هل فقدنا الإحساس الجميل بالغضب؟
الياس عشّي
في العودة إلى شعراء العصر الذي سبق الإسلام نقرأ: «شبّ الشاعر الجاهلي عمرو بن كلثوم على الإعجاب بنفسه، والفخر بقومه. وحدث أن دعاه ملك الحيرة عمرو بن هند لزيارته، ودعا أمّه لزيارة أم الملك، فقدما. وحصل في أثناء الزيارة أن طلبت أمّ الملك من أمّ الشاعر ما اعتبرته مُذلاً لها عندما أمرتها بإحضار جفنة كانت بعيدة عن متناولها، فصاحت: واذلّاه! فغضب ابنها، وثار، وضرب الملك بسيفه، وقتله».
مكرهاً أعود إلى الماضي، إلى أناس من لحم ودم كانوا إذا ذُلّوا غضبوا، وإذا غضبوا حَسِبَ أعداؤهم أنّ «الناس كلّهمُ غضابا» كما قال جرير.
اعذروني وأنا أقطع بكم كلّ هذه المسافة الزمنية لتروا معي كم كانت الرمال نظيفة قبل أن ينفجر نفطها ويصادر لونها الذهبي.
مكرهاً أصرخ مع جوليا: «وين الملايين… وين الشعب العربي… وين الغضب العربي.. وين الشرف العربي… وين وين وين؟».
بل أين العرب كلّهم ممّا جرى، ممّا يجري، مما سيجري؟
أين الشوارع لا تنتفض وقد فُضّت بكارات المدن؟
ما أخبار «اليمن السعيد»؟ وما أخبار الطائرات العربية تتنزّه في سمائه زارعة الموت والأشلاء بين بناية وبناية؟
ما أخبار ناجي العلي وحنظلة اللذين كان اغتيالهما فاتحة تُقرأ على روح القرن الواحد والعشرين؟
والمطران كبوجي، متى تنتهي إقامته الجبرية، ويعود وينضمّ إلى أطفال الحجارة في شوارع فلسطين؟
أين المتنبي وهو ينكر على الخلفاء والملوك خلاعتهم وغرقهم في أحضان القيان وبين دنان الخمر، مردّداً:
ولا تحسبنّ المجدَ زِقّاً وقينةً
فما المجدُ إلا السيفٌ والفتكةُ البكرُ
وتضريبُ أعناق الملوك وأنْ تُرى
لك الهبواتُ السودُ والعسكرُ المجرُ
متى نغضب؟
ألا تستحق سورية أن نغضب من أجلها ونحن نرى الشهداء يملأون جدران المدن، ونرى أحياء بكاملها تصبح رميماً؟
ألا تستحق سورية أن يعلن الشارع العربي، من أجلها، عصياناً مدنيّاً ضدّ حكّامه الذين، منذ اليوم الأوّل، تورّطوا في المؤامرة لمحو سورية عن جغرافيّة وطنهم الممتد من المحيط إلى الخليج؟
وأين حرّاس الثقافة في العالم لا يرون مذبحة الحضارات السورية المتعدّدة التي كانت وراء حضارات الدنيا كلّها؟
أما جاء الأوان لنعترف بأن سكوت الشارع العربي عمّا جرى في العراق وسورية وليبيا وغيرهم من البلدان، قد شجع على مهاجمة اليمن وتدمير إنسانها وحجرها؟
أما حان الوقت لنعترف أننا دُجّنا، وأننا تحوّلنا إلى قطعان، وأننا فقدنا الإحساس الجميل بالغضب، وأننا تخلينا عن كبريائنا، وأنّ سيف عمرو بن كلثوم قد فُلّ منذ أن سكتنا على الخدمات المجّانيّة التي قدّمناها لليهود ودولتهم العنصرية، يوم سرنا بالتطبيع حتّى النهاية؟