67 عاماً على نكبتنا فى فلسطين:

د. رفعت سيد أحمد

تمرّ هذه الأيام الذكرى الـ67 لنكبة 1948 تلك النكبة التي لا تزال آثارها باقية حتى اليوم، ولا تزال نارها متقدة، رغم محاولات العدو الصهيوني ومن يؤازره دولياً وإقليمياً، لطمس تلك النار، التي تقول سطورها الناصعة أنّ ثمة شعباً كان هنا وقامت عصابات مجرمة بقتله أو طرده من أرضه المقدسة.

إنّ حرب 1948 التي أسماها العدو الصهيوني بـ حرب الاستقلال لا تزال دائرة، ولا يزال أبطال فلسطين، من أبناء شعبها الصامد، يقاومون، رغم التخلي العربي والإسلامي عنهم، تلك المقاومة التي أربكت قادة الكيان الصهيوني وجيشه، وجعلتهم يشنّون أكثر من حرب مدمّرة ضدّ هذا الشعب، وآخرها الحرب على غزة في تموز 2014، ورغم ذلك لم يقبل بالصلح أو المساومة على حقوقه التاريخية الثابتة، الأمر الذي دفع أحد قادة ومجرمي هذا الكيان أرييل شارون ذات يوم إلى أن يقول بغيظ وكراهية إنّ حرب 1948 لم تنته بعد أيّ أنّ مشروع بناء دولتهم الصهيونية لم يكتمل طالما هناك شعب آخر هو صاحب هذه الأرض يقاوم ويرفض الاعتراف بتلك الدولة، حتى لو اعترف بها أمثال أبو مازن، ومن لفّ لفه من دعاة التسوية البائسة.

في أجواء الذكرى الـ67 لحرب 1948 التي تواضع المؤرّخون على تسميتها بـ النكبة نحتاج ليس فقط إلى تذكّر دروسها وما جرى فيها، بل إلى بناء استراتيجية حقيقية شاملة للمقاومة انطلاقاً من هذا الجرح النازف.

دعونا أولاً نذكّر الرأي العام بما جرى في العام 1948 من مراحل عدوانية انتهت في 15/5/1948 بالهزيمة أو النكبة، فماذا عن تلك المراحل؟

1 يحدثنا التاريخ أنه قد صدر قرار تقسيم فلسطين إلى دولتين يوم 29/11/1947 حين وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على القرار رقم 181 الذي يوصي بتقسيم فلسطين إلى دولة يهودية ودولة فلسطينية، ولقد رحب الصهاينة بمشروع التقسيم، بينما شعر العرب والفلسطينيون تجاهه بالإجحاف والظلم.

2 – تصاعدت حدة القتال بعد قرار التقسيم، وفي بداية عام 1948 تمّ تشكيل جيش الإنقاذ بقيادة فوزي القاوقجي، وبحلول كانون الثاني 1948 كانت منظمتا «أرغون» و«شتيرن» قد لجأتا إلى استخدام السيارات المفخخة «4 كانون الثاني تفجير مركز الحكومة في يافا، مما أسفر عن مقتل 26 مدنياً فلسطينياً»، وفي آذار 1948 قام المقاتلون الفلسطينيون غير النظاميّين بنسف مقرّ الوكالة اليهودية في القدس، مما أدّى إلى مقتل 11 يهودياً وجرح 86.

3 – استشهاد عبد القادر الحسيني في القسطل يوم 8/4/1948.

4 – مذبحة دير ياسين يوم 9/4/1948، التي قتل فيها 253 فلسطينياً وهجر الباقون مع تدمير البيوت والحقول، الأمر الذي أصاب العديد من المدن والقرى بالرعب فسقطت تباعاً «طبريا وحيفا يوم 19/4/1948، بيسان وصفد ويافا 22/4/1948 ثم توالى السقوط».

5 – في 12 نيسان 1948 تقرّ الجامعة العربية زحف الجيوش العربية إلى فلسطين، واللجنة السياسية تؤكد أنّ الجيوش لن تتدخل قبل انسحاب بريطانيا المزمع في 15 أيار، وكان الانتداب البريطاني على فلسطين ينتهي بنهاية يوم 14 أيار 1948، وفي اليوم التالي أصبح إعلان قيام «دولة إسرائيل» ساري المفعول، ومباشرة بدأت الحرب بين الكيان الجديد والدول العربية المجاورة التي كانت جيوشها بائسة وضعيفة ومتفرّقة فضلاً عن خيانة الحكام وقتذاك وعمالتهم للإنكليز!

6 – المعارك في فلسطين بدأت في ايار 1948 بعد انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين وإعلان العصابات الصهيونية قيام دولة «إسرائيل» على المساحات الخاضعة لسيطرتها في فلسطين، وتدفقت الجيوش العربية ضعيفة الإعداد والتسليح في مصر وسورية والعراق وإمارة شرق الأردن على فلسطين، ونجح البعض من تلك القوات العربية في تحقيق انتصارات مؤقتة، وفي السادس عشر من أيار 1948 اعترف رئيس الولايات المتحدة هاري ترومان بدولة «إسرائيل» ودخلت أول وحدة من القوات النظامية المصرية حدود فلسطين وهاجمت هذه القوات مستعمرتي كفار داروم ونيريم الصهيونيتين في النقب، كما عبرت ثلاثة ألوية تابعة للجيش الأردني نهر الأردن إلى فلسطين، واستعادت القوات النظامية اللبنانية قريتي المالكية وقدس على الحدود اللبنانية وحرّرتهما من عصابات «هاغانا» الصهيونية.

7 – استمرّت المعارك على هذا النحو حتى تدخلت القوى الدولية وفرضت الهدنة الأولى «من 11/6 إلى 8/7/1948» ثم اشتعلت المعارك لتعقد هدنة ثانية من «18/7 إلى 10/11/1948»، ثم عاد القتال ليستمرّ حتى 7 كانون الثاني 1949 موعد الهدنة الثالثة وما بين هذه الهدنات كانت «إسرائيل» تتسلح وتتسع وتقوى، والعرب يتفرّقون ويتراجعون لتنتهي الحرب بتوقيع مصر التي كانت خاضعة للملك فاروق الذي لا يزال البعض من ناقصي النخوة والمروءة العربية يحبّونه ويقدّسونه في الأدب والفن والسياسة! قامت مصر وقتها بتوقيع اتفاق هدنة في 24 شباط 1949 تلاها لبنان في 23 آذار 1949 ثم الأردن في 3 نيسان 1949، فسورية في 20 تموز 1949، ودائماً كانت مصر هي البادئة سواء بالحرب أو بالاستسلام وحتماً سيتبعها العرب حتى يومنا هذا! وكان من نتائج هذه الحرب سهولة احتلال الصهاينة لأغلب مدن الشمال الفلسطيني مع اللدّ والرملة والنقب، الذي كان يشكل لوحده نصف مساحة فلسطين، وذلك نتيجة انكسار الجيوش العربية بعد الأشهر الستة الأولى من القتال، التي عانت فيها العصابات الصهيونية، ثم استطاعت أن تستعيد زمام المبادرة وتنتصر نتيجة التفرّق العربي وعدم التنسيق بين الجيوش، وعدم الاستعداد الجيد للقتال وغلبة القرار السياسي على القرار العسكري مع خيانة الحكام وبخاصة ملك مصر فاروق!

ومن النتائج المؤلمة أيضاً لهذه الحرب إجبار حوالى 800 ألف فلسطيني على الفرار والهجرة القسرية من ديارهم من أصل مليون وثلاثمائة ألف فلسطيني أي نحو 60 في المئة من أهل فلسطين، وذلك نتيجة ارتكاب الصهاينة 34 مذبحة مروعة، أثرت سلباً على روحية الصمود الفلسطيني، وكان من النتائج الخطيرة لهذه الحرب المؤلمة سقوط 78 في المئة من أراضي فلسطين في أيدي الصهاينة، فضلاً عن دمار قرابة الـ400 قرية ومدينة مع تهويدها بالكامل.

الآن، نحن في العام 2015، وبعد 67 عاماً على النكبة، يهمّنا أن نسأل السؤال الأهمّ، وهو: ماذا بعد؟ ماذا في إمكان الأمة، وفي قلبها الشعب الفلسطيني أن تفعل لمواجهة العدو الصهيوني الرابض فوق أقدس بلاد المسلمين والعرب، تلك التي تحتوي أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، والتي يتخذها قاعدة للعدوان والتآمر جماعات الإرهاب المسلح لضرب وتفكيك البلاد العربية، وبخاصة سورية ومصر وليبيا واليمن، سواء بشكل مباشر أو عبر وكلاء عرب ومسلمين.

ماذا بإمكاننا أن نفعل؟

للإجابة على هذا السؤال نسجل عناوين رئيسية للمواجهة يحتاج كلّ منها إلى تفصيل أوسع:

أولاً: تحتاج المواجهة إلى استراتيجية شاملة للمقاومة يخدم فيها العمل السياسي والذي نقصد به هنا العمل السياسي المقاوم وليس العمل السياسي القائم على خيار أوسلو البائس يخدم هذا العمل الجهاد المسلح سواء في رام الله أو غزة في أراضي 1948 أو خارج فلسطين، وألا ينحرف هذا العمل السياسي كما هو الآن – إلى عقبة في سبيل الكفاح المسلح، وأن يعتزل ويرحل حين تكون الأولوية للبندقية، ورغم صعوبة هذا الأمر لدى البعض من ساسة فلسطين منذ توقيع اتفاقات أوسلو البائسة 1993 والتي حوّلت المفاوض الفلسطيني إلى أداة في أيدي المشروع الصهيوني لمزيد من بناء المستوطنات، وقتل الفلسطينيين والعدوان عليهم، وصارت السلطة الفلسطينية حاجة «إسرائيلية» أكثر منها مطلباً فلسطينياً. فإنّ إمكانية تجاوزه بفضل العديد من شرفاء حركة فتح ومناضليها، ممكنة، وذلك لأنّ استراتيجية جديدة للتحرير والمقاومة هي أحوج ما يطلبه الفلسطينيين اليوم بعد 67 عاماً على النكبة.

ثانياً: على الفصائل الفلسطينية الـ13 التي تفرّقت بها السبل في السياسة والعمل الميداني، أن تسعى مجدداً وبعد طول زمن النكبة 67 عاماً والمستمرّ حتى اليوم إلى بناء وحدتها الداخلية في كامل الوطن الفلسطيني المحتلّ، وأن تنحّي خلافاتها جانباً، وأن يكون هدف تحرير فلسطين من دنس الصهاينة وفق برنامج عمل استراتيجي هو الهدف الأسمى والقاسم المشترك، أما صراعات القبائل والأيديولوجيات والأجنحة، فلقد ثبت يقيناً أنها مهلكة ومؤذية للشعب والقضية.

ثالثاً: من العار أن تظلّ الحكومات العربية الحالية هي المحاصرة للشعب الفلسطيني، وهي المشاركة للعدو الصهيوني في حصاره وتجويعه بحجة مقاومة الإرهاب صحيح هناك جماعات مجرمة مسلحة تقاتل الجيوش العربية خاصة في سورية وسيناء وتنسب نفسها زوراً إلى الإسلام أو فلسطين أو بيت المقدس، لكن مواجهة تلك الجماعات أو العصابات لا ينبغي أن يؤدّي بنا إلى الإساءة إلى الإسلام أو فلسطين، فالواقع يؤكد أن تلك الجماعات المسلحة هي أشدّ أعداء فلسطين، وهي التي حرفت بوصلة الصراع بعيداً عن الأقصى والقدس، وهي خادمة للعدو الصهيوني وستثبت الأيام أنها كانت تعمل استخبارياً مع الموساد .

نّ الواجب الأخلاقي، والديني، والقومي والعروبي يفرض على الدول العربية كافة أن ترفع الحصار عن الشعب الفلسطيني وأن تفرّق وبحسم بينه وبين بعض القوى المجرمة التي تنسب نفسها زوراً إلى فلسطين أو إلى الإسلام، والتي تقوم بعمليات إرهابية ضدّ البلاد العربية، ولا تخدم سوى تل أبيب وواشنطن!

إنّ احتضان ودعم المقاومة الباسلة للشعب الفلسطيني وتقوية إرادته وتثبيته في الأرض الفلسطينية يعدّ ضرورة من ضرورات الأمن القومي العربي، هكذا ينبغي أن تدرك الدول العربية المحيطة بفلسطين.

وختاماً ينبغي أن نؤكد ونحن في الذكرى الـ67 للنكبة – أنّ أهمّ درس لحرب 1948 التي لم تنته بعد، هو أنّ استرداد فلسطين، هو مسؤولية الأمة كلها وليست مسؤولية الشعب الفلسطيني لوحده، وأنه إذا توافرت الإرادة والإيمان، فإنّ فلسطين ستعود مهما طال الزمن خاصة أنّ هذا المشروع الصهيوني الذي يبلغ من العمر 67 عاماً هو في حكم الواقع ضدّ حقائق الجغرافيا والتاريخ وسيزول بإذن الله، بالمقاومة… وليس بالمفاوضات البائسة!

E mail : yafafr hotmail. com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى