كلمات في ذكرى اغتصاب فلسطين

ناصر قنديل

– قبل قرابة سبعة عقود أعلن الصهاينة كيانهم الغاصب فوق أرض فلسطين، ومنذ ذلك اليوم صارت منطقتنا وبلادنا وأحوال أمتنا غير ما كانت وغير ما كان يمكن لها أن تكون، نشأ الكيان المدجّج بالسلاح والدعم المالي والسياسي من الغرب وسط حال من العداء والغضب تجتاح ملايين العرب، وتولدت من هذه الحال انتفاضات ومقاومات وحروب، لكن أخطر ما كان هي حروب وانتفاضات النسيان، لمحو الذاكرة وكي الوعي.

– وقعت حرب على حدود الكيان مع إعلانه، كانت في مصر حرب خداع كشفها زعيم تاريخي هو جمال عبد الناصر وبنى على كشف الخدعة ثورته، وأعدّ شعبه وجيشه لحرب تحرير حقيقية، فتوثقت مؤامرة سعودية «إسرائيلية» عليه بدأت في اليمن وانتهت في حرب عام 1967، وأسّست لمرحلة عنوانها، لقد أراد عبد الناصر الجيش حصاناً لفلسطين وسط مجتمع سياسي يتقاسمه التقليديون والإخوان، فلتكن المعادلة مقايضة الجيش تسلم السلطة مقابل التخلي عن فلسطين، وهذا هو جوهر «كامب ديفيد» الذي لا يزال ساري المفعول، وفي المقابل دعوة المجتمع السياسي، خصوصاً الإخوان، لإثبات الأهلية بحماية «إسرائيل» لتقاسم السلطة مع الجيش، وللتقليديين لكم السوق التي أمّمها عبد الناصر والثروات التي سخرها للتنمية وابتعدوا عن فلسطين، ولشعب مصر اللهاث وراء رغيف الخبز كي لا يبقى له وقت ليتذكر أو يفكر، فتقع فلسطين في دائرة النسيان.

– في الخليج كانت حكومات ومشيخات تحت السيطرة البريطانية، التي ولد الكيان الغاصب في كنفها، فكانت مناسبة لتطبيع خليجي «إسرائيلي» مبكر، وفي الخليج نفط ومال، والمعادلة هي أنّ أشقاءكم العرب يطمعون بمالكم وكلما قالوا عروبة كان قصدهم نفط العرب للعرب، فدعوهم لـ«إسرائيل» تتكفل بهم وتنعّموا بالنفط وماله واصمتوا.

– في بلاد الشام خيضت الحرب مع اغتصاب فلسطين بجيش الإنقاذ، وكانت نواة لولادة جيش مقاتل في سورية ومقاومة تقاتل في لبنان، ففي سورية كانت الهدنة مع الجيش الذي صار بعد ذلك هو الجيش الذي يقاتل في حرب تشرين، وفي لبنان فقط نصت الهدنة على تشكيلات شبه نظامية كانت هي مجموعات الفدائيين، أو السرايا المقاتلة مع الفدائي معروف سعد والنقيب محمد زغيب، وصارت في ما بعد مقاومة اللبنانيين الوطنية والإسلامية.

– خاض الفلسطينيون ثوراتهم وانتفاضاتهم ومقاومتهم، وهم اليوم يحيون ذكرى نكبتهم، وعيونهم شاخصة نحو سورية ولبنان واليمن، وفي قلوبهم يعلمون أنّ ما يجري على ضفتي شمال فلسطين وجنوبها سيقرّر مصير بلدهم وقضيتهم، فبقدر ما تخرج السعودية منتصرة في اليمن ستكون فلسطين أبعد، وبقدر ما تخرج سورية وجيشها وتخرج المقاومة وحزبها بعافية وقوة ستكون فلسطين أقرب.

– يحفظ الفلسطينيون من غير توغل في التفاصيل، أسماء شوارع عدن، وأحياء دمشق وتلال القلمون، ويشعرون من دون حاجة إلى الكثير من التحليل أنّ دخول الجيش السوري إلى دوما يشعرهم كأنّ أحد أحياء القدس يقترب من قبضة أيديهم، وعندما يسمعون أنّ مقاتلي حزب الله قد صعدوا قمم القلمون يحسّونهم أقرب إلى صعود قمم جبل الشيخ، وعندما يعرفون أنّ الصواريخ اليمنية أصابت منشآت نفط «آرامكو» يتذكّرون أنّ الطائرات «الإسرائيلية» في حربي لبنان وغزة تزوّدت نفطاً سعودياً، وعندما يصل ثوار اليمن إلى حيّ المعاشيق في عدن يشعر الفلسطينيون أنّ يمن عبد الناصر تزهر من جديد.

– إذا تجرأ أحد وسأل الفلسطينيين النأي بالنفس عما يجري حولهم قالوا له، حيث تكون «إسرائيل» فنحن مرغمون أن نكون، وحيث تفرح «إسرائيل» نحزن وحيث تحزن نفرح، أنظروا إلى معادلة المشاعر تعرفون كم تفرح «إسرائيل» لنصر سعودي في اليمن وخسارة سورية في ريف دمشق وهزيمة لحزب الله في القلمون، فدعونا بعيداً عن التنظير نحدّد الموقف على بوصلة عنوانها «حيث تكون إسرائيل نكون لكن على الضفة المقابلة من الموقف والمشاعر».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى