مَن هو الخاسر في القلمون؟
جمال العفلق
لا شك في أنّ القرار السياسي والتصريحات الإعلامية ما قبل عمليات تحرير القلمون لن يكون كما بعدها، فاليوم نشاهد الصور المباشرة من أعالي قمم القلمون ونرى أعلام سورية والمقاومة ترفرف على أعلى التلال، ويسجل انهيار المسلحين السريع دليلاً آخر على أنّ الذين يحملون السلاح ليسوا إلا مرتزقة ليست لديهم عقيدة التمسك بالأرض ولا الدفاع عنها، فهم مدربون فقط على قتل الأبرياء والعمل كقطّاع طرق، مهمتهم ترهيب الآمنين وسرقة أموالهم والاستيلاء على ممتلكاتهم. لهذا كان من الطبيعي أن يفروا من المواجهه وأن يتركوا خلفهم أسلحتهم التي تحمل أختاماً فرنسية وأميركية و»إسرائيلية» وصلتهم عبر وسطاء وتجار سلاح متخفين بواجهات حزبية تدعي حرصها على الأمن والاستقرار بالمنطقة، هذه الواجهات السياسية والحزبية والبرلمانية أيضاً هي الوسيط وتاجر السلاح الذي يتلقى حصته من تكاليف النقل ويبيعها مواقف سياسية كما يدعي من خلاله النأي بالنفس وترك هذه التجمعات الإرهابية تستقر لتصبح فيما بعد الجيش الضامن لـ»إسرائيل» في أي حرب مقبلة، فما قاله السيد فؤاد السنيورة في تصريح للميادين يختصر لنا من هو الخاسر في هذه الحرب أو من يمثل؟
لم نعتد رمي الخصوم بالتهم، ولا نجد أن السياسة التي تعتمد على تلفيق التهم هي في مصلحة قضيتنا الأساسية وهي الدفاع عن خط المقاومة الرافض للهيمنة الصهيونية على المنطقة، ولكن ربط الأحداث وتوافق تلك القوى من الكيان الصهيوني، يفرضان الوقائع. فالقضية اليوم ليست تصريحاً سياسياً هنا أو هناك، إنما حرب تستخدم فيها كل الأدوات وكل السبل والفارق الوحيد بين الفرقاء والخصوم أن فريق المدافعين عن الوطن يستخدم الحقيقة ومشروعه معلن ورافض للذل ومستعد لتقديم الغالي والنفيس من أجل إحقاق الحق. أما الفريق الآخر لو اعتبرناه خصماً وهو بالحقيقة عدو مبين يمارس كل أنواع التلفيق والكذب الإعلامي، ويخلط بين الخاص والعام ويعتبر أن مهادنة الصهيونية ذكاء ونجاح وأن محاربة أميركا انتحار ومغامرة وأن تصفية الخصوم جسدياً أو سياسياً عمل شريف.
ولكي نعرف الخاسر الحقيقي في معارك القلمون، علينا أن نتابع جنون الصحافة الصهيونية التي تتحدث عن خطوط حمر، تلك الخطوط التي تتمسك بها هي الإبقاء على جيوبها العميلة من فصائل مختلفة، وعلى رأسها «جبهة النصرة» حليفة «داعش» ويد القاعدة في الجنوب السوري وعلى حدود لبنان كما في داخله.
ويحاول الإعلام الصهيوني ومن خلال بث تقارير الحديث عن طوائف بعينها يدعي أنه معني بحمايتها. ولهذا تتقاطع التصريحات الصهيونية مع تصريحات عربية رسمية وسياسية وإعلامية في نقطة واحدة، وهي منع أي انتصار للمقاومة والجيش السوري أو التقليل من أهميته إعلامياً خوفاً من اتساع قاعدة جمهور المقاومة الذي لم يعد من الممكن السيطرة عليه إعلامياً، بعد مسلسل الفضائح الأخلاقية والمالية التي طاولت ما سمي معارضة سورية تعمل في خدمة تركيا وقطر والسعودية.
وسلسلة القلمون ليست هي الهدف النهائي للحرب، إنما هي بداية النهاية للجماعات المسلحة التي يتم تأمين معابر أمنة لها واستيرادها من قبل قوى لبنانية تخفي المسلحين بين صفوف اللاجئين السوريين وتتسول باسمهم. ففي انتظار ما سينتج من قمة كامب ديفيد وما سيتخذ بخصوص العدوان على اليمن من قرارات يترقب جنود الصهيونية في المنطقة الأوامر النهائية حول قضايا كثيرة منها التوحد تحت عنوان المعارضة المعتدلة أو الفرار إلى حدود «إسرائيل» لتأمين خروجهم تجاه بلدانهم وعبر الوسطاء نفسهم الذين جلبوهم للمنطقة، فالولايات المتحدة الخاسرة في معادلة التقسيم والتي على ما يبدو كانت تتوقع أن يتم الأمر بسهولة أكبر، تجد نفسها اليوم مجبرة على اتباع سياسة جديدة في المنطقة تضمن لها عقود تسليح وسيطرة على مصادر الطاقة وتؤمن لها نقاطاً عسكرية مقابل تلك التي لم تستطع تأمينها في أوروبا من خلال درعها الصاروخية الذي ناورت الروس والصينيين عليه طويلاً.
أما الشمال السوري، فهو اليوم ضمن طوق ناري فرضه الجيش السوري على جنود أردوغان والسعودية، وأصبح أمام تركيا أن تختار إما الانجرار للحرب المباشرة مع السوريين ومن خلال إعلان رسمي أو الاكتفاء بمعابر للمسلحين كما اعتادت منذ بداية الحرب على سورية. وفي هذه الحالة ستكون تركيا مسؤولة عن إدخال قطعان الإرهاب، ولكن بتأشيرة عبور لا تسمح بالعودة عبر أراضيها، لأن الثمن سيكون مكلفاً على تركيا إذا ما سمحت بعودة هؤلاء من سورية، إذا عاد منهم أحد.
فالخاسر إذن في معارك القلمون، هم المملون والداعمون للإرهاب. وقد أفشلت قطعان المرتزقة أحلام الداعمين بانسحابها التكتيكي من المعارك والفشل في البقاء على الأرض التي تسيطر عليها. فالمعارك لن تتوقف ولن تنتهي، فبعد التحرير تأتي مرحلة التنظيف والتطهير للأرض وتثبيت المواقع. ولكن يبقى الألم الإنساني هو شغلنا الشاغل على الشباب العرب الذين يتم استقدامهم ودفعهم إلى هذه الحرب وجعلهم وقود حرب «إسرائيل» وأميركا على المنطقة.