فلتجتمع أيدي سبأ

بلال شرارة

اليمن هو الضحية عبر جعله حقل رماية بالذخيرة الحية في مناورة دولية لبيع الذخيرة والسلاح المتنوّع، و إقليمية في حرب نفوذ، و عربية في حرب السيطرة والانتداب ، و محلية في حرب لتبديد القوى والإمكانيات.

مصادر يمنية ترى أنّ هناك حرباً يتمّ خلالها محو كلّ شيء، كلّ التاريخ، كلّ مظاهر الحياة البشرية، كلّ شيء يتحرّك أو تسطع عليه شمس، كلّ بصمة، كلّ نبضة، كلّ صوت وكلّ صدى. كلّ المساجد، المنازل، الأشخاص أطفالاً ونساءً وشيوخاً ورجالاً ، المستشفيات، الصيدليات، الأسواق، الملاعب الرياضية، المخازن مخازن بيع الغذاء ، المدارس، كلّ شيء وكلّ مكان يمكن أن يشكّ في أنه مخزن أو مستودع للأسلحة ! وكلّ مكان يمكن أن يستخدم لهذه الغاية حتى مناشر الغسيل وثياب العائلات إذا بقي لديها ملابس .

طيّب إنها حرب على حق الحياة.

في المقابل يجري تسعير رحى حرب إقليمية لتحويل المنطقة واليمن إلى سوق لبيع السلاح، حيث يتمّ فجأة رفع الحظر الروسي عن بيع صواريخ أس-300 إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وتتداعى شركات احتكارات الأسلحة للطلب إلى أوباما عقد قمة أميركية خليجية في 13 و 14 أيار من أجل تعزيز العلاقات الأمنية العسكرية، وبحث ملف اليمن، ومفاوضات إيران و5+1، وطبعاً الولايات المتحدة تقصد بيع أسلحة وبالمقدمة صواريخ باتريوت لصدّ التهديد الإيراني بالصواريخ، وغداً بيع قبة حديدية لدول الخليج لإسقاط الصواريخ الحوثية الصغيرة والمتوسطة والبعيدة العابرة للحدود.

طبعاً سيتمّ بالترافق مع ذلك بيع أشكال وألوان من الأسلحة الجوية والبرية والبحرية لاستخدام الجيوش الإسلامية – الرسمية التي بدأت تتدفق إلى المنطقة من السنغال وماليزيا للدفاع عن المقدسات الإسلامية، وأهلياً تطويع باكستانيين ومصريين للغاية نفسها.

كما أن هناك حرب داحس والغبراء يمنية بأيدٍ يمنية وعربية وإسلامية دفاعاً عن أرض العروبة والمقدّسات ومنع التدخلات الإقليمية والحوثيين من أن يشكلوا رأس جسر للتدخلات الأجنبية .

جميل…

في صورة المشهد يتمّ تدمير صعدة .

كلّ شيء في صعدة حتى الهواء والضوء كلّ حقوق الإنسان ومن جملة ما دمّر مسجد الإمام الهادي، علي بن الحسين الذي يعود تاريخه إلى ألف سنة.

لا شيء في اليمن وصعدة عمره أقلّ من ألف سنة، فيما كلّ أنماط السلطات العربية والإسلامية في آسيا وأفريقيا عمرها لا يتجاوز المئة سنة.

المهم أنّ اليمن حقل رماية، لوحة هدف مرسومة كدوائر يجري خلالها اختبار الطيارين على مساحة اليمن ورماة المدفعية على الحدود.

ترى من إصابته أدق؟

قال لي أحد الأصدقاء من اليمن إنه تمّ استهداف ظله! وإنّ إصابات دقيقة لحقت به وإنه يعتقد أن ظله نزف حتى الموت!

لا أفق لنهاية هذه الحرب.

ستبيع احتكارات الأسلحة آخر قطعة سلاح عندها، حتى الأسلحة القديمة الخردة الموجودة في مستودعاتها من أيام الحرب العالمية الثانية.

سترمي نيران الأسلحة كلّ الأسلحة ذخيرتها على أجساد اليمنيين بقصد القتل. عدا عن وجود ما يزيد على خمسين مليون قطعة سلاح في أيدي اليمنيين تطلق بنيرانها في حرب فردية، جماعية، جهوية، فئوية، مذهبية، عشائرية، قبلية على كلّ شيء يتحرك في اليمن!

الحرب حتى آخر يمني في الواقع تجري على النفوذ والسيطرة والانتداب، وغداً عندما تبدأ الذخيرة بالتناقص فإنّ الحرب ستدور بالسلاح الأبيض من بيت إلى بيت حيث لن يبقى سوى ركام رسوم درست لمنازل كانت هناك.

اليمنيون محبطون، الحرب تدفقت إليهم من مسامات أجسادهم ومناطقهم، ولا أحد يساعدهم على أنفسهم لإيقاف هذه الحرب.

نحن نجهل اليمن أنا أجهلها، كنا نسمع بالشمال والجنوب وبأسماء بعض المدن والأشخاص والعشائر، ولكن لا أحد منا حتى المحللون الاستراتيجيون داس اليمن، مشى على أرضه والكلّ يقف على تلاله المتوهّمة ويسيطر على ما تقع عليه عيناه.

بالنسبة لي وما أخبرني به أصدقاء خبراء برلمانيون وديبلوماسيون لا يمكن للحلّ إلا أن يكون يمنياً، ما دعوا إليه هو وقف السخرية ووقف الحرب وليس النار.

طيّب ماذا نفعل في اليمن إذا أوقفنا إطلاق النار؟

هل توجد فرصة عمل عند اليمنيين سوى الرماية بالذخيرة الحية على أجساد بعضهم البعض؟

ـ ماذا تقول؟

ـ غداً إذا ما توقفت الحرب ستصرف بقية المبالغ المتبقية عن الفائض الحربي من أجل إعادة إعمار اليمن ومن أجل صرف المساعدات الإنسانية رز وسكر وملح وعلبة جبنة فرنسية وعلبة سمن وقنينة زيت قلي ومعلبات حمص وطون سردين .

المسألة ليست وقف النار بل وقف الحرب، اليمنيون يجب أن يذهبوا إلى سلامهم!

من يجرؤ أولاً على العبور إلى السلام ومصافحة الآخر. ووقف إبراز بطولاته؟

هل سيحمل الهدهد غداً بشائر من بلاد بلقيس إلينا أن العقل رُدّ إلى أصحابه وأنهم جميعاً منتصرون بل في الحقيقة أنهم جميعاً بكلّ أسماء تشكيلاتهم الرسمية، الحزبية، الشعبية، العشائرية مهزومون.

أنا أكلت خبزاً وملحاً وعسلاً يمنياً، ومن هنا أحرّض ببساطة على السلم الأهلي في اليمن.

أناديهم أوقفوا يا أهلي وعشيرتي موتكم المجاني، أوقفوا الغزوات لبعضكم البعض والإغراء بأن تكون الحرب عابرة للحدود غداً وفيها ما يعوّض عليكم.

الأمر رغم الموت الكثير لا يزال في أوله في بدايته، قُتل لكم أقارب وأصدقاء ودمّرت منازل وأحياء ودساكر وقرى ومدن هذا صحيح، ولكن هذه المأساة ستزداد إذا ما تواصلت الحرب.

أنا أدعو إلى مؤتمر وطني يمني للعقلاء ولكلّ المشايخ والسياسيين، على سطح القمر أو تحت ضوئه من دون شروط مسبقة، وأن يشدّد هذا المؤتمر على وقف الحرب وليس النار، وتشكيل حكومة انتقالية جامعة مانعة تضمّ كلّ الأطياف، وأن يتمّ بانتظار إعادة لملمة شتات الجيش والقوات المسلحة إرساء حكم ذاتي مناطقي، وأن نعطي ما لله لله وما لقيصر لقيصر، وأن ينتبه اليمنيون إلى أنّ تزاوجهم ومصاهرتهم من بعضهم البعض ومصالحهم عبر التاريخ إلى اليوم هي أعمق من الحرب السطحية الجارية.

ثم بعد ذلك فلتجتمع أيدي سبأ على اليمن حيث التاريخ، وإلا فإنّ فكرة نهاية التاريخ وبداية عهد الأمم المفتعلة التي تكتب تاريخ النيوليبرالية ستكون قد بدأت.

أنا أزعم أنّ الدول الكبرى متفقة على أن تجرّب عصا نيران أسلحتها فينا، وأن تبيع وتبيع الأسلحة، وأنّ الدول الإقليمية تقع في التجربة والفتنة، وأنّ اليمن هو وقود الحرب القائمة وأنّ المخفي أعظم.

الله يسترنا

من يتذكر: فتنة الشرق ستدخل كلّ بيت القاعد فيها خير من القائم .

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى