثقة بهذا الوطن؟

لماذا لا تنعقد طاولة حوار اقتصادية، بمشاركة أطراف الإنتاج الثلاثة، الدولة وأصحاب العمل والهيئات العمالية والنقابية، تبحث في وضع خطة شاملة لحماية القطاعات الإنتاجية المختلفة، وتمكينها من النهوض بالاقتصاد الوطني، الأمر الذي يحدّ من البطالة ويخلق فرص العمل للمتخرّجين الجدد؟

على أنّ كلّ ذلك مرتبط أولاً وأخيراً بالسياسة، لأنّ الأساس الذي لا بدّ منه لإعلاء هذا البنيان يتمثل بإطلاق عمل المؤسسات التشريعية والتنفيذية، وإنهاء عطلتها التي طالت كثيراً وباتت تهدّد بأسوأ العواقب!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى