«الاعتدال» المفروض بقوّة الإرهاب!

رشاد سلامة

«الاعتدال»، كمصطلح لغوي قد يعني الشيء وعكسه، فيكون بمفهومه العام حالة وسطية بين نقيضين، بحيث يصبح مرادفاً للحياد، من دون أن يعني ذلك بالضرورة فضيلة أو نقيصة، إذ يتوقف الأمر على طبيعة الموضوع الذي يُتّخذ الموقف حياله.

لا حياد حميداً، بين الشرّ والخير، مثلاً، ولا بين الظلم والعدل، ولا بين العلم والجهل، ولا بين السلام والحرب، حيث لا بدّ للموقف هنا من أن يكون منحازاً، لمصلحة القيم، وضدّ ما هو نقيضها، وتسري هذه القاعدة على الخيار بين التنظيمات الإرهابيّة، تكفيريّة وظلاميّة، والقوى التي تتصدّى لها، وتناهضها، وتقاتلها في كلّ ميدان.

للإرهاب أسماء حركية كثيرة، أبرزها تنظيم «داعش» و«جبهة النصرة»، أما سائر التنظيمات المتحالفة بطبيعتها مع «داعش» و«النصرة «، فهي جميعاً فروع ومشتقات، لأصل واحد هو «القاعدة».

وللإرهاب مشروعه الخاص، الذي يُسمّى في العراق «دولة الخلافة» ويسمى في سورية إمارة «إسلاميّة»، فيما الإسلام النقي، الدين السماوي الحنيف، يعرفه أهله الأصحاء، والسادة الفقهاء والعلماء، وهؤلاء أجمعوا على أنّ الإسلام هو من فكر الإرهابيين، وفعلهم، وفظاعة ارتكاباتهم، براء. وإنه لكذلك بالتأكيد، شهادة نعلنها بعميق الإجلال والاحترام.

حضارات العالم، على اختلاف عهودها، وهويّة بُناتها، أصبحت هدفاً للإرهاب الذي حوّلها إلى ركام… أما شعوب العالم، وما لم تكن بسلوكها وعلى صعيد معتقداتها الروحية مطابقة لفكر «القاعدة» وصورتها، فهي هدف لعمليات الإبادة، كتلك التي اجتهد الإرهابيون في نشر فصولها المرعبة.

المنظمات المصنّفة إرهابيّة، وجدت في العالم العربي والغربي أيضاً كفرنسا «لوران فابيوس» مثلاً قادة يحاولون إعادة تصنيف «النصرة» ونقلها من خانة الإرهاب إلى خانة «التنظيمات المعتدلة».

ثمة مسعى يلاقي تلك المحاولة، وهو جارٍ منذ سنتين، والأدوار فيه موزعة بين تركيا والأردن، والغرض منه هو «تدريب» آلاف من المقاتلين «المعتدلين» لمواجهة «داعش»، فيما حقيقة الأمر أنّ مهمة الذين يجري تدريبهم ربما تطاول «داعش»، ولكنها بالتأكيد تستهدف الدولة السورية دوراً، وقيادة ومؤسسات!

يكفي أن نتذكر تصريحات علنية قالها السلطان العثماني الجديد «أردوغان» وردّدها بالحرفية عينها السيد «فابيوس» وجاراه فيها القادة «الأعراب»، وارتاحت إليها «إسرائيل»، ومؤدّى الكلام المعلن، والموقف المضمر، هو انضمام «المقاتلين المعتدلين» إلى «النصرة»، لأداء مهمة واحدة، موحّدة!

نسمع كلّ يوم، عبر وسائل الإعلام المنافق، وشاشات التلفزة، الغارقة في النفاق، كلاماً من النوع الذي يُقال فيه، إنّ «المعارضة السورية» أو «الثورة السورية» حققت انتصاراً في مكان ما، ليتبيّن أنّ ما قد يظنّ أنه ينسب إلى «مجلس اسطنبول» أو « تحالف الدوحة»، لا يعدو كونه مناوشة بالنار، يقف وراءها أحد تنظيمات الإرهاب!

أما لجهة المدّة التي تقتضيها عمليات التدريب، فقد حُكي عن سنتين، بينما الرئيس الأميركي «أوباما» كان قد حدّدها بثلاث سنوات، وذلك فقط لـ«إضعاف داعش» في العراق، وليس لهزيمتها، لأنّ «وظيفتها» لم تنتهِ بعد!

لعله من المفيد أن نذكّر بأن غزو السيّئ الذكر جورج بوش للعراق عام 2003 وإطاحة صدام حسين، استغرق نحواً من شهر واحد، فقط لا غير!

المقصود بالكلام على المهل الزمنيّة، هو الفترة الانتظارية المريرة التي يقتضيها تنفيذ مشروع تقسيم المنطقة العربية «وإعادة تشكيلها، وفقاً للمصالح الأميركية» كما جاء حرفيّاً بلسان «كولن باول» وزير خارجية أميركا، غداة اكتمال غزو العراق، وليس فقط المدّة التي يحتاجها المقاتلون المزعوم أنهم «معتدلون» لملاقاة «النصرة» في الميدان السوري.

حيال هذه الوقائع، يصبح من الضروري أن نسأل عن جدوى محاولات التوصّل إلى حلّ سلمي لأزمة المنطقة عامة، وبخاصّة أزمة سورية، كما نسأل عن مصير «جنيف 3»، ودور روسيا، وحصاد الوسيط الدولي السيد «دي ميستورا» الواقف على مشارف تقديم تقريره الرسمي حول نتيجة مساعيه، وَسط توقّعات ترجّح أن يكون تقريره مشفوعاً باستقالة يخطّها في ظلّ جدار مسدود!

ثمّة غائب كبير عن حسابات المحور المعادي لسورية ولسيادة الأوطان، وسلامة شعوبها… الغائب عن تلك الحسابات، هو طبيعة الساحات، والجهة التي تحتلّ مساحاتها… ذلك أنّ الملعب لا ينفرد به الطرف الذي يدرّب مقاتلين، قناعهم الاعتدال، ولكنهم في حقيقتهم، ضلع أصيل، من ضلوع الإرهاب!

منذ متى كان التطرّف، والتكفير، والقتل، والذبح، والتدمير، يُسمّى اعتدالاً؟! منذ متى كانت جرائم الإرهاب تصنع الاعتدال؟!

النائب السابق لرئيس حزب الكتائب

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى