«فخامة تمام سلام وشركاه» يعطّلون انتخاب الرئيس!
د. وفيق ابراهيم
يُضيفُ تمام سلام لقباً جديداً إلى ألقابه المتعددة، استناداً إلى الدستور الذي ينيط بالحكومة صلاحيات رئيس الجمهورية، في حال تعذر انتخاب خلف له بعد انتهاء ولايته.
في الخامس والعشرين من أيار الجاري يرحل ميشال سليمان كئيباُ ويصبح «التمام» رئيساً لجمهورية لطالما كانت من أحلام الشهيد رفيق الحريري، وللأمانة فإن اللقب سيشمل مجلس الوزراء «مجتمعاً» إنما على مستوى تصريف الأعمال فحسب.
لكنّ الحبكة ليست هنا، بل بدأت قبل عدة أشهر عندما قبل حزب المستقبل الذي يترأسه سعد الحريري، ابن الشهيد، بتشكيل حكومة مع حزب الله بعد امتناع دام عشرة أشهر ونيّفاً. وكان «المستقبل» يشترط انسحاب حزب من سورية كي يقبل بالحكومة… وازدادت مشاركة الحزب في القتال في سورية، ونال «المستقبل» حصة الأسد في حكومة تمام سلام، تسوية بين مقاومة وانتهازي.
فلماذا قبل إذن؟ لسببين: الأول نجاحه في الاستئثار بوزارات أمنية واقتصادية وقضائية وخدماتية هي الأهم من نوعها، إلى جانب رئيس الحكومة «التمام» الذي ينتمي إليه. والدهاء موجود في السبب الثاني، ولعلّه من ابتكارات السنيورة ومراجعه إقليمياً ودولياً، ويقتضي العمل فيه تعطيل انتخاب رئاسة الجمهورية لتتسلم حكومة «سلام» البلاد في مرحلة الفراغ الرئاسي. وهذا يتطلب طرح مرشحين غير مقبولين من طرف حزب الله وحلفائه، فالسنيورة يعرف أن الدستور اللبناني يشجع بشكل غير مباشر على عقد التسويات في بلد متعدّد المذهب والطائفة.
لذلك يشترط نصاباً نيابياً بثلثي عدد المجلس، وهذا مستحيل من دون توافق مسبق بين المتناقضين. ولذلك يندرج ترشيح السيد سمير جعجع المرفوض تاريخاً وحاضراً ومستقبلاً في إطار «نصب الأزمة» لأهلها، إنما عن قصد وإعداد وتمهيد للوصول إلى الفراغ الرئيسي.
قد يبادر أحدهم إلى التساؤل عن الهدف من وراء ذلك. الجواب كامن في حكومة سلام نفسها التي يمسك «المستقبل» القريب من السعودية بمجمل حقائبها الأساسية، العدل والأمن والدفاع والاتصالات، وهي نماذج كافية لإظهار السيطرة على الحكومة… وربما تمكنت في مرحلة الفراغ الرئاسي من تسيير مقاولات وأعمال إضافية تربك المال العام والتوازن الاجتماعي، مثلما فعل الشهيد رفيق الحريري الذي تلاعب بالدوائر الانتخابية في لبنان محدثاً مناقلات في أصوات الناخبين من دوائر إلى أخرى بسيطرته على وزارة الداخلية، ما أدى إلى تغيير في الهويات المذهبية والطائفية لبعض الأقضية والبلدات.
تستطيع حكومة تصريف الأعمال أو حكومة «فخامة تمام سلام وشركاه» افتعال إشكالات داخل الحكومة، والانقلاب على الاتفاق بالعودة إلى نغمة تجريد حزب الله من سلاحه وضرورة انسحابه من سورية… ذلك كلّه ممكن… لكنّ ما يتجاهله مخطط السنيورة وقد لا يعرفه هو أن هناك طرفاً وازناً داخل «حكومة الفخامة» ممسوك من حزب الله وتحالفاته ولديه قوة الاستعصاء في وزاراته والإفادة منها إلى الحدود القصوى. والأهم أن «السلطة على الأرض» هي في معظمها «لفخامة حزب الله وشركاه»، ما الذي يجعل مخطط السنيورة ومرجعياته في الإقليم والخارج، أشبه بإرهاصات مصابين بأحلام صبية يحاولون استدراج تدخل غربي و»إسرائيلي»، متكلين على التأثير السعودي ومكامن النفط والغاز في المتوسط.
هكذا يتضح أن تعطيل انتخاب رئاسة الجمهورية موجود في طيات «ترشيح سمير جعجع» وإصرار «المستقبل» عليه، وترشيحه أسماء أخرى لا تتمتع بإمكانات توافقية. ما يؤكد أن نية «المستقبل» الواضحة الاستيلاء على رئاسة الجمهورية تحقيقاً لحلم قديم كان يراود الشهيد الحريري الذي عمل لأكثر من عقدين من الزمن لوضع يده على كامل لبنان، مستنداً إلى فتوى من ولي الأمر السعودي الذي أباح له بلاد الشام.
فهل يرعوي الذين يضعون سلامة الوطن رهناً لمصالحهم وينتبهون إلى أن ساعة «الغفلة» متى أتت فإنها تطيح مَنْ لم ينتبه إليها. عودوا إلى رشدكم، فتوازنات القوى في سورية والعراق بدأت تميل لمصلحة «فخامة حزب الله وشركاه» في عصر القيصر بوتين الذي علم الجميع أن حدود بلاد الشام أصبحت في أوكرانيا، وحدود لبنان ينصبها أبطال الجيش السوري في تحرير حمص والقلمون وريف دمشق وأحياء حلب، وصولاً إلى السراي الحكومي في لبنان التي تحتاج إلى مجلس وزراء يهتم بشؤون لبنان لا بمصالح النيوليبرالية المحلية والعالمية.
لا شك في أنّ من حفر الحفرة هو واقعٌ فيها لا محالة، فالمشروع المقاوم منتصر من بحر قزوين إلى المتوسط، بدماء أبطاله، في حين أن المتآمرين والمتخاذلين ذاهبون إلى جهنم وبِئس المصير.