مؤتمر الطاقة الاغترابية الثاني: سلبيات كثيرة وإيجابيات قليلة
علي بدرالدين
يبدو أنّ منظمي مؤتمر الطاقة الاغترابية الثاني المقرّر عقده في 21 الحالي لم يستفيدوا كثيراً أو قليلاً من المؤتمر الأول الذي عقد العام الماضي، وقد شابته هفوات وأخطاء واستنسابية وتفرد، وأدّت هذه الأمور في مجملها إلى غياب ومقاطعة من مؤسسات وجمعيات وشخصيات اغترابية فاعلة ووازنة، وكان تأثير ذلك واضحاً على فعاليات المؤتمر ومقرّراته وتوصياته التي بقي الكثير منها حبراً على ورق.
و»ما زاد الطين بلة» وصعّب المهمة على المنظمين أنهم بدلاً من أن «يكحلوها أعموها»، وفتحوا في المجال أمام الكثير من الشكوك والتساؤلات والاستفسارات عن السلوك المتبع في عقد هذا المؤتمر للمرة الثانية، والذي يحمل عنواناً فضفاضاً ومغرياً في آن.
غير أنّ المعطيات والمؤشرات التي تسبق اليوم الاغترابي الموعود ليست مشجعة ولا تنبئ بأنّ الأمور تسير في الاتجاه الصحيح، في ظلّ الحديث عن غياب ومقاطعة واعتذار عن حضور المؤتمر الذي يبدو أنه سيكون نسخة طبق الأصل عن المؤتمر الأول.
يبدو أنّ وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل مصمّم على اعتماد خياراته ونصائح مستشاريه من خارج الوزارة بأنّ المسار المتبع في التحضير للمؤتمر هو الأفضل والأنسب لإنجاحه من دون التطلع إلى الوراء أو إعطاء الأهمية لردود الفعل المنتقدة والرافضة لهذا الخيار، مهما كان حجمها ووزنها وتأثيرها، على قاعدة أنا أقرّر لأنني صاحب القرار والآمر الناهي في كلّ صغيرة وكبيرة. وما على الآخرين، أياً كان موقفهم، سوى الانصياع أو الاعتراض وكلّ يغني على هواه.
ربما هذا هو لسان حال الوزير باسيل ومستشاريه والمقربين منه طائفياً وسياسياً الذين أحاطوه والتفوا حوله في المؤتمر الصحفي الذي عقده في مبنى الوزارة وتمحور حول المؤتمر العام بجزئياته وتفاصيله التي رأى فيها فائضاً من النجاح في الوقائع والمعطيات، واللافت أنه لم يعر أي اهتمام لما يثار في بعض وسائل الإعلام عن تفرده في اتخاذ القرارات وتغييب مؤسسات رسمية واغترابية عن المشاركة في التحضيرات، فضلاً عن أنّ المدعوين غالبيتهم من لون طائفي وسياسي ومناطقي معين.
أثار الإعلان عن «جمعية الطاقة الاغترابية»، عشية انعقاد المؤتمر، وخصوصاً أنّ المؤسّسين من طائفة واحدة علامات استفهام، حتى أنّ تلك الجمعية بدت وكأنها مولجة حصرياً بكلّ ما يتعلق بالملف الاغترابي.
مصادر اغترابية فاعلة، اعتبرت أنّ خيارات الوزير باسيل وجنوحه نحو سياسة اليد الواحدة واللون الواحد تعني أنّ هناك قراراً عن سابق إصرار وتصميم لوضع اليد على الاغتراب وإضعاف مؤسساته، بهدف الإحراج ثمّ الانكفاء عن خريطة العمل الاغترابي المؤسساتي.
ورأت المصادر أنّ الحديث عن تشكيل المجلس الوطني للاغتراب بعد سنوات على وأده يثير الريبة والشكوك ويؤكد السير نحو تحقيق الأهداف المعلنة والمستترة، ومن أهمها إرباك المسؤولين والمعنيين في الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم.
وتساءلت المصادر كيف يرعى الوزير باسيل الحوار القائم بين الجامعة الثقافية وجامعة الانتشار برئيسيها أحمد ناصر وأليخاندرو خوري، ويؤكد على دور الجامعة ومكانتها، ثم يطرح البدائل كالمجلس الوطني للاغتراب وجمعية الطاقة الاغترابية ويستثني من الدعوة إلى المؤتمر شخصياتها الوازنة والمؤثرة وصاحبة الباع الطويل والإنجازات النوعية على المستوى الاغترابي، مستغربة تركيزه على الرابط العاطفي فقط بين معظم المدعوين من دون أن يأخذ في الاعتبار حاجة لبنان إلى كلّ أبنائه وإلى طاقاتهم والاستفادة من تجاربهم الغنية. وأي عاطفة هذه إذا لم يتأمن الأمن والاستقرار كمقومات للعودة والاستثمار الناجح.
ووفق المعلومات المتوفرة والتي باتت ثابتة ومؤكدة، أنّ المؤتمر سيشهد مقاطعة من مؤسسات اغترابية عالمية وقارية ووطنية، وأنّ هناك غياب غير مبرّر لشخصيات اغترابية كان يُعوَّل على حضورها، لاعتبارات كثيرة وصلت حتماً إلى الوزير ومستشاريه، وقد فات أوان التواصل معها وإقناعها بالعدول عن قرارها.
والمهم في رأي الوزير باسيل والمنظمين والمستشارين أنّ المؤتمر سيعقد في زمانه ومكانه، من دون النظر في ما سيترتب على ذلك من مفاعيل وسلبيات وارتدادات قد تطيح بكلّ «الإنجازات» وتعيد الاغتراب إلى المربع الأول من الانقسامات والسجالات وتفرق الشمل الاغترابي، بدلاً من إعادة تجميعه وتوحيده، والإقلاع عن السياسة الاتحادية المتفردة الراغبة في وضع اليد على كلّ ما له علاقة بالاغتراب على قاعدة «أنا أو لا أحد».
رغم أنّ المعطيات التي تسبق المؤتمر لا توحي بالتفاؤل، فإننا لا ننكر أنّ له إيجابيات، حيث أنه سيجمع عدداً كبيراً من اللبنانيين المغتربين والمنتشرين والمتحدرين من أصل لبناني على أرض الوطن الأم، وسيساهم في تقريب المسافات بينهم من خلال التعارف الذي سيجني ثماره العديد من رجال الأعمال، وقد يفتح أمامهم آفاق التعاون الاقتصادي والاستثماري والتجاري وتبادل الخبرات، وربما تكون له نتائج إيجابية على الوطن وأبنائه المقيمين والمغتربين.
غير أنّ اكتمال عقد اللبنانيين يبقى أفضل بكثير من انفراطه، باستبعاد مكونات أساسية، فالعمل الاغترابي يجب أن يكون بعيداً من أي مكاسب آنية قد تقضي على الخصوصية اللبنانية والصيغة الفريدة التي تحكم البلد.