المحكمة العسكرية ظلمت سماحة
حسين حمّود
حوّل فريق 14 آذار، ولا سيما تيار المستقبل، لبنان إلى غابة خلال الساعات الثماني والأربعين الماضية. غابة تسودها شريعة الغاب إلى درجة الهمجية في ردود الأفعال التي صدرت اعتراضاً على حكم المحكمة العسكرية الدائمة في قضية الوزير السابق ميشال سماحة وقضى بحبسه أربع سنوات ونصف السنة وتجريده من حقوقه المدنية بعد إدانته بمحاولة القيام بأعمال إرهابية والانتماء الى مجموعة مسلحة وقرّرت مصادرة الأسلحة والمتفجرات والأموال المضبوطة. وفور الإعلان عن الحكم أفلتت ألسنة ومنابر ووسائل إعلام 14 آذار، من عقالها، وشهرت خناجرها وسيوفها وعملت ذبحاً في رقاب المحكمة العسكرية وقضاتها والقضاء عموماً، في حملة سياسية غير مسبوقة وصلت إلى حدّ المطالبة بـ«اقتلاع المحكمة العسكرية من جذورها».
وما يدعو إلى الاستهجان أنّ وزير العدل أشرف ريفي هو من أطلق شرارة هذا الفلتان السياسي- الإعلامي، نتيجة انفعاله، بعد سماعه بالحكم، بحسب اعترافه. وكرّت حملة المزايدات التي تبارى فيها الصقور في تيار «المستقبل» مع الحمائم، حتى المعتدلون المقرّبون من التيار ويسعون إلى إرضائه بلّوا ألسنتهم بالمحكمة والقضاء. ولم يقتصر الهجوم «الداعشي» السياسي على الكلام بل امتدّ إلى الشارع الطرابلسي تحديداً، فهاج ذوو من يوصفون بالموقوفين الإسلاميين، الذين يمون عليهم ريفي فاعتصموا مندّدين بالحكم، وآزرهم حزب «العلم والمؤسسات» «المستقبلي»، فأنزل شبابه المتعلّمين والمثقفين إلى الشارع أيضاً من خلال اعتصام أمام المحكمة العسكرية للاحتجاج على الحكم والمطالبة بإلغاء المحكمة. بالتوازي مع إحالة ريفي إحدى أعضاء المحكمة العسكرية القاضية ليلى رعيدي إلى التفتيش القضائي بسبب توقيعها الحكم!
هكذا يتعامل المستقبل مع المؤسسات. انفعل وزير العدل فكاد البلد يفلّ. علماً أنّ الحكم المعترض عليه جاء لمصلحة «المستقبل» وريفي تحديداً، بينما المحكمة ظلمت ميشال سماحة الذي عوقب على النيّة، وهو، بحسب مراجع قانونية، ما يخالف نصوص قانون العقوبات الذي يحدّد عناصر الجريمة التي يجب توفرها حتى يعدّ الفعل المقترف جريمة أم لا. وهذه العناصر ثلاثة هي: النية والفعل المادي والصلة او الرابطة السببية بين الفعل المقترف والنتيجة المتولدة. ويشترط القانون اجتماع العناصر الثلاثة معاً لتحقق الفعل الجريمي بحيث إذا انتفى أحدهما لا جريمة ولا عقاب. وفي قضية سماحة لم تتوفر إلا النية التي لم يلازمها أيّ فعل مادّي حسّي في ما اتهم به من محاولة القيام بأعمال إرهابية، وقد قبض عليه يوم توقيفه بملابس النوم في منزله ببلدة الجوار المتنية في 9 آب 2012. فيكون سماحة قد أدين، عدا قضية حيازة متفجرات الممنوعة، بفعل جرمي أخطر قد يحدث وقد لا يحدث.
هذا أولاً، ثانياً، تتابع المصادر، كان يمكن لرئيس المحكمة العسكرية العميد الطيار خليل إبراهيم، إسقاط كلّ التهم عن سماحة استناداً إلى نظرية قانونية يعتمدها القضاء الأوروبي وتحديداً فرنسا وكندا، تقول بأنه في حال جنّد أحد الأجهزة الأمنية مخبراً بغية زرع نية جرمية في رأس أحد الأشخاص، وحرّضه على القيام بالجريمة وزيّن له نتائجها وعوائدها، وضبط هذا الشخص يُبرّأ الأخير من كلّ التهم التي كان من الممكن إدانته بها ويعاقب المحرّض وإنْ كان تابعاً لجهاز أمني مهما علا شأنه. وقد عرض أحد محامي سماحة في إحدى مرافعاته، هذه النظرية المعمول بها في القضاء الغربي وتسير عليها محاكمه. إذ بحسب التسجيلات لدى فرع المعلومات، تقول المصادر، إنّ المخبر ميلاد كفوري هو من زرع في رأس سماحة نية المخطط التفجيري، وهو أيضاً أيّ كفوري حدّد بنك الأهداف ولم يبادر سماحة من تلقاء نفسه إلى التطوّع لوضع المتفجرات، ولا أعدّ لائحة الأهداف وكلّ ما فعله هو نقل متفجرات لا أكثر، ولا أحد يمكن ان يثبت ما إذا كان سيستخدمها أم لا. لكن القاضي إبراهيم لم يأخذ بالنظرية الغربية بتحويل التهم إلى كفوري، وأبقى التهمة على سماحة على أساس النية فقط، علماً أنّ كفوري لم يحضر إلى المحكمة ليواجه سماحة بل على العكس أخفي من قبل قوى الأمن بحجة حمايته، على ما صرّح ريفي عندما كان مديراً عاماً لقوى الأمن أثناء اعتقال سماحة.
أما الأهمّ، بحسب المصادر في معرض تعليقها على الحملة المسعورة على المحكمة العسكرية، فهو صمت قادة الحملة ولا سيما ريفي، بعد اعتراف بعض قادة محاور طرابلس أمام المحكمة العسكرية بأنّ المسؤول في تيار «المستقبل» عميد حمّود كان يزوّدهم بالأسلحة التي كانوا يستخدمونها فعلاً، في جولات القتال التي ناهز عددها العشرين جولة في المدينة وأوقعت مئات القتلى والجرحى في صفوف المدنيين، فضلاً عن الدمار الهائل الذي لحق بالمؤسسات الحكومية والاقتصادية والتجارية فيها. إذ أكد الموقوف زياد علوكي خلال محاكمته في جلسة 15 نيسان الماضي، أن حمّود هو من أعطاه السلاح وقد أعاده إليه عند بداية تطبيق الخطة الأمنية. فيما قال الموقوف أيضاً سعد المصري إنّ «عميد حمود أرسل له تهديدا وهو في السجن». وفي ليلة الاعتراف، تمّ تهريب حمّود إلى اسطنبول، وعاد منذ فترة إلى بيروت، بعد أن سحب اسمه من ملف قادة المحاور الذين ضغط عليهم للتراجع عن إفاداتهم التي تدينه.
هذا إضافة إلى أشرطة التسجيل المرئي التي يظهر فيها مقاتلون يتباهون بأنهم قاتلوا ضدّ الجيش وقتلوا وجرحوا العديد من ضباطه وعناصره. فلمَ، تسأل المصادر، لم يثُر ريفي وينفعل ويطالب باعتقال حمّود أو يوعز إلى النائب العام التمييزي بملاحقته عندما سمع اعترافات قادة المحاور؟ وكيف هرّب إلى تركيا وعن أيّ طريق وكيف عاد إلى بيروت؟
لكلّ ذلك، رأت المصادر أنّ المحكمة ظُلمت، بالرغم من أنها سايرت الشارع في حكمها على سماحة، وفعلاً قرارها يستحق التمييز لكن من جانب الدفاع وعائلة سماحة لتعديل العقوبة التي أنزلت بالأخير وإنقاصها بما يتناسب مع حجم مع فعله إحقاقاً للحق والعدل.
من جهة أخرى، استغربت المصادر صمت وزير الدفاع عن الحملة على المحكمة العسكرية الخاضعة لإشرافه، كما الصلاحيات المعطاة لوزير العدل بالنسبة إلى القضاء العدلي، خصوصاً أنّ ريفي شهّر بإحدى قضاتها، ما يؤثر سلباً على سمعة المحكمة وصدقيتها خصوصاً في الشارع الذي يقوده وزير العدل بانفعالاته!