هل وافقت روسيا على مشروع تقسيم سورية؟!

هشام الهبيشان

في وقت كثر الحديث عن مستقبل وطبيعة العلاقة بين الدولة الروسية والدولة السورية في المقبل من الأيام، وخصوصاً بعد ما نشر في إحدى الصحف الصهيونية «معاريف» أخيراً وحمل مجموعة تفاصيل مضللة وغير موثقة بدلائل عن تفاهم روسي – أميركي لتقسيم سورية، هذه الأخبار المضللة التي أوردتها الصحيفة العبرية، تزامنت تقريباً مع أخبار أخرى حملتها صحيفة «نيويورك تايمز» قبل ما يقرب الشهرين من اليوم والتي تحدثت عن مفاوضات سعودية – روسية، تتمحور أهدافها حول قبول الروس بالتخلي عن حلفهم مع الرئيس السوري بشار الأسد مقابل التزام السعوديين تخفيض إنتاجهم من النفط، ما يعني ارتفاعاً سريعاً جداً في أسعار النفط، ما سيساعد الاقتصاد الروسي على التعافي من أضرار انخفاض أسعار النفط .

حديث هذه الصحف كان له وقع خاص في الفترة الأخيرة، وكانت له أبعاد وتأويلات عدة، وهذا بدوره ما دفع قبل ما يقرب الشهرين المتحدث الرسمي باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف للرد على هذه المعلومات الصحافية التي حملتها صحيفة «نيويورك تايمز»، قائلاً إن هذه المعلومات «ليست إلا افتراءات صحافية، قد يكون رد بيسكوف حينها قد أقنع بعض المتابعين، ولكن لليوم لم نسمع أي رد روسي رسمي عما حملته الصحف الصهيونية عن التفاهم الروسي – الأميركي لتقسيم سورية، مع العلم أن للسعوديين والأميركيين تجارب كثيرة في مسار المساومات مع الروس بخصوص التنازل عن حلفهم مع الدولة السورية، وهناك أوراق مساومات طرحها جون كيري وجو بايدن وماكين وبندر بن سلطان ومحمد بن نايف وسعود الفيصل للتفاوض مع الروس بمراحل زمنية مختلفة، ولكن صمود الدولة العربية السورية، وثبات موقف بعض القوى والنخب الرسمية والشعبية والسياسية داخل روسيا، هو من أجهض بالكثير من المراحل أوراق المساومات الأميركية- السعودية التي كانت تُقدّم للروس.

ومع ثبات موقف بعض القوى السياسية والأمنية بالداخل الروسي وبالتزامن مع استمرار صمود الدولة العربية السورية تجاه الحرب المفروضة عليها، وبالتزامن مع اشتداد موجة الضغوطات الأميركية – السعودية على الروس بخصوص ملفي أوكرانيا – سورية وما صاحب كل هذا من موجة عقوبات اقتصادية على الروس، ومع ظهور طبيعة جديدة لهذه الضغوطات الاقتصادية تمثلت «بحرب النفط – والانخفاض المتلاحق بأسعار النفط» ومع بروز حلف جديد سعودي – أميركي – فرنسي – قطري – تركي، يستهدف ضرب محور روسيا – إيران – سورية، ومع تصاعد حجم الضغوط السياسية والاقتصادية والأمنية على الروس «تحديداً»، أصبح وبات واضحاً أن النظام الاقتصادي الروسي أصبح برمته بمرحلة خطيرة نتيجة لتأثره المباشر بانخفاض أسعار النفط عالمياً.

الروس بدورهم يدركون حجم الخطورة التي ستفرزها الضغوطات الأميركية – السعودية – الفرنسية – التركية – القطرية، وخصوصاً بعد تجميد الحلول السياسية «مرحلياً» بخصوص ملفي سورية وأوكرانيا، فالروس يدركون أن النظام الأميركي الرسمي وحلفاءه بالغرب وبالمنطقة يستعمل سلاح النفط ومناطق النفوذ والتهديد الأمني كورقة ضغط على النظام الرسمي الروسي، للوصول معه إلى تفاهمات حول مجموعة من القضايا والملفات الدولية العالقة بين الطرفين ومراكز النفوذ والقوة والثروات الطبيعية وتقسيماتها العالمية ومخطط تشكيل العالم الجديد وكيفية تقسيم مناطق النفوذ بين القوى الكبرى على الصعيد الدولي، وعلى رأس كل هذه الملفات هو الوضع بسورية، ومن هنا يدرك الروس وحلفاؤهم أن أميركا وحلفاءها بالغرب يحاولون بكل الوسائل جلب النظام الرسمي الروسي وحلفاءه إلى طاولة التسويات المذلة، ليتنازل الروس وحلفاؤهم عن مجموعة من الملفات الدولية لمصلحة بعض القوى العالمية وقوى الإقليم.

ولكن ومع كل هذه الضغوط الأميركية – السعودية على الدولة الروسية بخصوص موقفها من الحرب المفروضة على الدولة السورية، لاحظ جميع المتابعين كيف أن موسكو كانت بالفترة الأخيرة، مسرحاً لمجموعة لقاءات، ومنطلقاً لطرح مجموعة رؤى للأزمة السورية، فقد استضاف الروس أخيراً، منتدى موسكو للحوار السوري – السوري، ومع استمرار الحراك الدبلوماسي والسياسي الروسي الخاص بالأزمة السورية، كان واضحاً أن مجموع هذه اللقاءات والمنتديات الحوارية، كان هدفها الوصول إلى بعض الرؤى للحلول المشتركة بين الدولة العربية السورية وبعض المعارضين السوريين، وهنا يقرأ البعض أن احتضان منتدى موسكو في روسيا والذي حاولت بعض الأطراف الإقليمية والدولية تعطيله حينها، ما هو إلا دليل على أن الدولة الروسية تسعى وبشكل ممنهج للحفاظ على وحدة سورية وتعزيز مسار التوافق الداخلي بين مكوناتها، وهذا ما يدحض مرحلياً فكرة قبول الروس بالطرح الأميركي لتقسيم سورية، وهذا يبقى مجرد تحليل وليس هناك شيء مثبت في هذا الإطار.

من جهة أخرى، برز واضحاً في الفترة الأخيرة مدى التقارب بالمواقف السياسية والأمنية، بين النظام الرسمي الروسي والنظام العربي السوري، وذلك ظهر جلياً من خلال زيارة الوفد المفاوض الرسمي السوري الأخيرة موسكو، فهذه الزيارة وتقارب الآراء وثبات الموقف الروسي بخصوص الأزمة السورية، ضحدت جميع الإشاعات التي كانت تطلقها بعض الصحف الصفراء، ووسائل الإعلام، بخصوص تغيير الموقف الرسمي الروسي تجاة الحرب المفروضة على الدولة السورية.

اختتاماً، يمكن القول إن جميع أوراق المساومات التي طرحها الأميركيون -والسعوديون، للضغط على الروس ودفعهم إلى التخلي عن حلفهم مع الدولة السورية قد باءت بالفشل، ولم يبقَ أمامهم سوى ورقة الضغوطات الاقتصادية، وإن استطاع الروس تجاوز هذه المرحلة الصعبة، فإن مجموع المؤشرات الدولية وحجم الضغوطات المفروضة على الدولة الروسية هي بمجموعها سيكون مصيرها الفشل، وهذا ما سيثبت أن الروس وحلفاءهم في الإقليم والعالم قادرون على التكيف المرحلي مع موجة هذه الضغوطات التي تفرضها أميركا وحلفها في الإقليم والعالم، مع العلم أن موجة هذه الحرب النفطية تحرق بنارها الآن صانعيها قبل أن تحرق المستهدفين منها، وهذا ما يعني أن هذه الحرب لن تستمر طويلاً، ومن هنا سننتظر الأشهر الثلاثة المقبلة لتعطينا إجابات واضحة عن تغيرات وتطورات سياسية كبرى قد تشهدها الساحة الدولية والإقليمية بخصوص الحرب المفروضة على الدولة السورية.

كاتب وناشط سياسي الأردن .

hesham.awamleh yahoo.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى