لقاء الجبير ـ ظريف… ما بعد كامب ديفيد وسوتشي
سعد الله الخليل
بين كامب ديفيد وسوتشي ثمة تفاهمات ونقاشات ما يبقى من تفاصيلها حبيس الكواليس والأدراج المقفلة أهمّ وأقوى مما يُصَدّرُ إلى العلن، والتقاط الإشارات ومقاطعتها مع بعضها بعضاً كفيلان بفك بعض شيفراتها وفهم توجهات قطبي العالم حيال ما يجري حول الكرة الأرضية بشكل عام، وفي الشرق الأوسط المنطقة الأكثر حرارة بشكل خاص.
فعشية قمة كامب ديفيد استدعى الرئيس الأميركي باراك أوباما قادة دول الخليج لشرح سياسته في الشرق الأوسط، وأوفد وزير خارجيته جون كيري إلى روسيا للبحث في حلول شاملة لنزاعات المنطقة من سورية إلى اليمن وصولاً إلى أوكرانيا، ما يجعل من اجتماع سوتشي الأهمّ في تاريخ لقاءات البلدين ولعلّ لقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بكيري أكبر المؤشرات على أهمية الاجتماع إلى جانب التوقيت الحساس وما صدر في أعقابه من تأكيد على التوافق الروسي الأميركي بالسير نحو التسويات السياسية للملفات العالقة بما يرجح كفة التفاهمات وانتهاء حقبة المواجهة والسير في خيارات الحروب بعد وصولها إلى مراحل لا يمكن السير بها نحو الأمام لعجزها عن تحقيق أهدافها المعلنة وتحوّلها إلى حروب عبثية تحرق أوراقها ما يدفع بواشنطن إلى رميها على الطاولة بدلاً من نثر رمادها هباءً.
الموقف الأميركي وما يدور في ذهنه كشف عنه المحلل الاستراتيجي الأميركي آرون ديفيد ميلر نائب مدير معهد ودرو ويلسون للسياسات الدولية بأنّ قمة كامب ديفيد فيها الكثير من المجاملات والابتسامات، فيما الولايات المتحدة لن تكون قادرة على توفير ما يطمئن السعوديين القلقين حيال ما تراه الرياض تطوّراً للنفوذ الإيراني في المنطقة، خاصة أنها تحاول عقد صفقة معها حول ملفها النوي، وربما يفسّر هذا الموقف إيفاد أوباما لكيري إلى روسيا قبل القمة، فلو كانت محادثات كامب ديفيد للتوصل إلى موقف أميركي ـ خليجي ينسجم مع هواجس الخليج، لتأجل اجتماع سوتشي إلى ما بعد كامب ديفيد، لنقل رسالة موحدة توقف طهران عند حدودها وترسم خطوط مستقبلها وفقاً لمقتضيات التحالف الخليجي الأميركي، وطالما أنّ زيارة كيري حدثت قبل القمة فرسائل التوافق تسير نحو خيار آخر غير ما تشتهيه الرياض، رغم العلاقات الأميركية ـ السعودية المتميّزة إلا أنّ هواجس الرياض والخليج لا مكان لها في الخطط الأميركية كونها تدرك حجم الاعتماد الخليجي عامة والسعودي بشكل خاص على أميركا أمناً وتسليحاً، بثمن يبلغ مليارات الدولارات، عدا عن 35 ألف جندي أميركي في الخليج، وهي قضايا غير قابلة للنقاش ولا ينافسها عليها أيّ منافس.
يفرض الاتفاق النووي مع طهران رسم واشنطن لخريطة الخليج الجيوسياسية وفق مقتضيات الاتفاق، وهو ما يتبلور في كامب ديفيد حيث الرسالة الأميركية للمجتمعين تنحو باتجاه التعامل مع إيران كقوة فرضتها الوقائع لا فائدة من السير في خيارات الحرب معها ومعاداتها، رغم التصريحات النارية حول حق دول الخليج في القلق من إيران والتزامه حماية أمن دول الخليج من التهديدات، وهو كلام لا يتعارض مع تعليمات واشنطن بالسير نحو التهدئة مع إيران ما يستدعي ترميم الكيانات الخليجية المتهالكة وإعادة تأسيس قواعد تلك الدول لضمان بقائها في وجه التحديات الداخلية والخارجية.
بعد عقود من قرع طبول الحرب السعودية ضدّ إيران والتي قطف الأميركي ثمارها مادياً وسياساً، وأسّس لتفاهم نووي بات من الضروري تصويب الشراع الخليجي باتجاه آخر بما يتلاءم مع رياح المنطقة ويحافظ على مركب واشنطن في المنطقة ولو اقتضى الأمر تغيير الربان ففي الخليح ما يكفي للقيادة وفق الرياح الأميركية.
بعد تفاهمات سوتشي وكامب ديفيد ستبقى الرياض ممسكة بشراع الخليج فيما تتكفل واشنطن بتأمين استدارة القارب وبتسهيل روسي وأول غيث العهد الجديد لقاء قريب بين وزيري خارجية إيران والسعودية جواد ظريف وعادل الجبير.
«توب نيوز»