كي لا ننسى نكبتنا… أسرانا… أقصانا

راسم عبيدات ـ القدس المحتلة

نكبة شعبنا، رغم مرور ستة وستين عاماً، ما زالت مستمرة ومتواصلة، وما زال الاحتلال يمارس أشكال القهر والظلم والتطهير العرقي في حق شعبنا الفلسطيني على طول مساحة فلسطين التاريخية وعرضها، فالاحتلال الذي جاء الى أرضنا ووطنا تحت شعار خادع ومضلل وكاذب، متسلحاً بدعم وإسناد من القوى الاستعمارية وفي مقدمها بريطانيا «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض» ما برح قادته يحلمون بأن كبارنا سيموتون وصغارنا سينسون، وبأنهم يحلمون بأن يصحوا على ابتلاع البحر شعبنا، في سير عكس التاريخ ومنطقه وقوانينه، فهذا الشعب الذي تعرض للنكبة ما انفكّ يسكنه حلم العودة، ويحتفظ كباره بمفاتيح العودة ويصونونها بحدقات العيون. كذلك هم الشباب والأطفال، وما حصل في مسيرة العودة لقرية لوبيا المهجرة التي شارك فيها الآلاف من أبناء شعبنا تثبت أن هذا الشعب لن يتخلى عن حلمه بحق العودة لوطنه، وهذا الحق لن يسقط بالتقادم وسيورثه شعبنا لأبنائه جيلاً بعد جيل.

يمعن الاحتلال في سن القوانين والتشريعات الهادفة الى الإبقاء على دولته يهودية نقية، ويصعّد على نحو جنوني مخططات التهويد في الجليل والنقب والمثلث والقدس والضفة الغربية، ويريد أن يحسم مسألة السيادة على الأرض لكي يبدد حلم شعبنا في الحرية والاستقلال وإقامة دولته المستقلة وحقه في العودة الى دياره التي شرد منها بفعل الطرد والتهجير والجرائم التي مارستها في حقه العصابات الصهيونية، ورغم ذلك يتوالد شعبنا ويتزايد ويتشبث بالبقاء والوجود على أرضه، ولن يسمح للاحتلال بتنفيذ نكبة ثانية فيه، فالشعب الفلسطيني مثل طائر الفينيق يخرج من تحت الرماد، كل يوم أقوى وأكثر عزماً وصلابة وتصميماً على نيل حريته وحقه في العودة الى دياره التي شرّد منها.

مهما يكن حجم المؤامرات التي تزداد وترتفع وتائرها في الفترة الأخيرة، مستفيدة من حالة الضعف الفلسطيني والانهيار العربي وتواطؤ بعض الأطراف العربية مع الأعداء للمساومة على حقوقنا ومشروعنا الوطني، فإن هذا الشعب لن يلين ولن ينكسر وسينال حقوقه وحريته مهما طال الزمن أو قصر، فالتاريخ يعلم أن الاحتلال زائل مهما طال أو قصر.

لا يريد الاحتلال أن يقدم أي تنازلات جدية تلامس الحدود الدنيا من حقوق شعبنا الفلسطيني في دولة فلسطينية مستقلة على كامل حدود الخامس من حزيران 1967، بل يريد منا أن نستمر في التفاوض معه، ويستغل تلك المفاوضات ليغيّر ويفرض الحقائق والوقائع الجديدة على الأرض، وفي سائر المفاوضات والاتفاقيات بين المحتل والشعوب الواقعة تحت الاحتلال كان الاتفاق يتم على تحرير الأسرى، وهكذا حصل بين الجزائر وفرنسا عندما نالت الأولى حريتها واستقلالها عام 1962، كذلك بين الفيتنام وأميركا عام 1973، إلّا مع شعبنا الفلسطيني، فرغم قصور قيادتنا في هذا الجانب، إلّا أن الاحتلال نظر الى ملف أسرانا، ليس على أساس أنه قضية إنسانية يجب التوقف عن استغلالها، بل رأى فيها قضية سياسية يجب أن يستثمرها في الضغط على القيادة الفلسطينية لتقديم تنازلات وثمن سياسي، وشهدنا ذلك خلال العودة إلى المفاوضات الأخيرة، فرغم الاتفاق على إطلاق سراح أسرى ما قبل اوسلو الـ104، وجدنا الاحتلال كيف مارس البلطجة والابتزاز في هذا الملف، إذ عمد مقابل كل دفعة من الأسرى حُرّروا الى فرض معادلة جديدة «أسرى مقابل استيطان» ورفع من وتيرة ابتزازه في الدفعة الثالثة عندما تلاعب في تاريخ الإفراج وأسماء الأسرى المفرج عنهم، ولتبلغ بلطجته وعنجهيته ذروتها في رفضه إطلاق سراح الدفعة الرابعة ما لم يوافق الطرف الفلسطيني على تمديد المفاوضات، وأن تطلق أميركا سراح الجاسوس «الإسرائيلي» بولارد، ولم يطلق سراح تلك الدفعة حتى اللحظة الراهنة، وليذهب الاحتلال وأحزابه في خطوة ذات أبعاد خطيرة، إذ اتخذ قرار بعد الموافقة عليه، قدمه أعضاء من أحزاب «إسرائيل بيتنا» و»البيت اليهودي» و»الليكود»، يمنع إطلاق سراح أسرى فلسطينيين من ذوي الأحكام المؤبدة أو تخفيف مدة حكم أسرى لإطلاق سراحهم.

أوضاع أسرانا في سجون الاحتلال تزداد صعوبة وخطورة، والاحتلال يشن عليهم هجمات متصاعدة، لكسر إرادتهم وتطويعها وتحطيم معنوياتهم والسطو على منجزاتهم ومكتسباتهم، كي تصل تلك الجرائم إلى حد جرائم الحرب.

اليوم، يخوض أسرانا من المعتقلين الإداريين إضرابهم المفتوح عن الطعام الذي يدخل يومه العشرين، رغم أن هناك من مضى على إضرابه، مثل الأسير الإداري أيمن طبيش، أكثر من 76 يوماً والأسير عدنان شنايطه نحو خمسين يوماً، يخوضون معركة الأمعاء الخاوية، لنيل حريتهم إذ يحتجزون ويعتقلون وفق ملفات سرية من دون محاكمة، هي كالسيف المصلت على رقاب أسرانا، إذ مدّد اعتقال العشرات منهم أكثر من مرة وعدة مرات تحت طائلة هذا الملف السري، الذي لا يحتوي غالباً سوى اكاذيب وتقارير خادعة ومضللة ومفبركة من قبل الأجهزة الأمنية «الإسرائيلية»، لكي تبقي على أسرانا في أكياس العزل الحجرية من خلال الاعتقال الإداري، ذلك الاعتقال الذي يشكل انتهاكاً فظاً وسافراً لجميع الأعراف والمواثيق والقوانين والاتفاقيات الدولية.

ولذا علينا أن نقف الى جانب أسرانا في معركتهم، معركة الأمعاء الخاوية، ومن خلال شعار ناظم وموحد «لا للاعتقال الاداري… والحرية لأسرانا في سجون الاحتلال»، شعار يجب أن تلتف وتتوافق عليه جميع ألوان الطيف السياسي الفلسطيني، وعلينا ألّا نرفع أي شعار آخر في النشاطات والمؤتمرات والمهرجانات والفعاليات الداعمة لأسرانا في مطالبهم، من شأنه تفتيت وحدتنا والإضرار بقضية أسرانا المضربين عن الطعام وإفشال خطوتهم النضالية.

أقصانا يدخل مرحلة الخطر الجدي، ولا نريد «اجترار» الكلام حول مدى خطورة الممارسات والإجراءات «الإسرائيلية» في حقه، فالحفريات حوله وأسفله مستمرة وبوتيرة عالية، وطالت أساساته وعلى نحو يهدد الأقصى وجدرانه بالانهيار، كما تحوطه الكنس والمدارس التوراتية من كل جانب، وعمليات اقتحامه تتمّ على مدار الساعة ويتزعمها نواب وأعضاء كنيست، لإقامة صلوات وشعائر تلمودية وممارسة الشذوذ الجنسي واللاأخلاقي في ساحاته، ويرافق ذلك رفع الأعلام الصهيونية في ساحاته، ويبلغ الأمر ذروته برفع النائب الصهيوني المتطرف موشيه فيجلين العلم «الإسرائيلي» فوق قبة الصخرة، وتُتداول القوانين والتشريعات في أروقة الكنيست والمحاكم الصهيونية، لتشريع التقسيم الزماني والمكاني في الأقصى بين المسلمين أصحاب الحق الحصري والشرعي في هذا المكان المقدس للمسلمين وقطعان المستوطنين وجمعياتهم الاستيطانية التي تزعم وجود هيكل زائف مكان أقصانا.

لكي لا ننسى الاحتلال الذي يشن علينا حرباً شاملة على مختلف الجبهات، كي يكسر إرادتنا ويفقدنا الثقة بعدالة ومشروعية نضالنا وحقوقنا ومشروعنا الوطني، وفي ظل هذا الخطر الداهم المستهدفنا في كل شيء، فإنّ إنهاء انقسامنا وتحقيق وحدتنا من العوامل المهمة في صمودنا ومقاومتنا وتحقيق انتصارنا، ولا مناص من إنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة لكي ننتصر.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى